يطلق الزعيم المفدَّى عبدالملك الحوثي الإصبعَ تلو نَفْسِ الإصبع، راميًا صوب أعداء الله الأشرار رصاصًا لغويًا ينسل من بين أنامله: "اتركونا أيها العرب نتفاهم في حرب مباشرة مع أمريكا، وذَرونا واكتفوا بالتفرج".
و"إذا أراد العرب أن يكونوا جمهورًا يصفق للأمريكي فليصفقوا، وإذا أرادوا أن يرقصوا على أشلاء الضحايا فليرقصوا، لكن لا يشتركوا مع الأمريكي في حربه علينا". هكذا افتتح السيد "سينما عربية" هنا في اليمن، وعلى اليمنيين أن يخضعوا للمخرج الذي يتصوّر من الآن ردود الأفعال تجاه الفيلم. لمن نصفق الآن؟ للخطاب الناري أم لإتقان صنع حرب المستقبل الذي نجهله ونعرفه في نفس الوقت؟
يحدّث السيد شعبه "العظيم" دون أن يمنحنا فرصة التصفيق، ويجلجل: "كونوا على جهوزية للحرب"، مستحضرًا بالفعل ما يُنشر في شبكات التواصل حول أن أنصار الله يحاولون جلب الحرب الأمريكية إلى اليمن. يردد الحوثي الكلام نفسه حرفيًا ليبدو كمن أنهى للتو جلسة حاسمة مع منشورات "إكس" الناقمة، ثم يظهر لامعًا وفتى شاشة جديرًا بالإعجاب خلال استعراض بلاغي صعداوي فاتن. يقول كالفاتحين: "تمنينا أن نخوض مع أمريكا حربًا مباشرة"، وها هو ذا "سِيْدي وعيني" يحقق حلمه أخيرًا عبر رجاله الأوفياء، سواء أولئك المقاتلين، أو الباذلين أرواحهم ودماءهم على منصة "إكس" من نشطاء مؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
ثم ماذا؟ على اليمنيين أن يتعايشوا مع الحروب. أية حروب ستنزل على رؤوسهم، هي وجه من وجوه الرضا الإلهي على المسيرة وقائدها. وعلينا ألا ننهي هذه الحروب والمآسي مهما حدث، إذ "لا يتصور الأمريكي أن بإمكانه أن يضرب ضربات هنا وهناك ثم يبعث بوساطات ليهدأ الوضع". نصدّق السيد بالفعل، فالوساطات التي لم تقبل بها الجماعة لدفع الرواتب، لن تكون أكبر شأنًا من وساطات توسُّلية لإنقاذ الأعداء الأمريكيين من قبضة الأنصار البواسل. لن يكون هناك رحمة، وببساطة: "لا ترحموا الشعب اليمني لأننا لن نرحمكم أيها الأمريكيون".
عجيب أمركم أيها الأمريكيون.. ألم تسمعوا السيد القائد وهو يهز أركان صعدة ويقول: "إذا قدم جنود أمريكا إلى اليمن فسيواجهون أقسى مما واجهوا في أفغانستان وفيتنام"؟ ألم تتعظوا من خساراتكم؟ ألا يبدو لكم أن اليمن فائز دائمًا ولا يعاني من أي تبعات لأي حروب؟ نحن لسنا فيتنام ولا أفغانستان، نحن يمن فيه مسيرة، وذلك بالتحديد أكبر مآسينا.
في التحليلات السياسية -التي هي بالطبع ليست من اختصاص نصر الدين عامر أو الأهنومي- باتت الأوساط السياسية الأمريكية غير راغبة في الدخول في صراعات مباشرة والزج بجنودها في المعارك، لاعتبارات سياسية واقتصادية يتحدث عنها العالم كله. لكن لأنصار الله مخيلة تحت بند البطولات والعنتريات كما يبدو، تلك المخيلة التي لا ترقى إلى إمكانية صرف رواتب أشهر من عوائد شهر واحد، لكنها ترقى إلى سحق أمريكا.
وبينما تتنفس الجماعة شجاعةً وتسعُلُ إباءً على أمل حدوث حرب مباشرة في اليمن ذات الطبيعة الجبلية والجغرافيا الممتازة، فإننا مع الزخم الذي أحدثه الخطاب بين صفوف الجماعة، نسأل أنفسنا ونسألها: ما هي الحرب التي ستندلع دون مقدمات؟ أليس من الأجدر أن يتعايش الأنصار مع الأزمة أولًا وتستبق أمريكا الحدث بتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية كما فعلت مع الجماعات التي قاتلتها؟ أي حرب هذه؟ هل هي "بوبجي" أمريكية حوثية أيها السيّد القائد؟
لم تصنف واشنطن الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وإذا قلنا إن "الأنصار" ليسوا "إرهابية"، فعلى الأقل "منظمة أجنبية" فقط، لكن ذلك لم يحدث. ليست إرهابية ولا أجنبية، فهل هذه هي بركات "المسيرة القرآنية"؟
أوروبا أيضًا ترتعد فرائصها وهي تصغي إلى سيّد المقاومة اليمنية: "نقول للدول الأوروبية ليس على سفنكم التي لا تذهب إلى كيان العدو أي خطورة، لكن عندما تتورطون مع الأمريكي فأنتم تخاطرون بمصالحكم بكل ما تعنيه الكلمة".
نعم، بكل ما تعنيه الكلمة، ولا يُستبعد أن نستخدم أقوى كلمة، كأن نُجري "Update" على شعار الصرخة ونفجر غضبًا جديدًا بعنوان "الموت لأوروبا" تحت "الموت لأمريكا" تمامًا. موتٌ تحته موت بما تعنيه الكلمة، وأي موت يا أوروبا؟ حذار يا منطقة اليورو، والنصر للإسلام.
اللافت في الأمر أن قياداتٍ في الجماعة لم تخرج للتعليق على الخطاب المزلزل، مثل القيادي الثوري محمد علي الحوثي، إذ لم يشر بكلمة على خطاب ولد العم، ولم يقل حتى مثل باقي رفاقه المجاهدين "لمشاهدة الخطاب كاملًا يرجى الدخول على الرابط". تجاهل محمد علي هذه التطورات العالمية، واكتفى بتشجيع المنتخب الوطني للناشئين على غَلَبته أمام السعودية بكأس غرب آسيا، بل ويرتّب لاحتفال بالمنتخب على متن سفينة "جالاكسي ليدر" ولا يأبه بكل ما جاء في كلمة السيد القائد، وعليه يُرجى احتواء "فوبيا القيادة" قدر الإمكان وتجاوز الحساسية إزاء "التسليم للعَلَم" لأن "ما هو سابر يا خبير".