• الساعة الآن 09:43 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الجيش السوداني يواجه فصائل عدة باسم "الدعم السريع"

news-details

في خضم الحرب السودانية يواجه الجيش السوداني ما يسمى "الطابور الخامس"، وسط اتهامات لتيارات داخل المؤسسة العسكرية تعارض خط سير العمليات والقرارات التي يتخذها قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، وكذلك إثر الضربات العكسية على الجيش التي وجهها قادة سابقون انتدبتهم مؤسسة القوات المسلحة إلى "الدعم السريع" لتدريبهم وتهيئتهم للدمج في الجيش.

وفي الاتجاه الآخر تواجه قوات "الدعم السريع" تحديات تتعلق بوحدتها العسكرية، وعبّر عن هذه الفصائل قائد القوات الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) مخففاً من تأثير ما سماهم بـ "المتفلتين" الذين تنسب إليهم كل التجاوزات التي ترتكبها القوات.

وطوال تاريخ هذه القوات يتضح أنه مبني على التحولات السريعة لدرجة التطرف، فقد تحول ولاء حميدتي من زعيم الـ "جنجويد" وابن عمه موسى هلال إلى الرئيس السابق عمر البشير، وجاءه بهلال مقيداً من دارفور إلى الخرطوم ولم يطلق إلا بعد سقوط البشير.

والانقسامات داخل "الدعم السريع" ليست مبدئية ولا مبنية على توجه معين، إنما هي انقسامات براغماتية مؤسسة على المصالح الشخصية.

دورة حياة

وتتألف قوات "الدعم السريع" من فصائل مختلفة تتحرك على الأرض كلها باسم القوات كمكونات حركة جماعية عانت مظالم وتهميش إقليمها، فجذورها "المراحيل" التي شكلها رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر منتصف ثمانينيات القرن الماضي حينما كان وزيراً للدفاع في حكومة الصادق المهدي، وبعد انقلاب البشير أصبحوا مهمشين وكانت حكومته مشغولة بحربها في الجنوب.

ولكن بعد اندلاع حرب دارفور عام 2003 ظهرت حاجة النظام إلى ميليشيات تساند الجيش السوداني، فشكل منها ميليشيات الـ "جنجويد" وأصبح الاسم سارياً على كل الجماعات من عرب الصحراء، سواء كانوا سودانيين أم تشاديين أم ليبيين، وظل الـ "جنجويد" يقاتلون معه حتى تحولت القوات إلى "الدعم السريع" عام 2013. وكانت خطة الحكومة تتلخص في إنشاء قوة أمنية جيدة التدريب والتجهيز ومتكاملة مركزياً يمكن نشرها ضد التهديدات التي يتعرض لها النظام، وخلال الحرب في دارفور كان نظام البشير لا يود أن يعيد تجربة حرب الجنوب التي استنزفت الجيش السوداني، فدفعت "الجبهة الإسلامية القومية" بميليشياتها الخاصة، وهي قوات "الدفاع الشعبي"، ودخلت الحرب كجهاد ديني.

أما في دارفور فقد اعتمد النظام على زرع الفتنة بين المجموعات القبلية من طريق الـ "جنجويد" حتى يستطيع السيطرة عليها بدلاً من خلق مواجهة بين الجيش والمجموعات المساندة للحركات المسلحة المنتمية إليها.

وللوقوف على دورة حياة الميليشيات التي كانت ستنتهي بسقوط البشير لولا تبني حميدتي هدف "قوى إعلان الحرية والتغيير" بمنع قيام حزب المؤتمر الوطني من جديد، لا بد من فهم تفاعلها مع الدولة والمجتمع وتصوراتها الأساس حول دورها ومكانتها بناء على سياق نشاطها التاريخي.

وتتمتع قوات "الدعم السريع" بخبرة قتالية تعتمد على فنيات المدرسة العسكرية الفرنسية، وإضافة إلى الحركات الدارفورية المسلحة الأخرى فقد اعتمدتها كلها في طبيعتها القتالية، وتختلف عن طبيعة أداء الحركات المسلحة في جبال النوبة والنيل الأزرق التي ورثت عقيدتها القتالية من "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وهي مبنية على المدرسة العسكرية البريطانية.

نهج متباين

وعلى رغم أن "الدعم السريع" نمت في كنف حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق حتى الـ 10 من أبريل (نيسان) عام 2019 حينما سقط الرئيس السابق عمر البشير وحزبه، إلا أن هذه القوات تضع القضاء على تنظيم "المؤتمر الوطني" في السودان هدفها الأول، ويجدر هنا لفت الانتباه إلى أن العداء كله منصب على حزب البشير وليس موزعاً على "المؤتمر الشعبي" أو التيارات الإسلامية الأخرى التي نشأت في عهد البشير، وكلها تقلبت مع الحكم تارة ثم مع المعارضة تارة أخرى.

هذه الانتقائية لحزب انتهج بعد المفاصلة بينه وبين عراب التنظيم حسن الترابي عام 1999 نوعاً من الوصولية السياسية، تخلى عن أيديولوجيته وعن فكرة توسعة التنظيم ليشمل الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، وظل هذا سر الخلاف بين "المؤتمر الوطني" بقيادة البشير و"المؤتمر الشعبي" بقيادة الترابي ومن بعده تلامذته.

وتطورت النظرة والوعي السياسيين للمقاتلين من الحركات المسلحة الأخرى في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق كما تطورت لدى الأحزاب السياسية التي عانت وحشية التنظيم خلال تسعينيات القرن الماضي، وقد كان موحداً ضد كل المعارضة السياسية والعسكرية، ونتج من ذلك الحراك انتفاضة عام 2018.

ولو تجاوزت "الدعم السريع" تلك المرحلة من الانتفاضة، ولو حاولت الاستمرار في سدة الحكم بقائدها نائباً لرئيس مجلس السيادة الفريق البرهان لما وصلت إلى هذه النتيجة من السيطرة، وما حدث يمكن تصنيفه إلى أحداث حدثت بمحض الصدفة وأخرى مخطط لها، بأن حوّل هذه القوات من رديفة للجيش إلى قوات ذات سمة موحدة ونهج متباين في تنظيم شبه عسكري يكال له كثير من الاتهامات بارتكاب انتهاكات إنسانية.

ميليشيات حليفة

ربما تتعرض هذه القوات ويدرج اسم "الدعم السريع" في قائمة عقوبات دولية، وقد تكون الخطوة التالية بعد أن فرضت وزارة الخزانة الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي عقوبات على نائب قائد قوات "الدعم السريع" وشقيق حميدتي عبدالرحيم دقلو بسبب "ارتكاب قواته أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المدنيين والقتل العرقي واستخدام العنف الجنسي منذ بداية الحرب في أبريل الماضي في دارفور وأماكن أخرى"، وهذه الخطوة إن اكتملت فستكون بداية النهاية للاقتصاد السري للقوات القائم على الاستثمار في الذهب وغيره.

 كما وُجهت اتهامات إلى ستة من قادة "الدعم السريع" وميليشيات حليفة لها بتنفيذ أعمال عنف على أساس عرقي بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور ضد قبيلة "المساليت"، والتي أدت إلى مقتل مئات وإجبار الآلاف على الفرار.

والمتهمون هم القائد السابق لقوات الدعم السريع في غرب دارفور العميد إدريس حسن المنتمي لقبيلة "الرزيقات"، وزعيم قبيلة "الرزيقات" مسار أصيل الذي ذكر أنه يقود ميليشيات متحالفة مع "الدعم السريع"، وقائد "الدعم السريع" في ولاية غرب دارفور عبدالرحمن جمعة المتهم بقتل والي غرب دارفور خميس أبكر من "المساليت" أيضاً، ونائب والي غرب دارفور التيجاني كرشوم، وقائد "الجبهة الثالثة - تمازج" موسى أنقر، وهي ميليشيات يهيمن عليها العرب وتتحالف مع "الدعم السريع"، وقائد آخر يعرف باسمه الحركي "مرفعين"، ويذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تحقق مع ثلاثة منهم.

قوات دخيلة

وتعوّد الجيش في عهد البشير أن يحتوي قوات دخيلة أخرى على الساحة الأمنية والعسكرية، فقد أسس البشير الوحدات العملياتية التابعة لجهاز المخابرات والأمن الوطني والقوات شبه العسكرية، مثل وحدات الشرطة الخاصة والاحتياط المركزي (أبو طيرة) وقوات "الدعم السريع".

