مع إعادة الولايات المتحدة لجماعة أنصار الله إلى قائمة الجماعات الإرهابية، يدخل اليمن في مرحلة جديدة تستهدف من خلالها واشنطن عرقلة "تمويل العمليات الإرهابية" بسبب ما أحدثته هذه الجماعة من تعطيل لحركة التجارة في البحر الأحمر.
القرار الذي أقرته واشنطن، في منتصف يناير الماضي دخل، اليوم، حيز التنفيذ الجمعة، وفق ما أكد المتحدث الرسمي لبعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيت إيفانز، في منشور على منصة "إكس" لمكتب التواصل الإعلامي التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
وأضاف أن الولايات المتحدة أعلنت عن هذا القرار في 17 يناير الماضي، ولكن دخوله لحيز التنفيذ سيكون في غضون 30 يوما، مما سيسمح بتأمين وجود عمليات إنسانية قوية لضمان استهداف الحوثيين من دون الإضرار بالشعب اليمني.
ومنذ أشهر، ينفذ أنصار الله هجمات يقولون إنها تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل، دعما للفلسطينيين في قطاع غزة على خلفية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس المستمرة منذ أكتوبر، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
لمحاولة ردعهم، شنت القوات الأميركية والبريطانية ضربات على مواقع تابعة لهم منذ 12 يناير. وينفذ الجيش الأميركي وحده بين حين وآخر ضربات يقول إنها تستهدف مواقع أو صواريخ ومسيّرات معدة للإطلاق.
وإثر الضربات الغربية، بدأ أنصار الله استهداف السفن الأميركية والبريطانية في المنطقة معتبرين أن مصالح البلدين أصبحت "أهدافا مشروعة".
وتؤثر هجمات أنصار الله على الملاحة وتسببت بارتفاع كلفة التأمين لشركات الشحن، ما أجبر كثيرا منها إلى تجنب هذا الطريق الحيوي الذي تمر عبره 12 في المئة من التجارة البحرية العالمية.
ماذا يعني التصنيف كجماعة إرهابية؟
السفير روبرت وود، من البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة قال في تصريحات، الأربعاء، خلال إيجاز لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن إن الولايات المتحدة أعلنت الشهر الماضي إدراج جماعة أنصار الله على قائمة الإرهابيين العالميين المدرجين بشكل خاص، وذلك اعتبارا من 16 فبراير.
وأضاف أن أنصار الله يحاولون "تضييق الخناق على الشحن العالمي عبر البحر الأحمر، ويواجه الناس في مختلف أنحاء العالم زيادة في تكاليف السلع والإمدادات نتيجة لذلك".
وأشار وود إلى أن التوترات أدت إلى "إعادة توجيه السفن حول أفريقيا (وتأخيرها) بنحو 10 أيام ومليون دولار من تكاليف الوقود لكل رحلة في اتجاه واحد بين آسيا وأوروبا".
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله"، "كيانا إرهابيا عالميا مصنفا تصنيفا خاصا"، ما يعني عمليا تجميد الأصول التي قد تملكها الحركة في الولايات المتحدة وقطع مصادر تمويلها.
وكان البيت الأبيض قد أكد في بيان سابق أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية جاء "ردا على التهديدات والهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون".
وأضاف أن "هذا التصنيف يعد أداة مهمة لعرقلة تمويل العمليات الإرهابية للحوثيين، وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم".
ووفقا لوكالة أسوشيتد برس فإن إعادة تصنيف "الحوثيين" كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة لن يتضمن عقوبات على تقديم "الدعم المادي" ولا حظر السفر وبالتالي لن يشكل عائقا كبيرا أمام تقديم المساعدات للمدنيين اليمنيين.
ويهدف التصنيف إلى منح وزارة الخزانة يدا أوسع لإصدار العقوبات والإشارة إلى الحكومات الأجنبية الأخرى أو الأشخاص أو الشركات بأنها قد تفقد إمكانية الوصول إلى النظام المالي الأميركي، إذا خالفت العقوبات.
ويعكس الإجراء أيضا جهدا دقيقا من قبل الولايات المتحدة لتحقيق التوازن، الذي يحمي تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها بشدة الشعب اليمني، الذي عانى من المجاعة والمرض والنزوح خلال أكثر من عقد من الحرب الأهلية بعد أن استولى أنصار الله على صنعاء، في سبتمبر عام 2014.
محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية، قلل من الأثر المباشر للعقوبات على أنصار الله مشيرا إلى أن القطاعات التي ستتضرر في حقيقة الأمر هي "المؤسسات التي تتعامل بالدولار مثل البنوك وهيئة الطيران وموانئ الحديدة وكذلك شركات الاتصالات والنفط والغاز".
وقال في حديث لموقع "الحرة" إن "قراءة حزمة العقوبات الأميركية السابقة، أظهرت أن الحوثيين لا يتعاملون مع المنظومة البنكية أو المالية العالمية، وإنما عبر صرافين ووسطاء ولهذا هم لا يبالون بهذه العقوبات".
رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية في العاصمة واشنطن، عبد الصمد الفقيه، يقول إن هذا التصنيف يتكرر للمرة الثانية، وهو ما يدل على عدم استقرار الإدارات الأميركية في طريقة تعاملها مع جماعة أنصار الله.
ولفت في رد على استفسارات موقع "الحرة" إلى أن "الإدارة الأميركية الحالية هي نفسها من كانت ألغت قرار تصنيف الحوثي السابق، لتعيده حاليا، ولكنه ليس بقوة قرار الإدارة السابقة".
ويتفق الفقيه مع ما تحدث به الباشا إذ أن "القرار الأميركي لن يؤثر بشكل كبير على قدرات الحوثيين، إذ سيشعرون بوجود ضغط دولي على الجانب السياسي، ولكن على الجانب العملي هذه الجماعة كانت تتوقع هذا القرار ولهذا حصنت نفسها بشبكة تمويل بعيدة عن الأنظمة المالية الدولية التي يمكن ملاحقتها".
وزاد أن قادة أنصار الله يتمركزون في اليمن "ولا يغادرونه أبدا، ولا يوجد لهم أملاك وأصول يمكن ملاحقتها في خارج البلاد"، مضيفا أن "الحد من قدرات الحوثيين لا يمكن أن يتم بهذه العقوبات، إذ سيستمرون في الحصول على السلاح كما حصلوا عليه خلال السنوات الماضية عبر طرق غير شرعية".
ويشكك خبراء تحدثوا في تقرير سابق لوكالة فرانس برس في فعالية الإجراء الأميركي، ويقول الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عبد الغني الإرياني، إن "العقوبات لم تنجح قط في الماضي ولن تفلح اليوم".
وتوضح مديرة كلية غورتن في جامعة كامبريدج، إليزابيث كيندال، لفرانس برس أن الآلية التي اختارتها إدارة بايدن هي بالتأكيد أكثر مرونة من تلك السابقة، لكنها تشمل حتما "معاملات أكثر ومخاطر بالنسبة للمنظمات والمستوردين، ما سيؤثر على توصيل المنتجات وسيرفع الأسعار".
وترى الخبيرة في شؤون اليمن، كيندال، أنه حتى لو كان أنصار الله "يستحقون" بالفعل هذا التصنيف "فليسوا هم من سيتحملون" تبعاته، مشيرة إلى أن قادة عدة من الحركة "يجمعون ثروات على حساب الاقتصاد الخفي للحرب".
وتضيف "قد يتبين أن التهريب مربح أكثر بعد التصنيف".
وكان أنصار الله قد أُدرجوا على قائمة الإرهاب مطلع عام 2021 في نهاية عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وكذلك على لائحة "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، ما يمنع إجراء أي مبادلات معهم.
ونددت آنذاك منظمات الإغاثة بهذا الإجراء، معتبرة أنه يعقّد الاستجابة للأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها الشعب اليمني.
لكن بعد أسابيع، ألغت إدارة الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، هذا التصنيف استجابة لمطالبات المنظمات.
