ربما كان أول حفل زفاف ملكي من نوعه يتم تصويره في الشرق الأوسط. كان العام 1939، عندما عقدت الأميرة فوزية من مصر قرانها مع ولي العهد الإيراني محمد رضا بهلوي، مما أدى إلى ارتباط بين الأسر الملكية في اثنتين من أبرز دول الشرق الأوسط في تحالف استراتيجي.
كان الآلاف قد تجمعوا للاحتفال في قصر عابدين بالقاهرة، حيث تميز حفل الزفاف بالألعاب النارية واستعراض حضارة البلدين. كانت الأميرة فوزية الأخت الكبرى للملك فاروق الأول -آخر ملوك مصر- وكانت تبلغ من العمر 17 عامًا فقط عندما تزوجت بهلوي، الذي اعتلى العرش بعد ذلك بعامين وأصبح شاه إيران. تقدمت فوزية بطلب للطلاق عام 1945، واعترفت طهران بالطلاق عام 1948.
بعد 40 عامًا من الزفاف، أُطيح ببهلوي في "ثورة إسلامية" غيرت مسار العلاقات الإيرانية مع الدول العربية، واتجهت العلاقات الإيرانية-المصرية على وجه الخصوص إلى دوامة من الهبوط لم تخرج منها الدولتان أبدًا.
إنه الخلاف الأطول بين إيران ودولة عربية في العصر الحديث، لكنه قد يقترب من نهايته قريبًا.
أيد المرشد الإيراني علي خامنئي الأسبوع الماضي علانية تطبيع العلاقات مع مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، قائلاً إن إيران "ترحب باهتمام مصر باستعادة العلاقات". وقال في تغريدة على تويتر: "ليس لدينا مشكلة في هذا الصدد".
وتحدثت تقارير إعلامية عن انفراج محتمل بين البلدين بعد زيارة السلطان العماني هيثم بن طارق للدولتين الشهر الماضي، فيما اعتبر "محاولة للتوسط" في المصالحة.
وتأتي تعليقات خامنئي الأخيرة في الوقت الذي تقوم فيه السعودية بتطبيع العلاقات مع إيران بعد ما يقرب من 8 سنوات من الجمود الدبلوماسي. أعادت إيران فتح سفارتها وقنصليتها في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي.
"جائزة" لطهران
قال الباحث في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي في لندن ه.أ. هيلير لـCNN: "تبحث إيران دائمًا عن مزيد من التعاون في المنطقة العربية الأوسع، وسوف يكون التطبيع مع مصر، المتحالفة تقليديًا مع الولايات المتحدة بمثابة جائزة لطهران".
قال هيلير: "حتى لو لم تكن دقيقة، فالرواية ستكون أن طهران تعزز موقفها على حساب الولايات المتحدة"، مشيرًا إلى أنه بالنسبة لمصر فإن الأمر ليس على رأس أولوياتها ذلك لأن "طهران لا تقدم الكثير للقاهرة".
تشهد المنطقة الأوسع نطاقًا سلسلة من عمليات إعادة التقارب بين الدول التي كانت على خلاف مع بعضها البعض في يوم من الأيام. وبصرف النظر عن السعودية وإيران، تصالحت مصر مع كل من تركيا وقطر، ورحبت جامعة الدول العربية الشهر الماضي بعودة سوريا كعضو بعد أكثر من عقد من العزلة.
قال تريتا فارسي، نائب رئيس معهد "كوينسي" للأبحاث في واشنطن، إنه بعد أن فشلت إيران في تطبيع العلاقات مع الغرب، تعتبر العلاقات الأقوى مع الدول الأخرى في الشرق الأوسط بديلًا الآن.
وأضاف فارسي: "المنطقة أيضًا تكتشف قدرتها على اتخاذ القرارات ودبلوماسيتها الخاصة، نحن نواجه لحظة جديدة يتم فيها إجراء ترتيب جديد في المنطقة، وفجأة أصبح من مصلحة الجميع تعظيم قدرتهم على المناورة قبل بروز النظام الجديد في المنطقة".
وتابع فارسي قائلًا إن الكثير من هذا مدفوع بالاعتقاد الإقليمي بأن دور الولايات المتحدة في المنطقة وبالتالي حمايتها لها آخذ في التضاؤل.
يقول المحللون إنه على الرغم من أن جولة التطبيع مع مصر من غير المرجح أن تكون صعبة، إلا أنها قد تأتي مع تعقيدات لأن الدولتين تشتركان في تاريخ فريد مليء بذكريات بغيضة.
