إذا سمعت انفجارًا صوتيًا (sonic boom) مؤخرًا، فمن المحتمل أنّه مألوف بالنسبة لك. ويمكن للفرقعة الصاخبة التي تشبه صوت الانفجار، والتي تحدث بسبب تحليق طائرة بسرعة تتجاوز سرعة الصوت، أن تكون مُفاجِئة، بل يمكنها أن تؤدي إلى كسر النوافذ.
وتُعد الانفجارات الصوتية جزءًا من سبب عدم وجود طائرات ركاب أسرع من الصوت تحلّق اليوم، كما أنّها من العوامل التي قيّدت نجاح طائرة "كونكورد"، التي حلقت لآخر مرة في عام 2003.
وكانت الطائرة الأسرع من الصوت محصورة للتحليق بسرعات أقل من سرعة الصوت فوق الأرض، أو بالقرب من السواحل، ولا تزال اللوائح الدولية الحالية تحدّ من سرعة النقل التجاري فوق اليابسة إلى أقل من 1 ماخ، أو سرعة الصوت، لتجنب الاضطرابات التي تسببها الانفجارات الصوتية فوق المناطق المأهولة.
والآن، تعمل وكالة "ناسا" الفضائية على تغيير تلك اللوائح من خلال تحويل الانفجارات الصوتية إلى مجرّد صوت "ضربة قوية"، ما يمهّد الطريق لجيلٍ جديد أكثر هدوءًا من الطائرات الأسرع من الصوت.
وتقوم الوكالة بذلك من خلال برنامج يُسمى "Quesst"، وهو ناتج عن عقود من البحث، ويتمحور حول طائرة جديدة تُدعى X-59 ظهرت لأول مرة، الجمعة.
صوت شبيه بدوي الرعد
صُمِّمت وبُنيت المركبة الجديدة من قِبَل شركة "Lockheed Martin Skunk Works" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية (وهي المقاول الرئيسي) بموجب عقد بقيمة 247.5 مليون دولار مع وكالة "ناسا".
ومع اكتمال طرح المصنع لها، ستخضع مركبة X-59 الآن لاختبارات متكاملة على أنظمتها، واختبارات متعلقة بعمل المحرك، وحركة المركبة على الأرض استعدادًا للرحلة الأولى.
ومن المقرر أن تُقلع الطائرة للمرة الأولى في وقتٍ لاحق من هذا العام قبل القيام بأول رحلة هادئة تفوق سرعتها سرعة الصوت.
وفي بيان، قالت نائب مدير وكالة "ناسا"، بام ميلروي إنه "في غضون أعوام قليلة فقط، حوّلنا المفهوم الطموح إلى الواقع. وستساعد مركبة X-59 التابعة لناسا في تغيير الطريقة التي نسافر بها، ما يجعلنا أقرب لبعضنا البعض في وقتٍ أقل بكثير".
وأوضح كريج نيكول، كبير المستشارين في مقر "ناسا"، لـCNN في عام 2022، أنّ الطائرة "ستكون أكثر هدوءًا بشكلٍ ملحوظ من الكونكورد أو أي طائرة أخرى أسرع من الصوت موجودة اليوم".
ويلعب الشكل الأنيق دورًا رئيسيًا في جعل الطائرة أكثر هدوءًا عند السفر بسرعة تفوق سرعة الصوت.
وصُممت مركبة X-59 لمنع موجات الصدمة من الاندماج معًا، وجعلها تنتشر بدلاً من ذلك بمساعدة الأسطح الديناميكية الهوائية الموضوعة بشكلٍ استراتيجي.
كما وُضِع المحرك الوحيد أيضًا في الجزء العلوي من الطائرة بدلاً من السفلي، وذلك للحفاظ على سلالة الجانب السفلي الذي يمنع موجات الصدمة من الوصول إلى اليابسة.
ونتيجةً لذلك، تعتقد "ناسا" أنّ الطائرة ستنتج 75 ديسيبل فقط من الصوت عند السفر بسرعات تتجاوز سرعة الصوت، مقارنةً بالصوت الناتج من طائرة "كونكورد"، الذي بلغ 105 ديسيبل.
وأفاد نيكول أن "ما يعنيه ذلك هو أنّ صوت الطائرة قد يكون مثل صوت الرعد البعيد في الأفق، أو كشخصٍ يغلق باب سيارة في الجوار"، مضيفًا: "ربما لن يسمع الأشخاص دوي الانفجار على الإطلاق، وإذا سمعوه، فلن يُفاجَئوا لأنّه سيكون منخفضًا، ومنتشرًا، وليس عاليًا على الإطلاق".
تغيير اللوائح
ومن المتوقع أن تحلق طائرة X-59 بسرعة تتجاوز سرعة الصوت بـ1.4 مرة، أو 925 ميلاً في الساعة (1،488 ألف كيلومتر تقريبًا).
وقبل تحقيق ذلك، سيقوم فريق Quesst بإجراء العديد من اختبارات الطيران في "Lockheed Martin Skunk Works" قبل نقل الطائرة إلى مركز أبحاث الطيران "أرمسترونغ" التابع لـ"ناسا" في كاليفورنيا، والذي سيخدم كقاعدة للعمليات.
وسيبدأ الجزء الحاسم من البرنامج في وقتٍ لاحق من عام 2024، عند إجراء سلسلة من الرحلات الجوية التجريبية عبر عدّة مجتمعات سكنية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، اختيرت لتقديم مزيج متنوع من الظروف الجغرافية والجوية.
وتُعتبر الخطة شبيهة بتجربة أجرتها إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) في عام 1964، عندما حلقت طائرات مقاتلة أسرع من الصوت بشكلٍ متكرر فوق مدينة أوكلاهوما لاختبار تأثير الانفجارات الصوتية على الجمهور.
ولم تجر الأمور بشكلٍ جيّد، فاعترض ما يصل إلى 20% من الأشخاص على الصوت العالي، وقدم 4% شكاوى ومطالبات متعلقة بالأضرار.
وأشار نيكول إلى أنه "لا نريد تكرار ذلك بالطبع، ولهذا السبب سنقوم باختبار هذه الطائرة على نطاقٍ محدود أولاً"، موضحًا: "لن نتّجه إلى المجتمعات إلا عندما نشعر بالرضا عن الأداء".
وبمجرد تحليق طائرة X-59 فوق المناطق المحددة، ستتعاون "ناسا" مع المجتمعات الموجودة على الأرض لتقييم استجابتها للضوضاء.
والهدف هو تأكيد النظرية القائلة بأنّ انفجارًا صوتيًا يبلغ 75 ديسيبل، سيكون مقبولاً.
وستُقدَّم البيانات المُجمَّعة بعد ذلك إلى إدارة الطيران الفيدرالية والجهات التنظيمية الدولية.