وتعهد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في يناير، أن واشنطن "ستجري تواصلا قويا مع أصحاب المصلحة ومقدمي المساعدات والشركاء الذين يلعبون دورا حاسما في تسهيل المساعدات الإنسانية والاستيراد التجاري للسلع الحيوية في اليمن".
وقال السفير وود إن أنصار الله "يواصلون حصارهم لمدن في اليمن ويمنعون نقل الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، مما يفضح نفاق ادعاءاتهم".
وأكد أن تأخير تطبيق سريان القرار الأميركي، كان بهدف "التشاور مع أصحاب المصلحة بشأن التخفيف من تأثير هذه الإجراءات على الوضع الإنساني".
وتابع وود أنه "بالإضافة إلى الاستثناءات الإنسانية الحالية التي تخفف من الأثر الإنساني على الشعب اليمني"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة أعلنت "عن تراخيص عامة جديدة لدعم استمرار الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية في اليمن".
وشدد على أن الولايات المتحدة ستظل "ملتزمة بتحقيق السلام الدائم والاستقرار والازدهار للشعب اليمني".
وقال المحلل الباشا إن العقوبات ستؤثر على الشعب اليمني لا محالة خاصة في "ظل الارتفاع الملموس لكلفة تأمين الشحن البحري وأسعار النقل إلى اليمن، فإن التصنيف سيضيف إلى هذه التحديات ولن يشجع البنوك الدولية وشركات الشحن والمؤسسات التجارية العالمية من التعامل مع السوق اليمنية".
وتابع أنه "خلافا للجماعات الأخرى المدرجة في القوائم الأميركية للإرهاب، جماعة الحوثي أمر واقع ويؤثرون بشكل مباشر على ما لا يقل عن 20 مليون نسمة، ومن الصعب الفصل بين ما هو مرتبط بالحوثيين أو الحكومة اليمنية".
وكانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية قد أصدرت تعميما دعت فيه المنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية المعتمدة في اليمن إلى نقل مقراتها في "مدينة عدن عاصمة البلاد، وفتح حساب مصرفي لدى البنك المركزي اليمني"، بحسب ما نشر وزير الإعلام، معمر الإرياني، في منشور على منصة "إكس".
وأكدت الوزارة على دعمها "الكامل لجميع المنظمات المخلصة في تنفيذ المشاريع والبرامج التنموية والإنسانية، التي تصب في مصلحة الشعب اليمني، وتساهم في تحسين أوضاعه المعيشية".
رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية، الفقيه، قال إن "واشنطن عبّرت عن التزامها بعدم انعكاس القرار الأميركي على الشعب اليمني الذي يعاني أصلا من وجود الحوثيين".
وذكر أن الفترة المقبلة ستكشف ما إذا كانت الإجراءات الأميركية قادرة على تحييد أثر هذه العقوبات على الشعب اليمني واستمرار دخول المساعدات الإنسانية.
ويؤكد نائب منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، دييغو زوريلا، لوكالة فرانس برس أن "المنظمات الإنسانية تأمل بشدة ألا يؤثر تصنيف الإدارة الأميركية على إيصال المساعدات إلى الشعب اليمني".
غير أن المنظمات غير الحكومية التي تواجه أصلا تقليص التمويل الدولي للمساعدات في اليمن، تعرب عن قلقها إزاء عملياتها في البلد الذي يعتمد فيه ثلثا السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة، على المساعدات للعيش.
ويخشى مدير منظمة "كير إنترناشونال" إيمان عبداللهي، من احتمال أن تؤدي هذه العقوبة إلى "تأخير على مستوى تمويل اللوجستيات والعمليات".
ذلك أنه حتى لو منحت استثناءات للمنظمات الإنسانية، فإن نظام العقوبات يشمل جهات أخرى ينبغي التعامل معها مثل المصارف والتجار، ما قد يؤدي إلى "تأجيج الأزمة الإنسانية"، بحسب عبداللهي.
ودعا السفير اليمني لدى فرنسا، الخميس، المجتمع الدولي إلى "التدخل لوقف أعمال الحوثيين"، و"ليس فقط" تنفيذ "ضربات جوية" ضد المتمردين الذين يكثفون هجماتهم في البحر الأحمر، بحسب فرانس برس.
وقال رياض ياسين عبد الله في مؤتمر صحفي: "يجب على الدول الأجنبية التدخل لوقف أعمال الحوثيين، ليس في البحر الأحمر فحسب، لكن داخل اليمن خصوصا".
وأضاف ردا على سؤال للوكالة "نحن بحاجة إلى كثير من المعدات والمساعدات المالية والاقتصادية"، مشيرا إلى أن "عملية حل مشكلة اليمن تتمثل في دعم الحكومة الشرعية" و"ليس فقط" تنفيذ "ضربات جوية تعزز شعبية الحوثيين".
وزاد أنه "من الضروري التذكير بأن المليشيات لم تنتظر حتى 7 أكتوبر لتنفيذ هجمات في المنطقة" و"في حال غادرت إسرائيل غزة، فليس هناك ما يضمن أن الحوثيين سيوقفون الأعمال التي يشنونها منذ أكثر من 10 سنوات".
وقال الدبلوماسي اليمني إن "الهجمات في البحر الأحمر تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الحادة بالفعل في اليمن".
وأعاد السفير وود إلقاء الضوء على الدعم الإيراني المقدم للحوثيين، وقال: "ليس بوسع طهران أن تنكر دورها في تمكين الهجمات التي يشنها الحوثيون ودعمها، وذلك نظرا لدعم إيران المادي طويل الأمد للحوثيين وتشجيعها لأعمالهم المزعزعة للاستقرار في المنطقة".
ودعت الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خاصة تلك التي لديها قنوات مباشرة مع طهران، إلى الضغط على القادة الإيرانيين لكبح جماح أنصار الله ووقف هذه الهجمات غير القانونية والوفاء بالتزاماتهم بموجب قرارات مجلس الأمن.
وأكد وود أن الحرس الثوري الإيراني زوّد الحوثيين بـ"ترسانة متزايدة من الأسلحة المتقدمة منذ عام 2014، وقد استخدموها لمهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر"، وهذا ينتهك قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2140 و2216.
وأضاف أن الولايات المتحدة وشركاءها اعترضوا ما لا يقل عن 18 سفينة تهرب أسلحة إلى الحوثيين بشكل غير قانوني بين العامين 2015 و2023، وصادرت صواريخ باليستية وصواريخ كروز وصواريخ مضادة للسفن وطائرات مسيرة وأسلحة أخرى.
والخميس، أعلنت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" في بيان نشرته على منصة "إكس" أن سفينة تابعة لخفر السواحل الأميركي "قامت بمصادرة شحنة من الأسلحة التقليدية المتطورة وغيرها من المساعدات الفتاكة مصدرها إيران ومتجهة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن من على سفينة في بحر العرب في 28 يناير".
وأضاف البيان أن الشحنة تحتوي على أكثر من 200 حزمة تشمل مكونات صواريخ ومتفجرات وأجهزة أخرى.
ونقل البيان عن قائد "سنتكوم"، مايكل إريك كوريلا، قوله إن "هذا مثال آخر على نشاط إيران الخبيث في المنطقة".
وأضاف أن "استمرارهم في إمداد الحوثيين بالأسلحة التقليدية المتقدمة... يستمر في تقويض سلامة الشحن الدولي والتدفق الحر للتجارة".
وفي 16 يناير، أعلن الجيش الأميركي أنه صادر في 11 من الشهر ذاته، مكونات صواريخ إيرانية الصنع على متن قارب في بحر العرب كانت متوجهة إلى أنصار الله، في أول عملية من نوعها منذ بدأ المتمردون اليمنيون استهداف سفن قبالة اليمن.
وحتى قبل بدء الهجمات، أعلن الجيش الأميركي مرارا مصادرة شحنات أسلحة قال إنها متجهة من إيران إلى "الحوثيين"، وفقا لفرانس برس.
في ديسمبر، شكلت الولايات المتحدة قوة بحرية متعددة الجنسيات لحماية السفن في البحر الأحمر، لكن هذا التحالف لم يتمكن حتى الآن من وقف الهجمات.