عند النظر إلى فيلم الأشعة السينية، قد تكتشف عظامًا مكسورة أو حتى أجسامًا غريبة، لكن ثمة كمية صغيرة من الفضة مخبأة داخل الصورة عينها. وراهنًا، تستخدم "رويال مينت"، أقدم شركة في المملكة المتحدة والصانع الرسمي للعملات المعدنية البريطانية، هذه الفضة لصنع المجوهرات.
ومن أجل الحصول على الفضة، تعاونت مع شركة "Betts Metals" التي تأخذ من برمنغهام في إنجلترا مقرّا لها، والتي استخرجت المعادن الثمينة من النفايات لأكثر من 250 عامًا.
وأوضح تشارلي بيتس، المدير الإداري للشركة، أن الشركة تقوم بجمع أفلام الأشعة السينية المستخدمة التي لم تعد المستشفيات بحاجة لها، والتي سترسل إلى مكب النفايات أو يتم حرقها.
ويمر الفيلم عبر آلة تقطّعه إلى قطع صغيرة، قبل أن يتم استخدام المعالجة الكيميائية لفصل الفضة. بعد ذلك، يتم صهرها ونقلها إلى موقع آخر، حيث يتم تكريرها إلى درجة نقاء تصل إلى 99.9%، تمامًا مثل أي مصدر آخر للفضة النقية.
وتتلقى المستشفيات القيمة النقدية للفضة المستصلحة. وأشار بيتس إلى أن كمية الفضة قد تتباين بشكل كبير بين أفلام الأشعة السينية، موضحًا أن هناك حاجة لأطنان عديدة من الأفلام لجعل عملية استردادها فعالة من حيث الكلفة.
جيدة مثل الذهب
يستخدم تجار مجوهرات آخرين الفضة الموجودة بأفلام الأشعة السينية التي استعادتها بيتس، ضمنًا "أنغراد" ومقرها لندن، لكن "رويال مينت" تستخرج أيضًا الذهب من النفايات الإلكترونية. وتستخدم "الكيمياء الأولى على مستوى العالم" من شركة "Excir" الكندية التي تقول إنها قادرة على استعادة أكثر من 99٪ من المعادن الثمينة خلال دقائق من النفايات الإلكترونية (المعروفة باسم e-waste) مثل لوحات دوائر الكمبيوتر المحمول، والهواتف المحمولة.
وينتج سنويًا أكثر من 50 مليون طن متري من النفايات الإلكترونية على مستوى العالم. يتم إعادة تدوير أقل من 20% منها في جميع أنحاء العالم، ما يؤدي إلى التخلص من المعادن الثمينة التي تقدر قيمتها بنحو 57 مليار دولار، أو نسيانها عوض إعادة استخدامها. ويذهب بعضها إلى مكب النفايات، وقد ينتهي بها الأمر كمادة ملوثة للتربة والتسرب إلى المياه الجوفية. كما يتم إعادة تدوير الكثير منها على نحو غير رسمي في الدول النامية، حيث يمكن أن يتعرض العمال للمعادن السامة. وقد يؤدي تعدين المعادن الثمينة الجديدة أيضًا إلى تلويث مصادر المياه، فضلاً عن إلحاق الضرر بالمناظر الطبيعية البكر.
هذا العام، من المقرر أن تفتتح "رويال مينت" مصنعًا جديدًا لاستعادة المعادن الثمينة، والذي سيكون قادرًا على معالجة 4000 طن متري من النفايات الإلكترونية في المملكة المتحدة سنويًا، وفقًا لما ذكره شون ميلارد، كبير مسؤولي النمو في الشركة.
وقال ميلارد: "توفر مشاريعنا الخاصة بالفضة بالأشعة السينية والنفايات الإلكترونية الذهبية مصدرًا لمعادننا الثمينة. هذه خطوة مهمة لتقليل اعتماد رويال مينت على المواد المستخرجة".
مجوهرات من النفايات
استخدمت الفضة المستخرجة من الأشعة السينية وذهب النفايات الإلكترونية في مجموعة مجوهرات "886" التابعة لـ"رويال مينت"، ولها الأداء المماثل عينه للمعادن التي يتم استخراجها، وفقًا لما ذكره دومينيك جونز، المدير الإبداعي لـ"886".
وأوضح جونز أن الأمر لا يقتصر على إعادة التدوير فحسب، بل يتعلق أيضًا بالحفاظ على المعادن الثمينة التي تم استخراجها بالفعل. ويقول إن 7% من إجمالي احتياطي الذهب في العالم يتم تخزينه على شكل أجهزة كمبيوتر محمولة مكسورة وهواتف محمولة قديمة.
وأوضح جونز أنّ "فكرة وجود هذه المواد غير المستخدمة، فيما ما زلنا نسعى لاستخراج مواد جديدة، لا تناسبني. الفضة بالأشعة السينية هي عينها تمامًا، هذا يشكل مصدرًا للفضة غير مستخدم في السابق ولا يزال خامدًا حتى الآن".
وتهدف شركة "رويال مينت" مستقبلًا، كي تكون جميع مجوهراتها مصنوعة من مصادر مستدامة.
ولفت جونز إلى أنّه يريد أن تدوم قطعه لأجيال عديدة، وألا تكون قطعة تصميم جميلة فحسب، بل رمزًا للاستدامة المتطورة التي تستخدم مواد تقدمية وغير ضارة بالبيئة.
وخلص جونز إلى أنّ "هذه القطع خالدة عن قصد، وهي تحف للمستقبل. الأمر مربح للجميع".