• الساعة الآن 06:54 PM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الخصومة مع الصحافة.. لماذا يتربص أنصار الله بالحقيقة؟

news-details

 خاص – النقار

 

في مناطق سلطة أنصار الله يبدو مشهد الصحافة قاتماً ومجهولاً، على وقع حرب تشنها الجماعة على الكلمة والعمل الصحافي وحرية الرأي والتعبير، في حالة أشبه بـ"خصومة شرسة مع الحقيقة" جعلت الواقع منحصراً في عدد محدود من وسائل الإعلام وإغلاق العشرات منها.

ولا تمنح الجماعة أي صوت مغاير حق الظهور وإنتاج عمل صحافي مستقل نتيجة لسطوتها على وزارة الإعلام التي يتولاها القيادي "ضيف الله الشامي"، مع إدراك الصحفيين بأن الأصوات المستقلة، فضلاً عن المعارضة، لا تحصل على ترخيص من قبل الوزارة إلا في سياق سياسات الجماعة، ما لم فإن النهاية تكون كيل التهم والتخوين والإخفاء والتعذيب في سجون أنصار الله.

 

مرآة أنصار الله وصحافة الخط الأحمر

بحسب مصادر "النقار"، يُحصى عدد الصحف الورقية المطبوعة، على سبيل المثال، في ست صحف متاحة في الشارع اليمني بهذه المناطق، وجميعها خاضع لسياسات السلطة، فيما يخضع العمل الإذاعي هو الآخر لهذه الهيمنة، وتتم ملاحقة الإذاعات التي لا توافق معتقدات الجماعة أو التي تتضمن محتوى غنائياً يمنياً، كإذاعة "صوت اليمن" التابعة للصحفي مجلي الصمدي، وإذاعة "إيرام" الفنية التي جرى إغلاقها في ديسمبر الماضي.

ولم تسلم الصحافة التابعة للجماعة نفسها من الاستهداف، إذ سبق وتم سحب صحيفة "لا" التابعة للصحفي الموالي للجماعة صلاح الدكاك، من كافة أكشاك صنعاء في نوفمبر الماضي، مما دفع الأخير إلى اتهام وزارة الإعلام بأنها "صهيونية" تستهدف الصحيفة في الوقت الذي تلتزم فيه "لا" بمباركة خطوات القوات المسلحة التابعة للجماعة وعملياتها الصاروخية ضد إسرائيل.

سرعان ما حذف الدكاك تغريدته على "إكس" حول "وزارة إعلام الوضع المزري" على حد تعبيره، نزولاً عند رغبة السكرتير الصحفي لمهدي المشاط، صبري الدرواني، الذي تعهد بدوره بإعادة الأعداد المصادرة، وذلك قبل أن يعاود الدكاك النشر في "فيسبوك" بقوله: "وزارة إعلام الصهاينة في صنعاء تتقرصن على صحيفة لا وتصادر أعداد الصحيفة ليومي الأحد والاثنين وترفض الإفراج عنها دون أي مسوغ قانوني، علماً بأن الوزارة تماطل في المضي بإجراءات تجديد ترخيص الصحيفة منذ أكثر من عام ومدير عام الصحافة يرفض الرد على اتصالات مندوبنا المكلف بمتابعة الترخيص".

وفي مشهد من اللاصحافة كهذا، لم تعد الصحافة تابعة للجماعة فحسب، بل باتت أداة قمع في يد السلطة بإقرارها ما ينبغي أن يقال وما لا يجوز الاقتراب منه كخط أحمر، مما يعدم حق الصحفيين في التمتع باستقلال مهني يتيح لهم حرية أداء أعمالهم دون ضغوط وفقاً للقانون وأعراف المهنة ومواثيق الشرف الصحفية.

بهذا أصبحت الصحافة مرآة سلطة أنصار الله من أول الهرم ممثلاً بوسائل الإعلام الرسمية كوكالة سبأ تحت سلطة القيادي وضيف الفضائيات في الوقت الراهن "نصر الدين عامر"، وصحيفة الثورة الصادرة عن مؤسسة الثورة للصحافة والنشر، والتي يرأسها حالياً "أحمد راصع" ابن شقيقة مدير مكتب الرئاسة أحمد حامد، كبديل لرئيس المؤسسة السابق عبدالرحمن الأهنومي الذي جرى تدويره إلى إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بدلاً من راصع منذ نهاية ديسمبر المنصرم.

ويؤكد مصدر في مؤسسة الثورة لـ"النقار" أن المؤسسة الخاضعة بالكامل لأنصار الله تعيش منذ سنوات حالة متفاقمة من الفوضى والفساد المالي والإداري، وأن عمال وموظفي المؤسسة يشهدون على انهيارها وقد أفنوا سنوات طويلة من أعمارهم في خدمتها، في ظل هضم حقوقهم ومستحقاتهم المالية والوظيفية، مشيراً إلى أنه تم تثبيط العمل النقابي في المؤسسة مما أثر على النشاط المطلبي المشروع للعمال والموظفين.

ويتحاشى قادة الجماعة التطرق بأي تصريحات إلى واقع الصحافة أو المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون وحقهم في ممارسة مهنة السلطة الرابعة.

وبينما هدمت أنصار الله بنية الصحافة التي تعبر عن المجتمع بمختلف أطيافه وآرائه، تذيلت اليمن قائمة دول العالم في المرتبة 168 من أصل 180 بلداً في مؤشر حرية الصحافة للعام 2023 لمنظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية.

