جميل مفرح
أضع ساعتي في الرف وأطفئ هاتفي وأكسو نوافذ منزلي بالأسود، ثم أعيش الزمن الذي أريده خارج ضجيج الحياة.. لست معنيا بالأوقات، آكل حين وحيث يحلو لمزاجي، وأنام متى وأين يريد النوم أن أغمس أصابعي في حلواه.. وأحلم متى ما يكون للأحلام نكهة حرة غير مرتبطة بالتفاصيل المملة لحياة الآخرين.. لا أحبذ أن أرى في مناماتي أصدقاء بوجوه بلاستيكية، ولا نساء ذوات عواطف مطاطية، أو أطفالاً يتم استغلالهم في الإعلانات التجارية..
ما الفرق بين أن تكون السماء مظلمة أو مقمرة، أو أن يكون النهار صحوا أو غائما..؟! المهم أنني أستطيع أن أستلقي وأثب وأمارس اليوغا مغمض العينين أمام المرآة دون أن تشعر بوجودي.. أحفظ جيدا مكان الأشياء، وأحيانا أتعثر متعمدا فيها، لأكسر ذراع الاعتياد، وقد أرمي نبلة الزيرو في المكان الخاطئ، متعمدا أيضا، لأفقأ عين الرقابة الذاتية، التي كثيرا ما تحشر أنفها في ما لا يعنيها..
تصر الرتابة على أن تبدو عجوزا من الزمن القديم، تعنفني بعدم رضاها عن نمطي الحياتي، ثم كالعادة تسترجع ذكرياتها القديمة وعلاقاتها الرصينة مع الوقت، لتثبت أن زمني أسوأ بكثير من زمن الجدات اللواتي كن يعلقن المفاتيح الصدئة في أعناقهن..!! وأنني لا أصلح لشيء حتى للنساء الشابات اللواتي يعلقن في أعناقهن قلائد ذهبية وفصوصا ألماسية..!!
تتظاهر بأنها تقرأ ما يتقافز في خاطري من شرر الفوضى، فوضى أن أعيش كرجل غابة في منزل مؤثث بتفاصيل عصرية، لا تكاد تفهم هي شيئا عن ماهيتها أو كيف يتم التعايش معها..!! كثيرا ما تقتعد مساحة لجسدها الهزيل، وتطلب مني أن أضع رأسي في حضنها لتفلي رأسي وتعيد علي للمرة المليون تقريبا حكايات من كانوا يتعشقونها ويكتبون عنها قصائد، ولا تنسى أن تورد المجنون وابن أبي ربيعة في الأسماء وبعضا من أسماء الجن الذين تدعي أنها تعرفهم حق المعرفة..
أتحايل على هذه العجوز المملة حتى توهن وتتساقط على نفسها، ثم أطويها، رفقة ساعتي التي على الرف وموبايلي المنطفئ معا، في لحاف سريري، وأضع الجميع بهدوء في خزانة متينة وعتيقة، وأعود لممارسة هوايتي التي أصبحت نمط حياة لا يجيده أو يحسن التعامل معه الكثيرون.. لا آبه بأية طرقات على الباب أو نداءات باسمي من الخارج.. أتظاهر بأن ذلك الاسم لا يخصني، ولا أظن أحدا غيري في القرب معني به..
مثير جدا وممتع للغاية أن أحشو الوقت داخل عيار ناري وأطلقه على فراغ أنأى من البعيد، ثم أنفخ بارتياح بقية دخانه من على فوهة سبابتي، وأدس كفي في حزامي كرجل كاوبوي، متناسيا أنني بلا حصان أو قبعة مستديرة.. أقهقه عاليا وأرتشف آخر جرعة قهوة من فنجاني قبل أن تبرد، ثم أطلق العنان للهواء من تحتي وألكز بقدمي ظهر ساقي الأخرى وأنطلق وكأنني أبحث عن حبيبة مختطفة، وحين أصل إلى سريري أجدها مكبلة فأعانقها بشغف دون أن أفك وثاقها وأنام بلا حساب للزمان والمكان.