• الساعة الآن 07:49 AM
  • 10℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

أنصار الله وخصخصة الكهرباء.. هكذا أظلمت اليمن

news-details

خاص - النقار 

- أنصار الله فتحت للتجار سوق الكهرباء الخاصة ومنحتهم التراخيص لكسب الأرباح قبل أن تنقلب عليهم 

- نقاط سوداء في "خصخصة الكهرباء" تكشفها "النقار" وملفات فساد بالأسماء حول جوانب من عملية ضرب قطاع الكهرباء 

- لماذا فرضت الجماعة "عدادات" جديدة على المنازل وكم دفعت وزارة الكهرباء مقابل السكوت عن فسادها؟ 
 

عقب حرب التحالف على اليمن عملت سلطة أنصار الله على خصخصة أهم القطاعات الحكومية اليمنية المظلمة، وهو قطاع الكهرباء والطاقة، باستغلالها أزمة الكهرباء التاريخية في البلاد، ليكون استثمارها وتكسُّبها من الكهرباء من أبرز مخرجات سيطرة الجماعة حتى يوم العتمة هذا. 

ويمكن التعبير عن ذلك بأن أنصار الله أرادت أن تكون حكومة وتاجرًا في الوقت نفسه بغرض جني الأرباح، فدخلت كمنافس في سوق الطاقة الكهربائية التجارية "الخاصة"، وفتحت الباب لسوق سوداء لا نهاية لها ثم انقلبت على مالكي المولدات بفرض قيود عليهم ومحاربتهم بوصف الجماعة "دولة" و"منافسًا تجاريًا" أيضًا، إلى أن زادت رسوم الكهرباء في أقرب التقديرات بنسبة تلامس 1700% مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب. 

 

كيف حدثت الخصخصة؟

تنشّط "النقّار" ذاكرتك من خلال العودة إلى بدايات عهد أنصار الله، خاصة إلى أواخر العام 2015، حين عملت الجماعة على تقديم الدعم الضخم لتجار في السوق السوداء بصنعاء وتيسير أعمالهم بمولدات كهربائية كبيرة الحجم والتوليد، ومنحهم التراخيص لإيصال الكهرباء إلى الأسواق متجاوزةً مؤسسة الكهرباء الحكومية التي بدت وكأنها مغيَّبة عن مثل هذا المَد الطاقي. 

كان ذلك بمثابة توجُّه إلى خصخصة قطاع الكهرباء استغلالًا لأزمة الكهرباء المستعصية التي يعاني منها اليمنيون، وفي الوقت الذي وصلت فيه مديونيات الوزارة والمؤسسة العامة إلى أرقام مهولة. بذا فتحت الجماعة للتجار باب إنشاء المشاريع الكهربائية الخاصة ومد الكهرباء دون رقابة أو محاسبة، وبلغت تعرفة الكيلو وات الواحد في تلك الأثناء ما بين 150 و300 ريال، بعد أن كانت التعرفة الرسمية في حدود 15 إلى 17 ريالًا فقط للكيلو وات لحظة سيطرتهم على السلطة. 

وثمة اعتقاد بأن أنصار الله وفرت للتجار، بمن فيهم المحسوبون على الجماعة، منافذ للحصول على مادة "الديزل" لتشغيل المولدات، إلا أن ذلك لا يتسنى التأكد منه بدقة، لكن وبعد سلسلة تلاعبات في مخصصات الديزل فرضت الجماعة في نهاية المطاف صرف احتياج المحطات الخاصة المسجّلة من الديزل بناءً على القدرات الفعلية لوزارة الكهرباء بصنعاء اعتبارًا من أواخر الربع الثالث لعام 2022. 

ولعل الجماعة استغلت افتقار قطاع الكهرباء في اليمن منذ عقود زمنية طويلة إلى خطط استراتيجية حكومية فعالة من شأنها إنشاء مشاريع طاقة تغطي احتياجات اليمن من الكهرباء، إضافة إلى ملفات الفساد التي تغمر هذا القطاع منذ سنوات، إلا أنه حتى في زمن النظام السياسي السابق المتهم بالفساد، تحت قيادة علي عبدالله صالح، كان سعر الكيلو وات الخاص في حدود 6 إلى 7 ريالات على الأكثر. 

خرج القطاع الإيرادي عن سيطرة المؤسسة العامة للكهرباء التي تحولت إلى ثكنة طاقة تجارية، ولم تعد مسؤولية إمداد المواطنين بالكهرباء على عاتق الحكومة ومحطات التوليد الكهربائي الحكومية التي توقف عملها في البداية، وقامت الجماعة بتأجير الشبكة العامة "الحكومية" للتجار مقابل الحصول على الأرباح. لاحقًا أُعيد تشغيل المحطات الحكومية، مثل محطتي حزيز وذهبان، لكن مع فرض رسوم لا تختلف عن رسوم المحطات التجارية، ولا يتعدى الفارق في السعر بينهما بضعة ريالات، وكل ذلك مؤدّاه جني الأرباح. 

الأرقام التي تتبعتها "النقار" تفيد بأن أسعار التيار التجاري في العام الماضي بلغت ثم تجاوزت 800 ريال للكيلو الواحد، وهو ما سلط على الجماعة سخط المواطنين والناشطين الموالين لأنصار الله أنفسهم، ثم مع نهاية تلك السنة اضطرت الجماعة لخفض التسعيرة إلى 310 ريالات للكيلو التجاري، و300 ريال للكهرباء الحكومي. 

بمرور الأشهر أعلنت "الكهرباء" منتصف 2023، على لسان وزيرها الجديد محمد البخيتي، خفض تسعيرة الكيلو التجاري إلى 248 ريالًا، مقابل 234 ريالًا للكيلو الحكومي. لكنها عاودت الارتفاع وصولًا إلى مستوى 258 ريالًا للكيلو التجاري يرافقه ارتفاع في الحكومي، لكن ما كان مثيرًا لسخرية نشطاء يمنيين على وسائل التواصل، هو الإعلان الأخير في 18 نوفمبر 2023 عن تحديد تسعيرة الكهرباء التجارية بـ257 ريالًا للكيلو، أي بانخفاض قدره ريال يمني واحد فقط. 

وتفرض المحطات التجارية، والتي يستثمر فيها بطبيعة الحال تابعون لسلطة أنصار الله، رسومًا إضافية تحت مسميات اشتراك شهري ورسوم خدمات وغيرها، ورغم أن السلطة أعلنت في العام 2021 عن إلغاء الاشتراك الشهري، لم تتخل محطات كثيرة عن هذه الرسوم التي تدر أرباحًا حتى اليوم والتي تستفيد منها الجماعة، مما يزيد قيمة الفواتير على المستهلكين الذين تصلهم الفواتير أسبوعيًا أو كل عشرة أيام أو شهريًا. 

ثم ما كان من أنصار الله إلا استهداف أصحاب المحطات الخاصة وتلك كانت الحجة: عدم الالتزام بالتسعيرة المحددة وإضافة مبالغ أخرى كالاشتراك الشهري. 

أصحاب المحطات يحتجون على انقلاب أنصار الله على كثير منهم وملاحقة السلطة للعشرات وإحالتهم إلى النيابة العامة، بعد أن أتاحت لهم الجماعة نفسها المجال الواسع للعمل التجاري دون قيود، ثم قدمت نفسها مؤخرًا كمنظّم لعملية توليد وتوزيع وبيع الطاقة، إلا أن ذلك أوحى باستهداف الجماعة السيطرة الكاملة على ما بقي من هذا القطاع التجاري، وكذا الحصول من تُجّاره على مبالغ بعشرات آلاف الدولارات. 

فأنصار الله باستهدافهم مالكي المولدات التجارية التي بات يعتمد معظم السكان عليها، أرادوا تدفيع مالكيها غرامات متراوحة بين 10 آلاف و45 ألف دولار، بالاتفاق مع النيابة العامة التي يرأسها القاضي محمد الديلمي، ومع استمرار ملاحقتهم ردّ مالكو المولدات بأن أنصار الله تفرض عليهم جبايات باهظة تسبب لهم خسائر كبيرة وتجبرهم على بيع الطاقة بأقل من سعر التكلفة، إلى جانب أنهم يولدون الطاقة بالديزل فيما تولد الحكومية بالمازوت الأرخص، ورغم ذلك اعتبروا أن فواتيرهم أرخص من فواتير الكهرباء الحكومية. 

ورغم أن التسعيرة المعلنة حاليًا هي 257 ريالًا للكيلو التجاري، إلا أن شرائح واسعة من المواطنين ما زالوا يدفعون حتى الآن ما بين 300 و350 ريالًا مقابل الكيلو، في الوقت الذي تقول فيه الوزارة إنها تتابع الالتزام بالتسعيرة. 

محرر "النقار" أجرى اتصالًا بإدارة إحدى المحطات التجارية بمديرية شعوب بصنعاء، متسائلًا عن سبب فرض هذا السعر المخالف، فكان رد مسؤول المحطة بأن النفقات التشغيلية كثيرة ولا يكاد الدخل يغطي الاحتياجات اللازمة، وأضاف: "إذا لم يعجبكم التعامل معنا بإمكانكم إلغاء الاشتراك وتركيب الحكومي". 

