على الرغم من التحذيرات الدولية من وقوع كارثة إنسانية لا مفر منها، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد عقد العزم والتصميم على شن هجوم بري على رفح، جنوب قطاع غزة، بالقرب من الحدود المصرية.
ففي خطاب متلفز، أعلن في 7 فبراير/شباط الجاري أنه أمر الجيش "بالتجهز" لمثل هذه العملية في رفح، التي أصبحت معسكرا مكتظا باللاجئين الفلسطينيين حيث، وفقا للأمم المتحدة، يقيم فيها 1,4 مليون فلسطيني. رجال ونساء وأطفال فروا من الحرب الدائرة منذ أربعة أشهر بين إسرائيل وحماس.
الأحد 11 فبراير/شباط 2024، على قناة إيه بي سي نيوز الأمريكية، قال بنيامين نتانياهو إن إسرائيل ستضمن "إقامة ممر آمن للسكان المدنيين حتى يتمكنوا من مغادرة" رفح، التي وصفها بأنها "آخر معقل" لحماس. وذلك دون أن يذكر أين يمكن لسكان غزة اللجوء على وجه التحديد مشيرا فقط إلى أن المناطق الواقعة شمال رفح يمكن استخدامها كمناطق آمنة للمدنيين.
في هذا السياق، تتجه الأنظار مرة أخرى إلى "محور فيلادلفيا"، وهو طريق يقع على طول حدود قطاع غزة مع مصر، من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى النقطة الواقعة مقابل معبر كرم أبو سالم الذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي ويقع عند نقطة التقاء الحدود بين إسرائيل ومصر وقطاع غزة.
خوفا من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين وعواقبه المحتملة، نشرت مصر، خلال الأسبوعين الماضيين، حوالي أربعين دبابة وناقلة جند مدرعة شمال شرق سيناء. ووفقا لمصدرين أمنيين مصريين قابلتهما رويترز، فإن هذا الانتشار هو جزء من سلسلة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز الأمن على الحدود مع غزة.
محور استراتيجي في قلب التوترات
سمي "محور فيلادلفيا"، والمعروف أيضا باسم "محور صلاح الدين" فلسطينيا، على اسم كودي أطلقه الجيش الإسرائيلي. وهي منطقة عازلة بطول 14 كيلومترا وعرض 100 متر، تم إنشاؤها وفقا لشروط اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعتها مصر وإسرائيل في سبتمبر 1978 وهدفها منع أي توغل مسلح، والسيطرة على حركة الفلسطينيين وتهريب الأسلحة بين سيناء المصرية وقطاع غزة أي في كلا الاتجاهين.
كان هذا المحور، الذي تحده أسوار شائكة يتراوح ارتفاعها بين مترين وثلاثة أمتار والكثير من الكتل الخرسانية، تحت سيطرة الدولة العبرية حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي من جانب واحد من قطاع غزة في عام 2005.
كجزء من هذا الانسحاب الذي قررته حكومة أرييل شارون وقتذاك، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية، تعرف باسم اتفاقية فيلادلفيا، تنص على نشر وحدة من 750 جنديًا من حرس الحدود المصريين على طول المنطقة العازلة (على الجانب المصري). كان هؤلاء أول جنود مصريين يقومون بدوريات في هذه المنطقة منذ حرب عام 1967، حين احتلت إسرائيل قطاع غزة الذي كانت تديره مصر آنذاك، وشبه جزيرة سيناء. ذهب الاتفاق المعني إلى حد تحديد معدات الوحدة المصرية بدقة شديدة، وهي 8 طائرات هليكوبتر و30 مركبة مدرعة خفيفة و4 زوارق سريعة.
تمثلت مهمة هؤلاء الجنود في مراقبة المحور من على الجانب المصري، أي الحدود الوحيدة في قطاع غزة الخارجة عن السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي، لمكافحة الإرهاب ومنع أي عمل من أعمال التسلل والتهريب.
على الجانب الآخر من المحور، فإن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية كانت هي من تولى المسؤولية من الإسرائيليين، وذلك قبل طردها بعد عامين من هذا التاريخ، في يونيو/حزيران 2007، على يد سلطات حماس بعد انقلابها على سلطات فتح بقيادة محمود عباس.
ردا على ذلك، قررت إسرائيل فرض حصار بري وبحري وجوي وحظر على الأراضي التي أصبحت الآن في أيدي الحركة الإسلامية. ساعدت هذه القيود على تطوير نظام من أنفاق التهريب، يمر بالضرورة تحت المنطقة العازلة بين غزة ومصر، مما يسمح للبضائع والأشخاص بعبور الحدود، وقد وثقت إسرائيل وجودها في عام 1983.
ومنذ ذلك الحين، لم يفتح معبر رفح الذي تسيطر عليه مصر والذي يمر منه الأشخاص والسلع والمساعدات الإنسانية إلا بشكل متقطع منذ عام 2007.