ولا تلتفت سلطة أنصار الله إلى أية دعوات دولية وأممية إلى الإسهام في تحسين الظروف المعيشية وأدنى مقومات العيش الكريم، وذلك يفسر بالأساس تجاهلها الدعوات لاحترام حرية الصحافة في اليمن.

ولم تنشئ الأمم المتحدة هيئة رقابية تضمن إجراء تحقيقات في الانتهاكات بحق الصحفيين من جانب الأطراف في اليمن، وبالأخص أولئك الذين مارسوا الصحافة من أماكنهم في العاصمة صنعاء، ثم انتهى بهم المطاف في السجون.

 

الخصومة مع الصحافة كـ"مبدأ"

في أبريل 2023 أفرج عن أربعة صحفيين كانوا معتقلين ومحكومين بالإعدام في سجون سلطة الجماعة، هم توفيق المنصوري، عبدالخالق عمران، حارث حميد، وأكرم الوليدي. جميعهم اتهموا بالتخابر لصالح التحالف الذي تقوده السعودية، بعد إنشائهم مواقع صحفية على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، وظلوا معزولين لمدة 8 سنوات، حتى أُفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى العام الماضي.

عبَّر الصحفيون عن حالة خصومة الجماعة مع الصحافة وسوء المعاملة التي تعرضوا لها خلال فترة السجن لدى سلطة أنصار الله.

من ذلك اتهام "توفيق المنصوري" للقيادي عبدالقادر المرتضى، رئيس لجنة شؤون الاسرى التابعة للجماعة، بالتورط بشكل مباشر في ارتكاب انتهاكات، وأكد المنصوري أن الإفراج عنهم "بمثابة خروج من الجحيم".

وكان توفيق المنصوري في حالة صحية حرجة في السجن، إذ يعاني من أمراض مزمنة بما فيها أمراض القلب والسكري وفقاً لمنظمة العفو الدولية. وتقول "أمنستي" إنه حُرم من حق نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، كما حُرم هو وباقي الصحفيين من الزيارات، ومن تلقّي الأدوية عبر أُسرهم.

وفي أحدث أوراق ملف الخصومة مع الكلمة، لا يزال الصحفي مجلي الصمدي يشكو إغلاق إذاعته "صوت اليمن" منذ بداية العام 2022 ومصادرة ممتلكاته على خلفية معارضته للجماعة وتصريحاته ضدها.

ووفقاً للمحامي عبدالمجيد صبرة، محامي مجلي، قال القاضي عبدالكريم المنصور للأخير في آخر الجلسات القضائية: "سير اتزيرع في البلاد"، بمعنى أنه ليس من حق الصمدي أن يكون صحفياً ومالكاً لإذاعة بحسب "صبرة"، وقد حكم المنصور بقبول استئناف وزارة الإعلام، وألغى حكماً سابقاً كان قد صدر لصالح "الصمدي" الذي تعمل إذاعته بتصريح رسمي منذ العام 2013.

هذا وتُظهر دراسة صادرة عن دار النشر البريطانية "روتليدج"، أن أكثر من 148 صحفياً في اليمن تعرضوا للاختطاف أو الاعتقال، وتم حجب 150 موقعاً إلكترونياً في الفترة 2015-2016، وخلال عام 2022 وحده، أغلقت أنصار الله ست محطات إذاعية.

الصحفي كمال حيدرة يقول عن حالة "الخصومة" مع الصحافة والحقيقة إن "هذه "الخصومة بين جماعة الحوثي والحريات الإعلامية، ليست مجرد خصومة عادية أو توجس، كما هو الحال مع الأنظمة المستبدة، بل هو موقف مبدأي".

يرى حيدرة في حديثه لـ"النقار" أن "الجماعة من الفكرة وحتى الأداء، تعادي مفهوم الحريات بشكل جذري، ومن هنا جاء الموقف ضد الإعلام والصحافة".

ويتابع: "منذ سيطرتها على صنعاء كان الإعلام هدفاً للجماعة ومليشياتها، أغلقت القنوات والصحف، وطاردت الصحفيين واختطفت الكثير منهم، ثم حكمت على بعضهم بالإعدام، ولو تمكنت الجماعة من تثبيت سلطتها لنصبت المشانق في شوارع صنعاء لكل صوت لا يردد بعدها ما تقوله".

ويعتقد الصحفي حيدرة أن "الجماعة لا يمكن أن تتراجع عن موقفها من الإعلام، لأن الحرية الإعلامية ستعني وضع مشروعها تحت المساءلة، وهذا ما لا يمكن أن تتحمله جماعة تدَّعي أنها جاءت للسلطة بأمر من الله، ولذلك سيبقى هذا الموقف العدائي"، ويضيف: "ربما نشهد قريباً عمليات إعدام لصحفيين كنوع من الترهيب، خصوصاً في حال حصلت على ما تطلبه من شرعية في التسوية القادمة".

وخلال سنوات هذه السلطة لم تعد مهنة البحث عن المتاعب إلا بحثاً عن الحياة والحقوق والكرامة، حيث لا اعتراف بأحقية الناس في الحصول على الحقيقة، ولا مجال لرفض الواقع والتعبير عن الرأي، ولا رأي إلا في نطاق أفكار الجماعة وأهدافها الخارجة عن منطق الدولة.

 

 

شارك الخبر: