قال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، أمس، إن الطرفين المتحاربين في البلاد، قائد الجيش السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منفتحان بشكل أكبر على المفاوضات، وأقرا بأن الصراع الذي اندلع منذ أسبوعين لا يمكن أن يستمر.
محادثات
وصرح بيرتس لـ «رويترز»، أن هذا يمثل «بصيص أمل»، حتى في ظل تواصل القتال.
وأضاف أن طرفي الصراع رشحا ممثلين عنهما للمحادثات التي اقتُرحت إقامتها، إما في جدة بالمملكة العربية السعودية، أو في جوبا بجنوب السودان، وزاد: ثمة سؤال عملي حول ما إذا كان بوسعهما الذهاب إلى أي من المكانين «للجلوس معاً فعلياً». وقال إنه لم يُحدَّد جدول زمني لإجراء محادثات.
وأفاد بيرتس بأنه أبلغ مجلس الأمن أن كلا الطرفين كان يعتقد أن بوسعه الانتصار في الصراع، وذلك خلال أحدث إفادة منذ يومين، لكنه قال أيضاً «إن المواقف تتغير». وتابع: «يعتقد كلاهما أنه سينتصر، لكنّ كليهما أكثر انفتاحاً نوعاً ما على المفاوضات. لم تكن كلمة «مفاوضات» أو «محادثات» حاضرة في خطابيهما خلال الأسبوع الأول أو نحو ذلك».
وذكر بيرتس أنه في ظل إلقاء الطرفين بيانات تقول إن الطرف الآخر عليه «الاستسلام أو الموت»، يقولان أيضاً «حسناً، إننا نتقبل... شكلاً ما من المحادثات». وتابع: «أقر كلاهما بأن هذه الحرب لا يمكن أن تستمر».
وألمح بيرتس إلى أن المهمة التي لا تحتمل التأخير، هي مهمة تطوير آلية مراقبة لتنفيذ الهدنات التي وافق الطرفان عليها عدّة مرات، لكنها فشلت في إيقاف القتال.
وطُرحت جدة كمكان للمحادثات «العسكرية الفنية»، بينما طُرحت جوبا في إطار مقترح إقليمي من دول شرق أفريقيا كساحة للمحادثات السياسية.
وقال بيرتس، إن العلامات على قرب اندلاع صراع، كانت ظاهرة بقوة بداية أبريل الجاري، إذ كافح الوسطاء الدوليون والمحليون لتخفيف حدة التوتر، لكنهم اعتقدوا أن «وقف تصعيد مؤقتاً»، تحقق في الليلة السابقة لاندلاع القتال.
أسبوع ثالث
وميدانياً، دخلت الحرب في السودان بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، أسبوعها الثالث، دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل بتوقفها.
وتواصل إطلاق النار بين الطرفين، رغم الهدنة المعلنة، بناءً على مبادرة سعودية أمريكية، مع استمرار تبادل الاتهامات بشأن خرق الهدنة، التي لم تصمد طويلاً، مع تكرار إعلانها، في وقت لا تزال فيه الأوضاع على ميدان المعركة يشوبها الغموض، في ظل تضارب المعلومات الصادرة عن الجانبين.
ودارت معارك أمس في مناطق بأم درمان، والخرطوم، والخرطوم بحري، بينما نزلت قوات من شرطة الاحتياطي المركزي للمرة الأولى إلى الشارع منذ بداية المواجهات، إذ غابت قوات الشرطة عن المشهد تماماً، إلا في الولايات التي لم تشهد معارك حربية، ونشر المكتب الصحافي للشرطة، صوراً قال إنها لبداية انتشار قوات الشرطة لتأمين حياة وممتلكات المواطنين.
ومع استمرار المعارك، يزداد الوضع الإنساني والصحي سوءاً، حيث أصبح عشرات آلاف السودانيين بلا مأوى، بعدما أجبرتهم الحرب الدائرة على ترك منازلهم، بجانب انقطاع المياه عن كثير من أحياء العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، التي انقطعت عنها مياه الشرب منذ صبيحة اليوم الأول للحرب، ولم يتبقَ أمام السودانيين خيار غير مغادرة مساكنهم إلى مناطق أكثر أمناً، تتوفر فيها الخدمات الأساسية.
في ذات الصعيد، اتخذت قوات الدعم السريع الكثير من منازل المواطنين بمنطقة بري وحي النصر بشرق النيل، وغيرها من المناطق، ثكنات عسكرية، بعدما طردت سكانها.
وأفاد شهود عيان بمنطقة بري شرقي الخرطوم لـ«البيان»، بأن مجموعات من عناصر قوات الدعم السريع، اقتحموا منازل السكان بحي بري المحس، وارتكزوا على أسطح المباني، ومنعوا السكان من الاقتراب من مساكنهم.
الوضع الصحي
من جانبها، أعلنت وزارة الصحة السودانية، أن مسلحين من قوات الدعم السريع، احتلوا عدداً من المستشفيات والمرافق الصحية بولاية الخرطوم، وأحكموا سيطرتهم على مستشفى الخرطوم التعليمي، ومستشفى شرق النيل، وعدد من مستشفيات القطاع الخاص، وناشدت الوزارة، طرفي النزاع، الابتعاد عن المستشفيات والمرافق الصحية، وعدم اتخاذها نقاط ارتكاز لقواتهما، تسهيلاً لحركة الكوادر الطبية وعمليات الإمداد.
من جهتها، ذكرت نقابة الأطباء السودانيين، في تقرير حول وضع المستشفيات أن 70 % من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات خارج الخدمة، وأكدت أنه، من أصل 86 مستشفى أساسياً في العاصمة والولايات، يوجد 61 مستشفى خارج الخدمة، و25 أخرى تعمل بشكل جزئي، حيث يقدم بعضها خدمة الإسعافات الأولية فقط، وهي مهددة بالإغلاق، لنقص الكوادر والإمدادات الطبية، والماء والكهرباء.
وكشفت النقابة عن تعرض 15 مستشفى للقصف، وتعرض 19 آخر للإخلاء القسري، وقدّرت أن 6 سيارات إسعاف تعرضت للاعتداء من القوات العسكرية وغيرها، ولم يسمح لها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات.
لا منتصر
في سياق متصل، حمّل اللواء متقاعد، الخبير في إدارة الأزمات، أمين مجذوب، خلال حديث لـ «البيان»، رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مسؤولية ما يجري في البلاد، وأكد مجذوب أن الأمور وصلت إلى مرحلة في «غاية التعقيد» بفعل المواجهة، التي فاقمت الأوضاع في البلاد.
وشدد مجذوب على أن رحى الحرب الدائرة في السودان، لن يقود إلى نتائج، كما أنها لن تصب، في نهاية المطاف، لمصلحة أي من طرفي الصراع، بل سوف تدخلهما في مواجهة مع الشعب السوداني والمجتمع الدولي.
وأضاف مجذوب «في مثل هذه الحروب، لا يوجد منتصر، لأن الطرفين متضرران، أما المتضرر الأكبر، فهو بالتأكيد الشعب السوداني».