في ديسمبر/كانون الأول 2007، اعتبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، أن مصر تقوم بعمل "ضعيف" لوقف تهريب الأسلحة من تحت "محور فيلادلفيا". بالفعل في عام 2009، في وقت عملية "الرصاص المصبوب"، نصت الخطط العسكرية الإسرائيلية على احتلال "محور فيلادلفيا" من أجل تدمير أنفاق التهريب هناك. احتلال كان من شأنه، بحكم الواقع، أن يجعل من الممكن تطويق قطاع غزة بالكامل.
بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تفرعت عنها حركة حماس، في يوليو/تموز 2013، بدأ الجيش المصري في تدمير مئات أنفاق التهريب تحت الحدود مع قطاع غزة. كان انتقاما من الحركة الإسلامية الفلسطينية التي اتهمتها القاهرة بالمشاركة في زعزعة استقرار سيناء. ولتدمير نظام الأنفاق هذا، أغرقتها مصر عمدا بالمياه في عام 2015.
محور في مرمى نيران نتانياهو
بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي قامت بها حماس وحلفاؤها من الفصائل الفلسطينية والتي لم يسبق لها مثيل في حجمها وخسائرها البشرية على الأراضي الإسرائيلية، تحولت الأنظار مرة أخرى إلى "محور فيلادلفيا"، الذي ينظر إليه أكثر من أي وقت مضى على أنه محور استراتيجي لحماس، وكان في مرمى نيران الجيش الإسرائيلي بانتظام منذ بداية الحرب في غزة.
"يجب أن يكون" محور فيلادلفيا "في أيدينا وتحت سيطرتنا، وأي ترتيب آخر غير ذلك لن تقبله إسرائيل"، هكذا صرح بنيامين نتانياهو في نهاية ديسمبر/كانون الأول، في معرض وعيد حكومته "بتصفية" الحركة الفلسطينية. لقد كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي مرارا هذا التهديد، لدرجة أن القاهرة بدأت تأخذه على محمل الجد.
وفقا لصلاح جمعة، نائب رئيس تحرير وكالة الشرق الأوسط المصرية الرسمية، فإن خطر نزوح سكان غزة إلى مصر يمكن أن يقلق كثيرًا الحكومة المصرية.
منذ بداية الصراع، عارض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يلعب دور الوسيط بين حماس والحكومة الإسرائيلية، فكرة السماح لسكان غزة، الفارين من الحرب والمتكدسين على الحدود المصرية، بدخول أراضيه. وفي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، حثهم حتى على "البقاء على أرضهم"، من معتقد أن دفع الفلسطينيين إلى مغادرة أرضهم هو "وسيلة لتصفية القضية الفلسطينية".
"في رفح من الآن فصاعدا، فإن أي قصف أو هجوم ضد اللاجئين سيجعلهم يفرون بالتأكيد إلى سيناء"، كما يعتقد صلاح جمعة. لذلك، إذا سمحت مصر بذلك، فهذا يعني أنها تقبل بتصفية القضية الفلسطينية بينما يدعو الوزراء الإسرائيليون المتطرفون علانية إلى عودة المستوطنين إلى غزة و"هجرة" سكان غزة إلى جارتهم مصر".
بالإضافة إلى الكارثة الإنسانية المتوقعة، فإن بنيامين نتانياهو يخاطر أيضا بإثارة أزمة دبلوماسية مفتوحة مع مصر، إذا أمر بالاستيلاء على "محور فيلادلفيا".
في منتصف يناير/ كانون الثاني، أبلغت إسرائيل مصر بنيتها إجراء عملية عسكرية للسيطرة على المحور الحدودي كما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، نقلا عن مصادر إسرائيلية ومصرية. في 16 يناير/ كانون الثاني، رد ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، بالتحذير من "انتهاك معاهدة السلام" التي تربط البلدين، إذا دخل الجيش الإسرائيلي "محور فيلادلفيا".
"لقد أعلن العديد من السياسيين الإسرائيليين أن الاستيلاء على المحور كان يهدف على وجه التحديد إلى دفع الفلسطينيين، تحت ضغط المعارك، بالهجرة إلى سيناء، وهذا هو لب المشكلة المنبثقة الآن مع الإعلان عن هجوم وشيك على رفح كما يوضح صلاح جمعة. لهذا السبب أصدر رئيس هيئة الاستعلامات المصرية تحذيرا صارما من أن مصر تعتبر إعادة احتلال هذا المحور خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، إضافة إلى ما سينتج عنه من تهجير للسكان الفلسطينيين"، واختتم كلامه بالقول: "لقد أبلغت مصر إسرائيل عبر الطريق الدبلوماسي ومن خلال الولايات المتحدة أن هذا الخيار لن تسمح به القاهرة أبدا".