و"الدعم السريع" في حال كونها قوة متحدة لن تستطيع أن تملأ فراغ انهيار الدولة أو فشلها المؤسساتي، وكذلك في حال انقساماتها لن تنقص من توقعات استمرار الحرب، فقد أصبح الجيش والمواطنون يواجهون أكثر من "دعم سريع"، وانشطرت القوات إلى فصائل عدة حتى لا تدان كمؤسسة شبه عسكرية بالتهم التاريخية إبان ضلوعها في حرب دارفور إلى جانب البشير، كما أن كثرة الفصائل في "الدعم السريع" تسهم في التخلص من التهم الملقاة على عاتق القوات.

وشهدت الفترة الأخيرة التبرؤ بصورة عامة من الانتهاكات التي ترتكبها القوات على الأرض وخصوصاً في منطقة الجزيرة.

وتشبه هذه الأحداث ما حصل في الصومال بداية تسعينيات القرن الماضي، ويخشى كثيرون أن يكمل الجنرالان في السودان سيناريو الصومال عندما اجتمعت هناك حركات تمرد منشقة عن الحكومة وقادت حرب عصابات من إثيوبيا، هرب على إثرها الرئيس محمد سياد بري من مقديشو، ثم اجتمع الجناح السياسي لحركة "المؤتمر الصومالي الموحد" بالحركات الأخرى في مقديشو عام 1991 ونصبوا رجل الأعمال علي مهدي رئيساً موقتاً، وعيّن عمر غالب رئيساً للوزراء وقرر حل الجيش وتسليم السلاح للميليشيات العشائرية، ثم انقسمت الحركة إلى تحالفين أحدهما بزعامة الرئيس مهدي والثاني الجناح العسكري بقيادة محمد فرح عيديد الذي سيطر على المدن والمحافظات جنوب ووسط الصومال.

شرعنة السلطة

ومن ناحية أخرى فإن تعدد الفصائل سيمكن "الدعم السريع" من التحول إلى حزب سياسي بزعامة حميدتي في محاولة لشرعنة سلطته السياسية، بينما ستظل القوات الجناح المسلح بقيادة أخرى، وهذه ستكون الخطة البديلة التي ستلجأ إليها "الدعم السريع" نتيجة عدم اقتناع الناس بأن القوات آتية بالفعل لتحقيق الديمقراطية، فأية ميليشيات أو حركة مسلحة ينظر إليها بأنها أبعد عن المشاركة السياسية، مثل "الدعم السريع" التي قضت حوالى ثلاثة عقود بمسميات مختلفة في مجال الصراعات المسلحة.

وبعد هذا السيناريو، وإن تحقق، فلن تسير الأمور وفق ما تريد قيادة "الدعم السريع" لمدى طويل، وإنما ستتعمق الانقسامات بين مجموعات الفصائل ويتنامى نفوذ بعضها، وستواجه الإدارات الأهلية ولجان المقاومة وتتحدى سلطتها، وقد بدأ ذلك فعلياً، ولكن الحرب شتَّت التركيز على الخلافات بين اللجان والقوات، بسبب غياب الدولة وانهيار وظائف مؤسساتها وانسحاب سلطتها من بعض المناطق بمجرد دخول "الدعم السريع"، وسعي الجيش إلى تقويض البدائل الناشئة مثل لجان المقاومة وغيرها، ومحاولة إحلالها بالإدارات الأهلية المتحالفة معه.

وبدلاً من أن تفضي جهود لجان المقاومة والإدارات الأهلية إلى توحيد الهياكل الداخلية لتقديم الخدمات وحل مشكلات السكان لمواجهة آثار الحرب، جعلت المجهودات غير متسقة وما بقي منها مبادرات محدودة، وبدلاً من ذلك بدأت "الدعم السريع" بالفعل الإشراف على الإمدادات الغذائية المنهوبة من المصانع والمخازن التابعة للدولة والشركات الخاصة.

وإزاء هذا الوضع ستحاول "الدعم السريع" احتكار نظام الأمن والشرطة، ووفقاً لذلك سيزداد اضطهاد ناشطي المجتمع المدني، لأن الخلاف سيكون حول تكوين وإحداث "الدعم السريع" هيئات إنفاذ القانون على طريقتها الخاصة.

شارك الخبر: