تعمل سلطة أنصار الله على إنشاء صيدليات خاصة تحت مسمى "الصيدليات الوطنية" في المستشفيات الحكومية بالعاصمة صنعاء وباقي المحافظات، بما يهدد القطاعات التجارية والعاملة في الأدوية والمستلزمات الطبية، ولصالح سلطات الجماعة بمشاركة نافذيها من الهيئة العليا للأدوية.
مصادر "النقار" أفادت أن سلطة أنصار الله تتبنى هذه الصيدليات التي تهدد بضرب منشآت الصيدلة وشركات القطاع الخاص للأدوية، تحت مبرر توفير الأدوية في المستشفيات والمرافق الصحية بأقل تكلفة.
لكن ما وراء "الصيدليات الوطنية" ليس الوطن كما يبدو، بل أغراض تحقق مصالح مالية لسلطة الجماعة من خلال احتكار بيع الأدوية في المستشفيات والجهات الواقعة بيد السلطة لرفد خزائنها بأموال مكتسبة من مصادر تمويلية جديدة.
وبتخويل من مكتب الرئاسة بصنعاء، يقود هذه الإجراءات وزير الصحة طه المتوكل المتورط في قضية وفاة قرابة 18 طفلاً إثر حقنهم بأدوية منتهية الصلاحية، دون إدانته أو محاسبته منذ أكثر من عام، في الوقت الذي يقول فيه الوزير إن منتجات الصناعة الدوائية المحلية تنافس كبريات الشركات العالمية لما لها من أمان وفاعلية دوائية.
إنشاء هذه الصيدليات يضاف إلى التحركات ذات الطابع الرسمي التي استهدفت الصيادلة خلال السنوات القليلة الماضية، والمتمثلة في إغلاق عدد من الصيدليات بدعوى عدم ملاءمتها للمعايير رغم استمرار انتشار الأدوية منتهية الصلاحية، إضافة إلى اختطاف عدد من الصيادلة، وجباية أموال ضخمة من الصيدليات وشركات الأدوية في سياسةٍ لا تزال سارية حتى اليوم.
ووفق مراجعات "النقار"، فإن استحداث صيدليات خاصة داخل حرم المستشفيات الحكومية يعد مخالفة صريحة للدستور والقانون وللقرار الوزاري رقم (24/3) لسنة 2007م، والذي يمنع فتح أي صيدلية داخل حرم المرافق الصحية العامة.
اقتطاع المستشفى الجمهوري
في البداية كانت أنصار الله عملت على استحداث صيدلية خاصة في هيئة المستشفى الجمهوري التعليمي، أحد أكبر المستشفيات الحكومية بالعاصمة، من خلال هدم جزء من مساحة المستشفى منتصف العام 2023، وتفيد مصادر بأن حجم الهدم بلغ أكثر من 10 أمتار طولية من أجل بناء الصيدلية التابعة للجماعة ونافذيها داخل الحوش، دون أن تأبه الجماعة بالصيدليات الأخرى أو بكون المستشفى في ملكية الدولة ولا حق للأفراد التصرف في أي مساحة أو مرفق به.
يشير مختصون إلى أن فتح صيدليات خاصة "تجارية" لا يجوز ويخالف القوانين النافذة ويعد انتهاكاً لحقوق الصيادلة، حيث من المفترض ألا يُمنح ترخيص فتح صيدلية خاصة إلا للصيدلي، ولا يُمنح لأي مستثمر أو أي شخصية اعتبارية كالهيئة العليا للأدوية، ويستدل المختصون في ذلك بأن ترخيص فتح الصيدليات الخاصة يُمنح من وزارة الصحة حصراً وليس من وزارة الصناعة والتجارة.
ولم تلتفت وزارة الصحة إلى شكوى رفعتها نقابة ملاك الصيدليات الخاصة من أن هذه الصيدليات تسبب ضرراً كبيراً لملاك الصيدليات الخاصة أمام الجمهوري، إلى جانب شكوى أخرى قدمتها الصيدليات المقابلة لمستشفى الكويت الجامعي.
الصيدلاني محمد علامة، في حديث لـ"النقار"، يقول إنالصيدلية المستحدثة مرتبطة آلياً بالمستشفى، بحيث أن روشتات العلاج المقررة من جانب الطبيب لا يمكن الشراء بموجبها إلا من هذه الصيدلية.
ويوضح: "أي إن المريض بالمستشفى الجمهوري عند تلقيهوصفة الأدوية اللازمة له، فإنه لن يذهب إلى صيدلية أخرى لشراء الأدوية، بل سيضطر لاستلامها عبر هذه الصيدلية المقررة، ولك أن تقيس تأثير ذلك على عشرات الصيدليات المجاورة أو المقابلة للمستشفى الجمهوري بشارع الزبيري ومدى الخسائر التي يمكن أن يتكبدها الصيادلة".
ويؤكد علامة أن أوضاع الصيادلة تختلف من صيدلية أخرى، "فهناك صيدلية قد تكون غير قادرة على تغطية أكثر من نفقاتها، بل إن هناك أدوية يبيعها الصيدلي دون تحقيق أي ربح منها".
بهذا الخصوص تقول نقابة ملاك صيدليات المجتمع في اليمن، عضو الاتحاد الدولي للصيادلة، إن كثيراً من الصيادلة يعانون من تكاليف الإيجار والتراخيص والتوظيف والتزامات أخرى، مشيرةً إلى أن السلع الدوائية في كثير من الدول، والتي قيمتها أقل من دولار، لابد أن تكون ربحيتها 100%، بينما في اليمن ربحيتها فقط 15.6% لتغطية تلك الالتزامات فحسب.
وفقاً للصيدلاني علامة، أدت الإجراءات التي اتخذتها الجماعة لصالحها إلى انخفاض مبيعات الصيدليات المقابلة للمستشفى الجمهوري، مؤكداً أن بعض ملاك الصيدليات في الزبيري، وحتى تلك الكائنة أمام مستشفيات حكومية أخرى، اضطروا لخفض أعداد العاملين بسبب صعوبة تغطية التكاليف والإيجارات والرواتب.
بدوره يتحدث سامي الشرجبي، وهو مندوب في إحدى شركات الأدوية الخاصة، عن حملات تفتيش تقوم بها الجماعة عبر مكاتب الصحة وهيئة الأدوية، مما يفرض على الشركات دفع أموال إضافية خارج المبالغ القانونية التي تدفعها الشركات كاملة وبانتظام.
ويضيف لـ"النقار": "هناك أيضًا مشكلة من شأنها ضرب الشركات، هي أن السلطات تخطط لاحتكار أدوية بعينها بحيث يتم تسويق أنواع معينة من الأدوية التابعة لوكلاء محسوبين على أنصار الله، ما يعني الهيمنة على السوق وإلغاء مبدأ المنافسة والتأثير بشكل كبير وسيء على الشركات، بغض النظر عن رداءة الأدوية المسوَّق لها من جودتها".
وحول الصيدليات الخاصة التي تستحدثها الجماعة، يقول الشرجبي إن استهداف المستشفيات الحكومية لم يأتِ من فراغ؛ "فالحكومة تعلم أن غالبية اليمنيين يضطرون للجوء إلى المستشفيات الحكومية كونها أقل تكلفة من المستشفيات الخاصة، رغم كل ما يشوب هذه المستشفيات من مشكلات خدمية" على حد قوله، متهماً نقابة الصيادلة اليمنيين بـ"التراخي عن أداء مهامها حيال السياسات التي تهدد الصيادلة، وانخراطها في سياسات سلطة أنصار الله".
شركات وصيدليات الجماعة "من أجل المال"
"الصيدليات الوطنية" جاءت عاقبةً لتحركات جماعة أنصار الله منذ بداية سيطرتها على السلطة، لترخيص إنشاء شركات وصيدليات محسوبة على الجماعة عبر الهيئة العليا للأدوية.
نقابة ملاك صيدليات المجتمع تشرح الأمر بقولها إن هناك إسرافاً ملحوظاً في تسجيل "الشركات الرديئة"، متهمةً الهيئة العليا للأدوية بالاهتمام فقط بالدخل والعوائد المالية من ذلك.
ومع هذا الإسراف في ترخيص الشركات، فإن ما تورده الهيئة تخسره البلاد نتاج الأدوية المنتهية، إذ يُعتبر عشرة أضعاف إيراد الهيئة تقريباً مفقود من رأس المال الوطني، في حين أن ما يعانيه المريض من أعراض جانبية وسوء خدمات دوائية تعادل 10 أضعاف ما تورده الهيئة العليا للأدوية بحسب النقابة.
أدى ذلك إلى فقدان ما بين 2% إلى 4% من إجمالي الضريبة نتيجة المنتهيات ويشكل 15% من إيرادات الهيئة، وفقدان 5% إلى 40% من الضريبة نتيجة العروض المجانية والترويج وتمثل 20 ضعف إيراد الهيئة، وفقاً للنقابة التي قالت إن ذلك ناجم عن السياسة الخاطئة والعقيمة لدى الهيئة العليا للأدوية.
وأمام هيمنة أنصار الله على سوق الدواء، يشهد هذا السوق انتشاراً لصيدليات ينشئها مالكو رؤوس أموال دون أن يكونوا مختصين في الصيدلة، والبعض منهم يستأجرون شهادات طبية بمقابل مادي شهري من مختصين يعانون من صعوبات معيشية أو يرغبون في الحصول على عائد ودخل إضافي، وذلك فضلاً عن تشغيل أطفال في السن غير القانونية، مقابل تعقيد شروط التوظيف في الصيدليات والمخازن حتى على المختصين مثل شروط الضمانة التجارية.
لا أذن صاغية لمطالب الصيادلة بإنصافهم من سياساتأنصار الله، إذ تطغى المكاسب المالية المَرَضية على أولويات المهنة وجوهرها النبيل وعلى القوانين المنظمة لسوق الدواء والصحة العامة، بينما لا جدوى لأي وصفة علاجية لداء السلطة المتغلغل في كافة أضلاع الدولة، والذي يفتك بالمواطنين بعد دفعهم ثمن الموت العاجل أو الآجل كاملاً.