• الساعة الآن 11:24 AM
  • 19℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

إدارة بايدن تعزز نفوذها في جزر المحيط الهادئ.. ما وراء القصة؟

news-details

 

ياسمين أيمن

في إطار التنافس المحموم مع الصين داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبعد أن قامت بكين خلال عام 2022 بالتوقيع على اتفاق أمني مع دولة جزر سليمان؛ تسعى الولايات المتحدة حثيثاً لتسريع خطوات تعميق العلاقات مع دول جزر المحيط الهادئ؛ فخلال فترة وجيزة، وقَّعت الإدارة الأمريكية على عدد من الاتفاقيات مع دول المنطقة، تتضمن تعزيز التعاون، وتقديم المساعدات المادية والمعنوية، فضلاً عن افتتاح المزيد من السفارات الأمريكية، وتكثيف زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى المنطقة، وهو أمر لافت للانتباه العالمي، خاصةً أن الجزر التي تهتم بها واشنطن جزر صغيرة من حيث المساحة والكثافة السكانية، إلا أن إدارة بايدن تؤكد أن تلك الدول أو الجزر تمثل أهمية حيوية بالنسبة إليها.

 

مظاهر الاهتمام

هناك جملة من المؤشرات تُؤكد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز وجودها في منطقة المحيط الهادئ، وتتمثل أبرزها فيما يلي:

1– إطلاق استراتيجية أمريكية لدول جزر المحيط الهادئ: أطلقت إدارة الرئيس جو بايدن، في 29 سبتمبر الماضي، أول استراتيجية للشراكة الأمريكية مع تلك الدول. وتتوافق هذه الاستراتيجية مع استراتيجية الإدارة تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي أُعلن عنها في فبراير 2022. وتسعى الاستراتيجية الأمريكية تجاه دول جزر المحيط الهادئ إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية؛ هي: تأسيس شراكة قوية بين جزر المحيط الهادئ والولايات المتحدة، وتعزيز ارتباطها ككيان موحد بالعالم، وقدرة منطقة جزر المحيط الهادئ على الصمود ومواجهة أزمة تغير المناخ وتحديات القرن الحادي والعشرين الأخرى، وأخيرًا تمكين المنطقة بالكامل من الاستفادة من فرص القرن الحالي، والالتزام الأمريكي بزيادة التجارة والاستثمار مع جزر المحيط الهادئ.

2– عقد أول قمة بين واشنطن ودول جزر المحيط الهادئ: يأتي عقد القمة يومي 28 و29 سبتمبر الماضي في إطار الجهود الاستراتيجية التي تتخذها إدارة الرئيس جو بايدن لمواجهة الصعود الصيني وتزايد نفوذ وحضور بكين اقتصاديّاً وعسكريّاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتعتمد القمة على الجهود السابقة التي بذلتها إدارة الرئيس بايدن لتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين، ولا سيما المتضررين من الصعود الصيني في المنطقة، مثل إعادة تقوية التحالف الرباعي (الكواد)، الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، وكذلك اتفاقية أوكوس بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وقمة الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في مايو الماضي.

3– توقيع اتفاقيات بين الولايات المتحدة ودول المحيط الهادئ: دأبت الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة على توقيع العديد من اتفاقيات التعاون مع دول منطقة المحيط الهادئ، بما في ذلك اتفاقيات تم توقيعها مع بالاو وبابوا غينيا الجديدة وميكرونيزيا تعزز التعاون بين تلك الدول وبين واشنطن، على غرار الاتفاق الأمني الذي تم توقيعه في مايو بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس ماربي الذي بموجبه ستقدم واشنطن التدريبات والتمويل لجيش بابوا غينيا الجديدة؛ لمساعدتها على الاستجابة لمختلف التهديدات المحيطة بالدولة، مثل مواجهة الكوارث الطبيعية والتكيف مع تبعاتها، والرد على عمليات تهريب المخدرات. وبالرغم من أن فحوى الاتفاقية لم يُنشَر، فإن هناك تكهنات حول أنها ستسمح للقوات الأمريكية بـ”الوصول المشروط” إلى الموانئ والقواعد والمطارات داخل البلاد، بما يمثل ميزة نوعية لواشنطن في المنطقة. وعلاوة على ما سبق، تم تمديد اتفاق الارتباط الحر مع بالاو لمدة 20 عاماً جديدة، كما تم التوقيع على اتفاق آخر مع ميكرونيزيا. وهناك مفاوضات حول دفع تعويضات للمتضررين من التجارب النووية الأمريكية في الأربعينيات والخمسينيات مقابل التوقيع على اتفاق مع جزر مارشال. وكل ذلك سيسمح لمواطني تلك الدول بسهولة دخول الولايات المتحدة، للعمل أو الإقامة، كما سيجعل واشنطن تدعم ميزانيات تلك لدول، لكنه في المقابل سيساعدها في تمديد نفوذها في منطقة المحيط الهادئ.

 

4– تقديم المساعدات المالية لجزر المحيط الهادئ: خلال مشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة مع دول منطقة المحيط الهادئ شارك فيها نحو 12 من رؤساء دول المنطقة والحكومات في سبتمبر 2022؛ تم الإعلان عن صندوق جديد لتقديم المساعدات لجزر المحيط الهادئ بقيمة 810 ملايين دولار، منها 600 مليون دولار ستُخصَّص على مدار فترة قدرها عشر سنوات لتنقية المياه الملوثة، في سبيل تسهيل عمليات صيد سمك التونة؛ هذا فضلاً عن الدعم الذي سيُقدَّم لدفع البلاد لتحقيق النمو والتنمية؛ فعلى سبيل المثال، تم الإعلان عن 20 مليون دولار لدعم قطاع السياحة في دولة جزر سليمان، والبحث عن حلول أخرى بدلاً من ممارسة نشاط قطع الأشجار.

 

5– تكثيف التواجد الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة: تعمل واشنطن على تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع مختلف دول منطقة المحيط الهادئ. وللمرة الأولى، عينت واشنطن فرانكي ريد ليكون سفيراً إلى الولايات المتحدة في منتدى جزر المحيط الهادئ، وهو منظمة تضم نحو 18 عضواً من الأقاليم والدول، وتترأسها حالياً جزر كوك، كما تم الإعلان عن عزم واشنطن الاعتراف بسيادة جزيرتي كوك ونييوي، اللتين على الرغم من صغر كثافتهما السكانية التي لا تتجاوز 20 ألف نسمة، فإنهما تمثلان أهمية اقتصادية نوعية في تلك المنطقة. وعلى صعيد آخر، أعادت الولايات المتحدة افتتاح سفارتها في جزر سليمان، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن هذه الخطوة تؤكد “التزامنا تجاه شعب جزر سليمان”. وتم افتتاح سفارتَين جديدتَين في جزيرتي كيريباتي وتونجا؛ ما من شأنه أن يسمح بوجود أمريكي أكبر على المستوى الدبلوماسي.

 

دوافع واشنطن

لم يكن تحرك الولايات المتحدة الأمريكية صوب منطقة المحيط الهادئ هو محض الصدفة، بل جاء بناءً على تبدل في الرؤى الأمريكية منذ فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما؛ حيث بدأت واشنطن تنظر باهتمام أكبر إلى النمو الصيني المتصاعد، مدركةً أن ذلك من شأنه التأثير على مصالحها. وفي ضوء ذلك، يمكن إلقاء نظرة أكثر تفصيلاً عن الأسباب التي دفعت واشنطن صوب جزر منطقة المحيط الهادئ، وهي على النحو التالي:

1– تعزيز التموضع الأمريكي في مواجهة نفوذ بكين: تتخوف الولايات المتحدة من بسط نفوذ الصين على كافة أنحاء المنطقة، خاصةً أنها ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية مع أغلب دول المنطقة، فضلاً عن قوتها العسكرية الكبيرة بالمقارنة ببقية الدول التي تجعل الدول في خوف من الدخول مع بكين في صدام. وقد أوضحت واشنطن خلال الوثيقة الاستراتيجية التي أصدرتها بشأن المنطقة أن لديها مخاوف من تنامي “التنافس الجيوسياسي” في المنطقة، مضيفةً أن “هذه التأثيرات تشمل بشكل متزايد الضغط والإكراه الاقتصادي من الصين؛ الأمر الذي يهدد بتقويض السلام والازدهار والأمن في المنطقة، ومن ثم يهدد بتقويض الولايات المتحدة. وتتطلَّب هذه التحديات انخراطاً أمريكيّاً متجدداً عبر منطقة جزر المحيط الهادئ بالكامل”. فعقب التوقيع على الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة وبابوا غينيا الجديدة، خرجت وزارة الخارجية الصينية بتصريح أوضحت فيه رفضها “إدخال أي ألعاب جيوسياسية” في المنطقة؛ وذلك بالرغم من أنها فعلت الأمر نفسه في أبريل من العام الماضي حينما وقَّعت على اتفاق أمني مع دولة جزر سليمان، قد يتضمن إنشاء قاعدة عسكرية صينية هناك، لكن حكومة جزر سليمان نفت ذلك، بما يدل على أن كلتا الدولتين تنظر إلى الأخرى بترقب.

 

2– دعم سيولة حركة التجارة العالمية عبر المنطقة: تعتبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ من النقاط الساخنة التي تمر منها التجارة العالمية؛ لذلك فإن أي اضطراب في تلك المنطقة كفيل بأن يتسبب في اضطرابات بالتجارة العالمية وبسلاسل الإمداد العالمية. وإذا سيطرت الصين على تلك المنطقة ودخلت في حرب مع واشنطن، فإنها ستكون قادرة على وقف أي سفن تمر عبر المنطقة، بما في ذلك السفن الأمريكية؛ لذلك تعمل واشنطن على ألا يتحقق هذا السيناريو بتعزيز علاقتها مع دول المنطقة، موضحةً أن تعاونها مع دول المنطقة يأتي في إطار رغبتها في الحفاظ على الأمن البحري.

 

3– التوسُّع الاستراتيجي لمناطق النفوذ الأمريكي: تعمل الولايات المتحدة على التحرك وفقاً لكونها قوى عظمى؛ لذلك تسعى لتوسيع دائرة علاقتها مع الدول من خلال تبني دبلوماسية متعددة الأطراف، تدعم موقفها على الساحة العالمية. وبشأن تعزيز العلاقات مع جزر منطقة المحيط الهادئ، قال الرئيس بايدن في عام 2022 في هذا الصدد: “إن جزر المحيط الهادئ تمثل صوتاً حيويّاً في تعزيز مستقبلنا”، مُرحِّباً بالقمة التي عُقدت، ومشيراً إلى أنه تم خلالها تقديم استراتيجية جديدة بشأن المحيط الهادئ.

 

4– توظيف مسألة التغير المناخي في تعزيز النفوذ: بالرغم من أن نسبة إنتاج جزر المحيط الهادئ من إجمالي انبعاثات الغازات العالمية لم تتجاوز 0.03% حتى عام 2022، فإن هناك عدداً من تلك الجزر مهدد بالغرق تحت المياه من جراء ارتفع مستويات المياه على المدى الطويل، حتى لو نجح العالم في تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ. وفي إطار مساعيها لمكافحة التغير المناخي عالميّاً، تُكثِّف الولايات المتحدة مساعداتها لمختلف دول العالم، حتى إنها وقعت مع 14 دولة من جزر المحيط الهادئ اتفاقاً يتضمن بنوداً عديدة؛ منها تعهد واشنطن بمساعدة تلك الدول على التصدي للتهديدات التي يفرضها التغير المناخي، كما أعلنت واشنطن عن مساعدات مالية بقيمة 130 مليون دولار لدفع دول المنطقة للاستعداد لتبعات الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية.

 

ترتيب أولويات

خلاصة القول أن الولايات المتحدة أعادت ترتيب أولوياتها الخارجية خلال السنوات الأخيرة، وأعادت ترتيب أهمية مناطق العالم المختلفة بالنسبة إليها وإلى أمنها القومي، واضعةً الصعود الصيني المتنامي في عين الاعتبار، وهو ما دفعها إلى التركيز بدرجة أكبر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والاهتمام بدرجة أكبر بالجزر الكائنة في تلك المنطقة، إيماناً منها بأهمية تلك الجزر مستقبلاً إذا نشبت أي حرب بينها وبين الصين، وإدراكاً لمدى تأثيرها على أمن التجارة العالمية، وهو الأمر الذي تتفق عليه الإدارات الأمريكية المختلفة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.

 

 

شارك الخبر: