تواصلت حدة المواجهات بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في عدد من جبهات القتال في البلاد، حيث شن الطيران الحربي التابع للجيش غارات مكثفة على مواقع عدة بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور التي تسيطر عليها "الدعم السريع" مما تسبب في سقوط أكثر من 100 قتيل وجريح، كما شهدت مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري قصفاً جوياً ومدفعياً عنيفاً.
وبحسب شهود، فإن طيران الجيش نفذ أربع غارات جوية استهدفت معظم الأحياء الواقعة شمال مدينة نيالا وهي السلام والرياض والمطار والمصانع وخرطوم بليل، أدت إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين وتدمير عدد من المنازل.
وقال "منبر دارفور للعدالة"، وهي مجموعة حقوقية في الإقليم، إن الغارات الجوية التي استهدفت نيالا تسببت في قتل وإصابة 118 شخصاً بينهم نساء وأطفال وتدمير عشرات المنازل. ودان بيان للمنبر استمرار الطيران الحربي في ضرب المناطق المأهولة بالسكان مما يعتبر جريمة ترقى لجرائم الحرب حاضاً الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان للقيام بمسؤولياتها في حماية المدنيين، ووقف ما سماه عمليات إبادة الأبرياء بدارفور.
انفجارات بالخرطوم
وفي الخرطوم، تجددت العمليات العسكرية بين الجانبين المتحاربين، فقد سمع شهود دوي انفجارات قوية في محيط القيادة العامة للجيش بوسط العاصمة، وسلاح الإشارة بمدينة بحري، تزامناً مع قصف بالمدفعية الثقيلة، من قبل قوات "الدعم السريع" على المقرين العسكريين. وأشار الشهود إلى أن الجيش شن هجوماً على مناطق تجمعات "الدعم السريع" في الأحياء الشرقية والجنوبية من الخرطوم باستخدام المدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة.
وفي أم درمان أفاد مواطنون بأن نواحي الثورات ومنطقة كرري العسكرية وغرب الحارات ومنطقة السوق الشعبية ومحيط سلاح المهندسين وأحياء الفتيحاب والمربعات والصالحة شهدت تصاعداً للمعارك، في موازاة تحليق المسيرات وطيران الاستطلاع والاستهداف المتبادل بين طرفي القتال بالقصف المدفعي، وتضررت عشرات المنازل من القصف العشوائي مما اضطر أصحابها للنزوح إلى مناطق أقل خطورة.
وتعاني معظم أحياء أم درمان من انقطاع خدمات المياه للشهر الثالث، وكذلك الكهرباء، فضلاً عن ندرة السلع والخدمات إذ لا يوجد ما يكفي سكان المدينة من غذاء إضافة إلى انتشار حالات الحمى والكوليرا ونزلات البرد في ظل انعدام وسائل التدفئة أو الأغطية والملابس الشتوية.
وفي ولاية سنار جنوب شرقي البلاد، سمع شهود دوي انفجارات متقطعة في النواحي الشمالية الغربية لمدينة سنار، كما شاهدوا طائرات الاستطلاع التابعة للجيش تحلق في سماء المدينة.
تحشيد واعتقالات
في الأثناء، زادت وتيرة التحشيد الشعبي (قبلي وجهوي) في عدد من ولايات السودان في إطار الدعوات التي تتبناها تنظيمات "الحركة الإسلامية للمقاومة الشعبية" لمواجهة "الدعم السريع"، وتتداول في مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لمجموعات تحمل الأسلحة استعداداً لمساندة الجيش في إطار ما أطلقوا عليه اسم "الهيئة الشعبية لدعم وإسناد القوات المسلحة السودانية".
وأمهل والي ولاية نهر النيل محمد البدوي خلال مخاطبته حشداً شعبياً مسلحاً بمدينة شندي (شمال الخرطوم) المعارضة، في إشارة لقوى الحرية والتغيير، مدة 72 ساعة لمغادرة الولاية.
كما شهد عدد من المدن والمناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة تصاعداً ممنهجاً في وتيرة الاعتقالات والاستدعاءات الأمنية والتضييق تجاه منسوبي مكونات قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة ومقدمي الخدمات للنازحين الهاربين من الحرب. وتتركز حملة الاعتقالات التي يتبناها جهاز الأمن بتحريض وتخطيط ومشاركة النظام السابق في ولايات سنار، وكسلا، والشمالية، ونهر النيل، والنيل الأبيض، والقضارف، وشمال دارفور.
لقاء البرهان – "حميدتي"
وسط هذه الأجواء، قالت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" إن "الدعوة للقاء رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم تجد القبول من فلول النظام البائد الذين أشعلوا هذه الحرب ويدعون لاستمرارها خوفاً من أن يؤدي الحل التفاوضي السلمي إلى استئناف المسار الديمقراطي وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول) والقضاء على أجندتهم المتمثلة بعودة نظام الاستبداد والفساد بقيادة حزب المؤتمر الوطني".
من جانبها، نددت قوى تحالف الحرية والتغيير بالتصعيد العسكري وحملة الاعتقالات التي طالت منسوبيها في الولايات متهمة عناصر النظام السابق بقيادة حملات التصعيد والتحريض ضد كوادرها ومؤيديها. وأعرب بيان للتحالف عن صدمته حيال القصف الجوي الذي شهدته ولاية جنوب دارفور ضد المدنيين في نيالا مما أدى لوقوع ضحايا، كما أشار إلى استمرار تبادل القصف المدفعي بين طرفي القتال في مناطق عدة بولاية الخرطوم، منوهاً إلى أن "هذه الأحداث أتت في ظل استمرار تحشيد وتسليح المدنيين لتحويلهم من ضحايا حرب إلى طرف فيها ونقلها لتصبح حرب الكل ضد الكل وصراعاً أهلياً بين مكونات البلاد وسكانها". ودعا التحالف إلى وقف كل الانتهاكات المرتكبة تجاه المدنيين من الطرفين المتحاربين، والكف فوراً عن القصف الجوي أو المدفعي للمناطق السكنية، ووقف التعدي على أرواح وممتلكات المدنيين أو اعتقالهم بسبب توجهاتهم السياسية أو المناطقية أو القبلية وإطلاق سراحهم فوراً، ووقف كل إجراءات تسليح المدنيين وسيناريو جر البلاد صوب الحرب الأهلية.
تحركات "حميدتي"
وعن تحركات قائد "الدعم السريع" في دول الجوار وانعكاساتها تجاه الحل السلمي للأزمة السودانية، أشار المحلل السياسي السوداني الحاج حمد إلى أن جولة حميدتي في مجموعة دول إيغاد تؤكد أنه يسعى لإظهار استعداده لتنفيذ ودعم مبادرة هذه المجموعة بموافقته لقاء قائد الجيش مما ضيَّق دائرة المناورة لدى الأخير ووضع جديته على المحك بخاصة أن مؤيدين من الحرس القديم للنظام السابق يكبلون حركة قائد الجيش بإصرارهم على الحل العسكري". وبين حمد أن لقاء البرهان – حميدتي سيركز على تحقيق وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع لمدة طويلة المدى، وهو ما يتطلب تدخل الأمم المتحدة لمراقبة أي تجاوزات تحدث لخرق اتفاق إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين الذين يعانون نقص المؤن والدواء، "بخاصة أن فشل الهدن السابقة التي اتفق عليها في منبر جدة سببه عدم وجود المراقبة الدولية".
جدل الشرعية
من جهته، أوضح القيادي في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) مصباح أحمد أن قائد "الدعم السريع" لم يعلن عن أهداف زيارته لبعض الدول الأفريقية غير التصريحات المحدودة التي ركزت على مناقشة الوضع الراهن في السودان، فهو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يجيب عن ذلك، "لكن في تقديري ربما يريد حميدتي شرح رؤيته لحل الأزمة في البلاد قبل لقائه قائد الجيش مطلع يناير (كانون الثاني) 2024".
وتابع "ربما يريد قائد الدعم السريع من هذه الزيارات أن يرسل للعالم رسالة أنه موجود وقادر على الحركة وممارسة مهامه، ويمكن التعامل معه مباشرة، وربما تكون أيضاً رد فعل لجولات البرهان التي قام بها لعدد من الدول الأفريقية والعربية، أخيراً، بخاصة أن حميدتي أعلن، من قبل، عدم اعترافه بشرعية البرهان، لذلك ربما يكون الجدل حول الشرعية أحد دوافع هذه الجولة".
وواصل أحمد "دول إيغاد والجوار والوساطة السعودية - الأميركية مجمعة على أهمية عقد اللقاء لدفع جهود الحل السلمي في البلاد، وكذلك لتجسير الهوة بين الطرفين وتعزيز الثقة لإنجاح جولات التفاوض المقبلة عبر منبر جدة، والمؤشرات حتى الآن إيجابية". وقال "نتمنى أن ينعقد اللقاء في زمانه المحدد ونأمل أن يتحلى الطرفان هذه المرة بالجدية اللازمة والإقبال الجاد على التفاوض بروح المسؤولية الوطنية والنظر لمعاناة الشعب السوداني والوصول لتفاهمات جادة لوقف العداء ومعالجة الأوضاع الإنسانية والعودة للمسار السياسي الذي يفضي لإنهاء الحرب وتحقيق السلام وتأسيس انتقال مدني ديمقراطي مستدام". وأكد القيادي في قوى الحرية والتغيير أن أمام الطرفين فرصة ربما تكون الأخيرة للتفاوض والابتعاد عن المناورة لإنهاء معاناة السودانيين.