وقال فارسي: "على الورق، ربما يجب أن يكون هذا أسهل لأن الدولتين ليستا في صراع مباشر في الواقع بالطريقة نفسها التي كانت بها السعودية وإيران. إنهما على طرفي نقيض في قضايا مختلفة، لكن هذا مختلف".
شهدت العلاقات بين مصر وإيران بعض التوترات قبل الثورة الإسلامية عام 1979، لكنها اتخذت منعطفًا مفاجئًا مع حكم رجال الدين الجديد في طهران.
كان جمال عبدالناصر الذي تعرض لهزيمة عام 1967 على يد إسرائيل على خلاف مع شاه إيران الذي كان صديقًا للدولة اليهودية. لكن العلاقات بين القاهرة وطهران تحسنت بعد وفاة عبدالناصر حيث سعى أنور السادات للتواصل مع الشاه.
لكن بهلوي، الذي حكم إيران منذ عام 1941، أُطيح به في "الثورة الإسلامية" بعد فترة وجيزة، وكانت مصر السادات هي التي منحته الملجأ، مما أثار حفيظة حكام رجال الدين الجدد في طهران.
عاش الشاه في القاهرة حتى وفاته في عام 1980 عن عمر 60 عامًا، ودُفن بجوار قلعة القاهرة في مسجد الرفاعي حيث دُفن الملك فاروق أيضًا، وبُني له ضريح.
اغتيل السادات بعد عام واحد على يد ضابط بالجيش المصري يُدعى خالد الإسلامبولي، والذي عارض توقيع الرئيس على معاهدة سلام تاريخية مع إسرائيل في عام 1979. حينها، أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية اسم قاتل السادات على أحد شوارع العاصمة طهران.
وزن الرمزية التاريخية
مع مرور السنين، تباعدت مصر وإيران عن بعضهما البعض، مع قليل من الرغبة في المصالحة من أي من الطرفين.
تحسنت العلاقات جزئيًا في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، عندما تم تبادل القائم بالأعمال، لكن العلاقات لم تصل أبدًا إلى مستوى السفراء. وفي عام 2004، تم تغيير اسم شارع الإسلامبولي في طهران إلى الانتفاضة، في إشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية ضد إسرائيل.
باءت محاولات التطبيع بين القاهرة وطهران بالفشل، كانت هناك آمال ضئيلة بالمصالحة عندما أدت انتفاضات الربيع العربي عام 2011 إلى الإطاحة بمبارك وبالتالي ظهور حكومة يقودها الإخوان المسلمون والتي أشارت إلى الرغبة في إصلاح العلاقات مع إيران.
حتى أن الرئيس الراحل محمد مرسي سافر إلى طهران في عام 2012 لحضور قمة حركة عدم الانحياز. لكن أطيح به بعد عام في السلطة.
قال فارسي إن تاريخ العلاقات "مليء بالرمزية التي تحمل ثقلًا سياسيًا كبيرًا"، مشيراً إلى أن هذه الاختلافات الرمزية في الماضي حالت دون "محاولات التطبيع الدقيقة التي حدثت".
وأضاف فارسي أن المصالح المتعارضة أثبتت أنها قوية للغاية، ولم يحدث التطبيع على الإطلاق. لكنه قال إن "قيمة التطبيع أكبر، وتكلفة عدم التطبيع بسبب هذه التحولات الإقليمية هي أيضًا أعلى بكثير اليوم".
وقال فارسي إنه من غير المرجح أن ترى إسرائيل أي تطبيع مع إيران أمرا إيجابيا، لأنه فقط يساعد إيران على انتزاع نفسها من العزلة التي يفرضها عليها الغرب وحلفاؤه والتي تدعمها إسرائيل.
وقال: "تريد إسرائيل إيران معزولة ومحاصرة"، مضيفًا أن الاجتماعات المنعقدة اليوم مع إيران تمثل إشكالية خاصة لأنها "تفجر بالون اتفاقيات إبراهيم".
"اتفاقيات إبراهيم" سلسلة من اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية الموقعة في عام 2020، والتي تأمل إسرائيل أن تؤدي إلى اندماجها الكامل في المنطقة. تستمر معظم الدول العربية في رفض الاعتراف بإسرائيل.
لكن في نهاية المطاف، قد يكون للانفراج المصري الإيراني تأثير ضئيل يتجاوز الرمزية.
وقال هيلير: "إن غياب التطبيع الإيراني ـ المصري لم يكن يعني كل هذا القدر، ووجوده كما أظن، لن يكون كذلك".