بعد تغيير في مهامي الوظيفية، سألني صديق منذ فترة قصيرة إن كنت حصلت على زيادة في الراتب.
فأجبته "كلا. لكنني أسعد بكثير الآن. أشعر بضغط نفسي أقل كما ازدادت قدرتي الإبداعية. أقضي يومي في الكتابة بدل تحديث جداول البيانات والرد على الرسائل الإلكترونية".
وكان ردّه على ذلك "آه لقد فهمت. لم يرتفع راتبك، بل نهضت بحياتك".
أحببت هذا التعبير العفوي؛ وكان أفضل وصف مختصر لوضعي. "نهض بحياته"- هذا ما حدث معي بالضبط. وكلما أمعنت بالتفكير في الأمر، وجدت أنه لو خيّرت، لاخترت أن أعيش هذا القدر من الرضا بدل زيادة في الراتب كل مرة تقريباً. وهذا خياري على رغم أن الارتفاع الهائل في كلفة المعيشة حالياً يعني أنّ مدّخراتي (التي ستصبح في خبر كان قريباً) تتناقص كل شهر.
وكان اكتشافاً جيداً لا سيما في ظل الأخبار الواردة عن تقليص الزيادات على رواتب العاملين في المملكة المتحدة هذا العام. يخطط أرباب العمل لمنح أقل الزيادات على الراتب منذ فترة الجائحة، وفقاً لتقرير عن توقعات سوق العمل وضعه المعهد المعتمد لشؤون الموظفين والتنمية.
بعد استقرار متوسط زيادة الأجر على خمسة في المئة طيلة أكثر من عام، يتوقع أن ينخفض إلى أربعة في المئة في 2024- في أول تراجع له منذ عام 2020. ويقول جون بويز، كبير الاقتصاديين المختص بسوق العمل في المعهد "تبدو كأنها لحظة مصيرية في سوق العمل البريطاني. ينتقل اهتمام أصحاب الأعمال من مساعدة موظفيهم على مواجهة أزمة الغلاء المعيشي إلى التركيز على استدامة شركاتهم ونموّها، وهو ما سيرخي بظلاله على عدد الموظفين في بعض الأماكن".
إنه اتجاه مقلق. لا جدوى في التظاهر بأنّ المال لا يهم؛ لأن تأثيره على نوعية حياتنا كبير، لكونه العامل الذي يحسم قدرتنا على تحمل تكاليف أمور تبدأ من تشغيل التدفئة وتصل إلى السفر لقضاء العطلة هذا العام. ويقول بول دولان، العالم المختص بدراسة السلوك ومؤلف كتابي "تصميم السعادة" و"السعادة الأبدية"، "الفقر يجلب للناس التعاسة. عندما تسمع أشخاصاً يستسهلون قول إن 'المال لا يجلب السعادة'، يكونون دائماً أشخاصاً يملكون المال. ولا تسمع هذا الكلام من فم الفقراء".
ويضيف بروس دايزلي، مؤلف كتباً تصدّرت قوائم المبيعات مثل فرح العمل وكُل ونَم واعمل ثم أعد الكرّة "المشكلة هي أنّ ارتفاع الأسعار لم يقابله ارتفاع في الأجور خلال السنوات الماضية. لذلك يشعر العاملون المكبّلون أساساً بقروض دراسية وارتفاع الإيجارات والغلاء المعيشي المتزايد أنّ العمل في وظيفة مُرضية تحفّزهم خيار يمكنهم التضحية به. وفي هذه النقطة قد يجعلنا الهراء الذي نسمعه في خطابات التخرّج حول ضرورة أن 'تحبّ عملك' نشعر بأننا مضطرون لمقايضة تأمين قوتنا بإحساسنا بتقديرنا لذاتنا من خلال العمل".
يشبه هذا الكلام تسلسل ماسلو الهرمي للحاجات الإنسانية- أي مفهوم ضرورة تلبية الحاجات الأساسية مثل الملجأ والقوت قبل أن يتمكّن الفرد من تلبية حاجات أعلى بحسب التدرّج الهرمي مثل الإبداع والثقة بالنفس والإنجازات.