• الساعة الآن 05:57 PM
  • 19℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

رمضان.. اختزال صنعائي!

news-details

خاص – النقار

بإمكانك اختزال رحمة الله الرمضانية في جمال امرأة عجوز انتصرت للتو على ازدحام الطريق وخرجت بسلام من معمعة صائمي النَّزَق السنوي الذين يملؤون سائلة صنعاء تكشيراً وصراخاً، حاملةً بيدها عالماً خاصاً لا يتجاوز حجم قطعة "لحوح" أو قطعتين، تجاورها تمرات معدودة ومصحف كريم، وبيدها الأخرى مسبحة لا تتوقف عن الدوران في فلك الله. ذاك سر من أسرار الله يمشي على أرض صنعاء، ويزيد نهار رمضان الأول اكتمالاً. سر يجسده الله في امرأة مسنة بلغت من الضوء أجمله.

وبإمكانك اختزال سعادة رمضان في امرأة متعبة تبيع "المَلوج" طوّقها الزبائن بكثرة وهم يطلبون شراء ما تيسر من هذا الخبز، في لحظة لا تمنح فيها المرأة سعادتها لأحد، شاكرةً الله على فضله وكرمه بأن مكنها من بيع كل "الملوج"، قبل سويعات معدودة من أذان المغرب.

وبإمكانك اختزال جمال رمضان في وجوه أطفال مارين بالحواري يغنون الفلكلور في أول نهار رمضاني: "يا رمضان يابو الحماحم ادّي لأبي قُرعة دراهم"، وما إن تنظر إليهم حتى تشعر أن البلاد لن تتعافى إلا إذا واصل هؤلاء الصغار الغناء. تقول لنفسك: هل يعلمون ما هي الحماحم؟ إنها الرياحين، وهؤلاء رياحيننا في زمن يتنفس رائحة البارود. وكم يهيمون وهم يطالبون "رمضان" بـ"ادّي لأبي قُرعة دراهم"، وما إن تسمع ذلك حتى تتحسر على القيمة التي وصل إليها "الريال"، كما أنك ستتذكر أيضاً "الراتب المقطوع".

وبإمكانك اختزال رمضان بأكمله، منذ يومه الأول، في شوارع وحواري صنعاء وهي تهرول على عجل للحاق بالإفطار، وصوت صنعاء وهي تنادي ربها في "الدَّريس" وتذهب إليه تعالى في الأذان، وأحزان صنعاء وهي تجهش صبراً واحتساباً في البيوت والأرصفة والطرقات.

ولأن صنعاء تمنحك هذه القدرة على الاختزال، فإنك ستجد في رمضانها كل شيء بسيطاً ومفعماً بالروح رغم الموت، وناضحاً بالإيمان رغم الجدب، لكنك لن تجد صنعاء التي عرفتها منذ زمن، وصُمت وأفطرت معها وصليت خلفها منذ زمن. صنعاء العاصمة التي حاولت أن تعصم الجميع طويلاً، ثم لم يعصمها أحد من أخطائه. مهما حاولتْ إقناعك بأنها صنعاء، فإن شبراً فيها لن يتمكن من الرد حين تقول لها الآن: كل عام وأنتِ بخير، لأن هذه العبارة وحدها تكفي لنتأكد أن ما ينقص صنعاء هو أن تكون بخير.

شارك الخبر: