في 26 من مايو/أيار من عام 1948، بعد نحو أسبوعين من إعلان قيام دولة إسرائيل، بدأ الجيش الإسرائيلي العمل بشكل رسمي باعتباره المنظمة العسكرية الوحيدة في البلاد.
واليوم يحتل الجيش الإسرائيلي المرتبة الـ 17 في قائمة أقوى الجيوش في العالم، وفقاً لإحصائيات موقع "غلوبال فايرباور" الأمريكي.
ويضم الجيش في صفوفه 169 ألف جندي في الخدمة الفعلية النظامية، ونحو 465 ألفاً في الاحتياط، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (آي آي إس إس).
وتخدم في الجيش الإسرائيلي مجموعة متنوعة من الطوائف والأديان، تشمل، إلى جانب اليهود، المسيحيين والمسلمين من البدو والدروز وجميعهم من حملة الجنسية الإسرائيلية.
فماذا نعرف عن تركيبة الجيش الإسرائيلي؟
"اليهود هم الأغلبية الساحقة"
الخدمة العسكرية إلزامية لليهود رجالاً ونساء لمن يبلغون 18 عاماً، إذ يخدم الرجال 32 شهراً، وتخدم النساء 24 شهراً، ومن يرفض الخدمة العسكرية يتعرض للمساءلة القانونية وقد يواجه السجن المتكرر، قبل أن يتم تسريحه من قبل مجلس الطب النفسي العسكري.
وعند انتهاء فترة الخدمة الإلزامية يسرّح الجنود باستثناء من أراد أن يتخذ من الجيش وظيفته الدائمة حيث يُثبت في القوات النظامية، أما الذين سُرّحوا فيشكلون نواة جيش الاحتياط في إسرائيل، ويُستدعى جنود الاحتياطكل عام لفترة محددة لتلقي التدريبات العسكرية للحفاظ على جاهزيتهم.
والأغلبية الساحقة في الجيش هم اليهود، إذ يبلغ عدد اليهود في إسرائيل 7.145 مليون شخص من أصل 9.727 مليون شخص، وفق دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية لعام 2023.
ومن يخدم في الجيش هم من "اليهود العلمانيين والمتدينين والتقليديين"، أما اليهود الأرثوذكس المتشددون (الحريديم) فيعفون من الخدمة العسكرية في إطار اتفاقيات سياسية تعود لنشأة الدولة، حيث يتفرغون للدراسات الدينية.
ومنذ سنوات، تُثير قضية إعفاء الحريديم جدلاً سياسياً مستمراً في الأوساط الإسرائيلية، وفي فبراير/ شباط أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن وجود مقترح جديد لمشروع قانون ينهي إعفاءهم من التجنيد، في ظل الحرب المستمرة في غزة.
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إن الجيش بحاجة لتجنيد الحريديم، مع دخول الحرب في غزة شهرها السادس، وأضاف "نحن جميعا نحمل العبء نفسه ومن لم يتجندوا لن يحصلوا على أموال من الدولة".
ويوم الثامن عشر من مارس/ آذار الحالي، تظاهر المئات من الحريديم في القدس رفضا للتجنيد، ورددوا شعارات من بينها "نموت ولا نتجند في الجيش".
ومن المفترض أن ينتهي إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية آخر شهر مارس/ آذار الحالي، حيث أمهلت المحكمة العليا الحكومة الإسرائيلية حتى الـ 31 من الشهر، من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم بشأن تجنيدهم وإلزامهم بالخدمة العسكرية.
وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد حصل حوالي 66 ألف شاب من الحريديم على إعفاء من الخدمة العسكرية خلال العام الماضي، وهذا رقم قياسي على الإطلاق.
ووفق المعهد الإسرائيلي للديمقراطية يبلغ عدد السكان الحريديم في إسرائيل حوالي مليون و335 ألفا، أي 13.6 في المئة من إجمالي السكان.
وفي سنوات إسرائيل الأولى كان يهيمن على الجيش والحكومة في الأغلب نخبة من العلمانيين واليساريين، إذ كان من المتعارف عليه إبعاد الدين عن المهام العسكرية. لكن العقود الأخيرة، بحسب تقرير لرويترز عام 2016، شهدت تصاعد "الصهيونية الدينية"، وأدى ذلك إلى ازدياد عدد الضباط من الصهاينة المتدينين بشكل ملحوظ.
مزدوجو الجنسية
وبموجب القانون الإسرائيلي، يُطلب أيضا من المواطنين الإسرائيليين الذين يحملون جنسية مزدوجة ويقيمون بشكل دائم خارج البلاد أداء الخدمة العسكرية في إسرائيل.
ومع انطلاق الحرب مع حماس عقب هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، استدعى الجيش الإسرائيلي مئات الآلاف من جنود الاحتياط، بمن فيهم المقيمون في الخارج.
الإعفاء من الخدمة
يمكن أن تعفى النساء من الخدمة العسكرية لعدة أسباب، مثل الزواج أو الحمل أو الأمومة أو لأسباب دينية، كما يمكن إعفاء الشباب الإسرائيليين الذين يعانون من مشاكل طبية أو نفسية من الخدمة بعد إجراء الفحص عليهم.
العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية
يشكل العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية نحو 21 في المئة من سكان إسرائيل، ويعيشون في مناطق النقب والمثلث وشمال إسرائيل.
وتفرض إسرائيل التجنيد الإلزامي على الرجال من الدروز والشركس، ويُستثنى بقية العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية من الخدمة العسكرية الإلزامية، لكن عددا منهم يختار طواعية الانضمام للخدمة العسكرية.
الدروز
فرضت إسرائيل التجنيد الإجباري على الشباب الدرزي منذ عام 1956، ضمن ما يعرف بـ"حلف الدم"، حينما تعهد آنذاك قادة الطائفة بالولاء لدولة إسرائيل والخدمة في الجيش مقابل تعزيز المكانة الاجتماعية والاقتصادية لهم.
وتأسست في عام 1974 الكتيبة الدرزية أو ما يعرف بكتيبة "حيرف" أو "السيف"، التي كانت تنشط عادة في الحدود مع لبنان، وكان الدروز الأغلبية الساحقة فيها إلى جانب جنود يهود. وفي عام 2015 قرر رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، حل الكتيبة نظرا لرغبة الدروز الانخراط في وحدات الجيش المختلفة.
واليوم، يخدم الدروز في جميع وحدات الجيش، ومنها الوحدات القتالية والتشكيلات التكنولوجية والاستخباراتية، ويتميزون بإلمامهم باللغة العربية وبثقافة المجتمع العربي.
وبحسب التقديرات الإسرائيلية فإن أكثر من 80 في المئة من أبناء الطائفة الدرزية يخدمون في الجيش، معظمهم في وحدات قتالية.
ويبلغ عدد الدروز قرابة 150 ألف نسمة، ويمثلون أقل من اثنين في المئة من إجمالي سكان إسرائيل ونحو ثمانية في المئة من السكان العرب، موزعين على العديد من المناطق، لا سيما في الجليل والكرمل والجولان السوري المحتل.
وبالرغم من إلزامية التجنيد، فقد نشطت بين صفوف الطائفة الدرزية على مدار العقود الماضية عدة حركات مناهضة للخدمة العسكرية، أولها "لجنة المبادرة العربية الدرزية" التي تأسست في عام 1970.
وينفي الكاتب ورئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية، غالب سيف، النسب الرسمية المعلنة لانضمام الشباب الدرزي في الجيش، ويقول في حديثه لـ بي بي سي "إن نسبة المجندين من العرب الدروز في كل أجهزة الأمن الإسرائيلية هي ثمانية في المئة فقط".
ويشير غالب سيف في حديثه أيضا إلى دراسة أجرتها جامعة حيفا في عام 2017 تقول إن 65 في المئة من دروز إسرائيل يرفضون الخدمة العسكرية.
ويواجه من يرفض الخدمة العسكرية من الدروز السجن والحرمان من التوظيف لدى بعض الجهات، مما يُعمق الضغط الاقتصادي على الشباب الرافض للتجنيد، بحسب غالب سيف.
ويرى رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية، الذي سبق له أن خدم في الجيش الإسرائيلي وانسحب فيما بعد، أن التجنيد الإلزامي "لم يجلب المساواة والعدالة لأبناء الطائفة".
أما بالنسبة للمجتمع الدرزي في الجولان السوري المحتل فالنظرة تختلف بشكل كامل، إذ يتمسك دروز الجولان بهويتهم القومية العربية السورية ويقاطعون الخدمة العسكرية، كما يرفضون الجنسية الإسرائيلية.
الشركس
فرضت الخدمة العسكرية على الأقلية الشركسية في عام 1958، ويخدم الرجال فقط في جميع وحدات الجيش.
ويبلغ عدد الشركس المسلمين في إسرائيل حوالي 5000 نسمة، يعيشون في قريتين شمال إسرائيل، الأولى قرية "كفر كما" إلى الشرق من بحيرة طبريا والثانية "الريحانية" بالقرب من الحدود السورية.
البدو
على الرغم من أن القانون لا يجبر العرب البدو على الخدمة العسكرية فإن بعضهم اختار الانضمام للجيش مقابل الحصول على امتيازات عدة.
وتشير بيانات الجيش الإسرائيلي، التي نشرتها صحيفة "جيروزاليم بوست" إلى زيادة ملحوظة في أعداد المجندين المسلمين، ومعظمهم من البدو.
وبحسب الصحيفة "فقد انضم نحو 606 من المسلمين إلى الجيش في عام 2020، مقارنة بـ 489 في عام 2019 و436 فقط في عام 2018". ويعود السبب وراء هذه الزيادة إلى حملات تجنيد كبيرة يقودها الجيش، تهدف "إلى تجنيد المزيد من الشباب العرب".
وفي تقرير آخر لنفس الصحيفة فإن حوالي 1500 من البدو يخدمون في الجيش. وخلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس سلّط مقتل الجندي البدوي أحمد أبو لطيف الضوء من جديد على الدوافع وراء انضمام بعض البدو إلى الجيش الإسرائيلي.
ويقول الباحث ومزارع الثقافة (كما يحب أن يعرف عن نفسه) كايد أبو لطيف، شقيق الجندي أحمد، خلال مقابلة مع بي بي سي إنه "ليس من الغريب على المجتمع البدوي أن يكون ضمن السياق العسكري في الدولة التي يسكنها، حيث الشراكة في المصير والمستقبل".
ويوضح أبو لطيف أن السنوات الأخيرة شهدت تزايد انضمام أفراد من البدو إلى الجيش، والسبب يعود إلى "الضائقة الاقتصادية والتمييز ضد أبناء الأقليات العربية"، ويضيف لـ بي بي سي أن "الخلفية العسكرية للشباب تضمن تأمين مقومات الحياة الأساسية لهم من مسكن ووظيفة وفرص تعليم لا يمكن الحصول عليها من دون الخدمة العسكرية".
ويُلقي أبو لطيف باللوم على "القيادات العربية داخل إسرائيل، التي لم تسع بشكل ملموس إلى تحسين الوضع المعيشي للشباب العربي".
ويتوزع البدو بين شمال إسرائيل في الجليل وجنوب البلاد في صحراء النقب التي يقطنها حوالي 300 ألف شخص، وتعيش نسبة كبيرة منهم في فقر مدقع داخل قرى غير معترف بها تفتقر إلى البنية التحتية والكهرباء والمياه والمدارس ووسائل النقل.
وفي عام 1987 تأسست "كتيبة البدو" أو "كتيبة الاستطلاع الصحراوية"، وهي وحدة مشاة تشكلت في الأساس من الجنود البدو، ومع مرور الوقت أصبحت تضم فئات أخرى.
وغالبية الجنود البدو ينحدرون من شمال إسرائيل، ويرى البعض أن انتشار "الحركات الإسلامية" في النقب أدى إلى إقناع أكثرية البدو هناك بعدم الخدمة، بينما يرى آخرون أن استمرار التمييز ضد بدو النقب حتى لو خدموا هو السبب وراء عدم الخدمة.
النظرة المجتمعية للمجندين العرب في الجيش الإسرائيلي
يواجه البعض من الجنود العرب اعتراض مجتمعاتهم على الخدمة في الجيش، ويتهمهم البعض بـ"الخيانة".
ومنذ سنوات أصدرت الحركة الإسلامية في شمال إسرائيل، برئاسة الشيخ رائد صلاح، فتوى تحرم خدمة المسلمين في الجيش الإسرائيلي، ومن يفعل ذلك ويقتل في المعارك تمنع الصلاة عليه في المساجد التابعة للحركة.