 

"النفوذ والفساد" جزء من مشروع "الخصخصة" 

ضمن مشروع الخصخصة، تشير "النقار" إلى أن وزارة الكهرباء بصنعاء من أكثر الوزارات التي شهدت إقالة الوزراء وتعيين بدلاء آخرين، نظرًا لحجم ممارسات الفساد الضخم في أروقة الوزارة ومنشآتها. ففي منتصف 2022 عُيّن الوزير الحالي "محمد البخيتي" بديلًا لـ"أحمد العليي" المتهم بالفساد والانتفاع بجبايات غير مشروعة وكذا الاعتداء على مواطن بصنعاء بحجة مخالفة أنظمة المولدات الخاصة، لكن رغم ذلك عُيّن العليي وزير دولة. 

وقبله كان "عاتق عبّار" وزيرًا للكهرباء وتمت إقالته في يونيو 2021، وكان خلفًا للوزير "لطف الجرموزي" الذي أقيل في أواخر 2019. وجميع هؤلاء تولوا منصب "الوزير" تحت جناح وسيطرة "نائب الوزير عبدالغني المداني"، والذي يؤكد مصدر مسؤول في الوزارة لـ"النقار" أنه كان المتصرف الفعلي في الكهرباء، وأنه استحوذ على كافة أمور الوزارة مع صلته القوية بمدير مكتب الرئاسة "أحمد حامد"، وكان سبب إقالة "عبّار" هو وجود خلافات بينه وبين نائبه "المداني" نتيجة تهميش عبّار وجعله مجرد وزير صوري. 

ويؤكد المصدر: "الوزير عبّار كان (مركوز) صوريًا والسلطة الكاملة بيد المداني الذي كان له أذرع كُثُر، مثل وكيل الوزارة السابق هاشم زبارة، لكن زبارة ترك منصبه مبكرًا مع تزايد الضغوط المتراكمة، واستمرت سلطة المداني تزداد حتى أنه كان من يتصدّر اللقاءات مع المشاط وباقي القيادات ممثلًا عن الوزارة، إلى أن أقيل عبّار، ثم جاء وزير صوري بعده هو أحمد العليي وحدثت بينهما خلافات أيضًا لأن المداني عارض إلغاء رسوم الاشتراك الشهري في الكهرباء الخاصة قبل عامين". 

مع إقالة العليي وتعيين البخيتي، صدر قرار حوثي رسمي منتصف يونيو 2022، بتعيين "عبدالغني المداني" في منصب رئيس المؤسسة العامة للصناعات الكهربائية والطاقة المتجددة، وهو ما فتح بابًا جديدًا للمداني لبسط نفوذه في قطاع الطاقة، خاصة بمجال الطاقة الشمسية التي تشهد انتعاشًا غير مسبوق في هذه المناطق، ويبدو أن هذا التعيين سيجعل "البنك الدولي" يراجع حساباته بعد أن قال في تقريرٍ العام الماضي إن "قطاع الطاقة الشمسية في اليمن برز كقصة نجاح نادرة"، حيث بات المداني من أبطال هذه القصة التي أصبحت مهددة بفشل نادر. 

ويُتَّهم المداني بالمساهمة في خلق أزمة كهرباء محافظة الحديدة باستحواذه على صندوق دعم كهرباء الحديدة المقدّرة مخصصاته بالمليارات، وترك أبناء المحافظة يتجرعون حرارة الصيف دون وضع حلول رسمية للأزمة. وعندما أعلنت الجماعة هذا العام عن تدشين محطة طاقة شمسية في الحديدة بقدرة 20 ميجا وات والبدء بمرحلة ثانية بقدرة 20 ميجا وات إضافية، علّق مواطنون في المدينة الساحلية بأنهم شبعوا كذبًا من المشاريع الوهمية، وأن البطاريات الباهظة للطاقة الشمسية تتلف سريعًا ناهيك عن ارتفاع الأسعار وعدم توفير الطاقة بأسعار رمزية. 

"عدادات الكهرباء" في صنعاء والمحافظات هي أيضًا محاطة بالفساد، حيث قامت الجماعة عبر وزارة الكهرباء بفرض عدادات جديدة على المواطنين ذات قوة أمبير واحد، وتركيبها في منازلهم بدلًا من عداداتهم القديمة ذات 5 أمبير. يؤكد مواطنون أن العدادات الجديدة -في حال كانت الكهرباء قوية- تؤدي إلى إحراق الشبكة "المنظومة" الكهربائية في المنازل بما فيها من أجهزة إلكترونية "ثلاجات، شاشات..الخ"، ويُفسَّر الأمر إلى رغبة السلطة في تشغيل عدادات ذات دورات صغيرة للكيلو الواحد مقارنةً بالعدادات الجيدة ذات الدورات الأكبر، ما يعني التكسب الحكومي بأموال أكثر مقابل طاقة أقل. 

من جانب آخر، يقول المصدر المسؤول في وزارة الكهرباء إن الوزارة ضيعت مشاريع طاقة كان بإمكانها حل جزء غير بسيط من الأزمات، ومنها ما هو متصل بالطاقة الشمسية وتوسعتها، ويشير إلى أن الوزارة أيضًا ماطلت في البت بعرض مقدم من شركة هي "نمارق للاستثمار" لتوفير طاقة كهربائية عبر محطة عائمة نوعية بأسعار مناسبة وبقدرة تبدأ بـ50 ميجا وات حتى 2000 ميجا وات. 

وتم تقديم هذا العرض مرات عدة، لكن الوزارة تذرعت بعدم تقديم عرض فني ومالي محدد، رغم أن الشركة الاستثمارية عرضت أن يكون البيع مباشرًا للوزارة وأن تقوم الأخيرة بنفسها بتحديد الأسعار. 

وفي هذا المناخ، وتزامنًا مع استيلاء الجماعة على موارد الكهرباء مقابل قطع المرتبات قبل أكثر من عام عن أكثر من 1000 موظف في القطاع "الإيرادي"، سبق وتحدّث الناشط الموالي للجماعة، أبو زنجبيل الحوثي، عن صفقة فساد تمت بهدف التكتم عن الفساد. 

قال الحوثي إن عقدًا تم توقيعه بين وزارة الكهرباء وقناة "الهوية" المملوكة للإعلامي محمد علي العماد، بموجبه تدفع الوزارة للعماد 8 ملايين ريال سنويًا دون أي مقابل سوى سكوت القناة عن فساد قيادات الوزارة. 

لكن من الواضح أن فساد الكهرباء عصيّ عن "السكوت" حتى من طرف الوزارة نفسها؛ فالوزارة سبق ورفضت أن "تُستغفل" من قبل مؤسسة الكهرباء، إذ تكررت مخالفات المؤسسة للقوانين تحت إدارة "هاشم الشامي" (ويشغل أيضًا منصب رئيس الهيئة العامة للأراضي)، وقامت المؤسسة بإصدار تكاليف لشغل عدة وظائف لمديري عموم ومدراء إدارات في المؤسسة، دون التشاور مع وزير الكهرباء البخيتي، ما دفع البخيتي إلى توجيه تنبيه للشامي وتحميله مسؤولية المخالفات. 

وثيقة ١.png
وثيقة ١.png

في هذه الأثناء ثمة معلومات تفيد بتغيير أو "اقتلاع" هاشم الشامي من منصبه، لكن البعض ذهب إلى غير ذلك. يعلّق الناشط "محمد عبدالكريم الخيواني" بقوله: "الحقيقة لم يقتلعوه، وإنما الرجل بنفسه أعلمهم عدة مرات بتعيين أحد غيره كونه لم يعد يريد العمل وتدهورت حالته الصحية، ومن تقول إنهم اقتلعوه رفضوا استقالته عدة مرات حتى حطهم بالأخير بالأمر الواقع". 

منشور الجرموزي.png
منشور الجرموزي.png

 

قيادات أخرى تنعم بالملايين دون غيرها، مثل المشرف الحوثي على المنطقة الثانية لكهرباء الأمانة، يحيى السراجي. فقد اشترى السراجي مؤخرًا سيارة هايلوكس بقيمة 17 مليون ريال بالأمر المباشر وبالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات، وقُيّدت تحت حساب مخزون مواد أخرى بدلًا من قيدها تحت حساب الأصول، وفقًا لمعلومات منسوبة إلى جهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. 

في الوقت نفسه خرج الجهاز بقرار إنهاء خدمة 29 موظفًا عن العمل بالجهاز، بتهمة التغيب لأكثر من 20 يومًا متعاقبة دون عذر مقبول، وهو ما اعتبره ناشطون مبررًا واهيًا، وأن السبب الأصلي لإقالة الموظفين هو إخراج معلومات حول الفساد ونهب المال العام في كثير من المؤسسات والقطاعات الإيرادية بما فيها الكهرباء. 

وثيقة ٢.png
وثيقة ٢.png

وحيث لا تنتهي "حواديت" الكهرباء، ننهي هنا تطرُّقنا لجوانب من الملف بتساؤلات مشروعة في واقعنا الأشد ظلمة: أين الحق العام للمواطنين اليمنيين من الخصخصة وممارسات اللصلصة (اللصوصية)؟ وإلى متى تتعامل أنصار الله مع الأموال العامة للشعب كثروات خاصة بخزائنها؟ وأي من ملفات أزمة الطاقة عملت الجماعة على حل عقدته؟ لا أحد يدري غير أن عبث الطاقة تجاوز "طاقة المواطن" على التحمل. 

شارك الخبر: