خاص | النقار
حسنا، ها قد انتهت الجمعة وعادت الحشود من الساحات، تنديدا هذه المرة بـ"العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن"، وإشهارا للصرخة في وجه أمريكا وبأنها أم الإرهاب.
وها قد جاءت أمريكا بنفسها إلى أنصار الله في حرب مباشرة طالما انتظروها وجها لوجه معها كما يقولون. شنت مع الصديقة البريطانية غاراتها الأولى على عدد من المحافظات فخرج نصر الدين عامر ليعبر عن ارتياحه الشديد. رد الأنصار باستهداف سفينة وأخرى وأخرى، ومازالت بيانات يحيى سريع تتوالى تباعا حتى أصبحت كتغريدات محمد علي الحوثي.
في مكان ما يستمر اعتقال عبد الوهاب قطران، ومن مكان ما يدلي الزنداني ونجله بلحيتيهما ليقولا إنهما مع نصرة غزة وضد العدوان، فتغفر لهما سلطة صنعاء ما قد سلف. وإلى مكان ما يغادر مجلي الصمدي، لتستقبل صنعاء بدلا عنه سمير النمري، القادم من جزيرة الإخوان في قطر، بعد تصالح في الكواليس استبدلت على إثره مصطلح "مليشيا الحوثي" بـ"جماعة أنصار الله الحوثيين"، ومن مطبخ ما يتسرب حديث عن حكم إعدام بحق فاطمة العرولي سيتم تنفيذه. هكذا يحدث الأمر بالنسبة للمشهد في الداخل، لكن بلا اكتراث من أحد. فالعالم منبهر بما يصنعه الإخوة اليمنيون نصرة لغزة وفلسطين وقضايا الأمة. لكن هؤلاء اليمنيين كما يبدو ليس من حقهم أن ينتصر لهم أحد ولا أن يلتفت أحد أصلا لما يعانونه منذ تسع سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس.
جاء يناير كبداية لعام جديد هيأ له اليمنيون أفراحهم بانفراجة وشيكة ستحدث بين أطراف الصراع. الجميع تحدث عن توقيع حددوا موعدا له ذلك الـ"يناير"، فراح كل موظف يحجز لأطفاله وأسرته وأحلامه ومشاريعه مكانا في مرتبات الستة أشهر التي سيتم صرفها بناء على ذلك التوقيع. كان الصامت الوحيد أمام كل تلك الانفعالات الآملة والحالمة اثنان: سلطة صنعاء وإدارة بايدن. حيث التزمتا الصمت وتركتا الحالمين على حالهم يترقبون ينايرهم وبشرياته التي ستحملها أقلام الموقعين. أما ينايرهما فسيكون له شكل آخر. جاءت البارجات إلى البحر الأحمر وأخذ كلا الطرفين يحشد إليه ما يستطيع، فعاشت التطلعات أملا متبقيا بأن ذلك لن يؤثر على مسار التفاوض. تأتي الضربة القاضية من قبل الإدارة الأمريكية لتلك التطلعات بإعلانها إعادة تصنيف أنصار الله جماعة إرهابية. وبذلك تكون الإدارة الأمريكية قد قدمت خدمة جليلة لسلطة صنعاء ولبت رغبتها تماما كما لو أن كلتيها تعرف بالضبط ماذا تريد الأخرى منها. فأن يصنف أنصار الله جماعة إرهابية معناه أن مسار التفاوض قد قضي عليه تماما وأجهز على كل أمل وحلم وتطلع. فمع من سيتفاوض الطرف السعودي والوسيط العماني إذن وقد صنف الطرف الآخر مع جماعة إرهابية؟ وماذا تبقى من وظيفة المبعوث الأمريكي وقبله الأممي إلى اليمن؟! هذا بالنسبة للخارج، أما في الداخل فإن ذلك التصنيف يجعل من الجماعة تزيد من تخليها عن كل مسؤولياتها كسلطة أمر واقع، ويسد الأفق أمام ملايين اليمنيين باستحقاقات كانوا يطالبون بها ويأملونها.