من النادر أن تخلو أطباق في مطابخ العالم من البطاطس، الجذور التي وصلت إلى العالم القديم في القرن الثامن عشر وأصبحت ملازمة إلى درجة يصعب التخيل أنها لم تكن موجودة في القديم.
كان اكتشاف البطاطا في أمريكا الجنوبية وتحديدا في منطقة بحيرة "تيتيكاكا" الواقعة بين ما بات يعرف ببيرو وبوليفيا، والتي يبلغ ارتفاعها فوق مستوى سطح الأرض 3812 مترا، ونقله إلى أوروبا خطوة هامة أسهمت في التقليل من اخطار سلسلة من المجاعات الشديدة في القارتين الأوروبية والآسيوية.
زراعة البطاطا في أمريكا الجنوبية كانت بدأت قبل أكثر من 9000 عام، ويمكن حتى الآن العثور بموطنها الأصلي على حوالي 200 نوع لأسلاف برية للبطاطس الحديثة.
نلك الأنواع القديمة غير صالحة للأكل وتتميز بمرارتها في الغالب، وبعضها ضار بالصحة لاحتوائه على الكثير من مادة الجليكولويد السام الذي يسمى "السولانين"، وهذا يعني أن السكان القدماء بذلوا جهودا طويلة قبل أن يصل نوع "البطاطس" المناسب وغير الضار إلى مائدة البشر.
السكان الأصليون في مناطق "البطاطا" في أمريكا الجنوبية كانوا لا يعتبرون هذه الجذور اللذيذة مجرد طعام فقط، بل يرون في النبات إلها يعبد بل وتقدم له القرابين أحيانا، وتبنى له المعابد، وقد ظهر تجلي لهذه الطقوس القديمة في العيد الوطني للبطاطا في بيرو والذي ينتظم في 30 مايو من كل عام.
لم تستقبل البطاطا بحماسة في البداية في العالم القديم في القرن الثامن عشر. على سبيل المثال رأى فيلسوف التنوير دينيس ديدرو "1713 – 1784" أن "الجذر بغض النظر عن طريقة تحضيره، لا طعم له وهو نشوي، ولا يعتبر ممتعا، لكنه يوفر طعاما وفيرا وصحيا بشكل معقول للرجال الذين لا يريدون شيئا سوى سد حاجتهم".
لم يصب هذا الفيلسوف تماما فيما ذهب إليه، وحققت البطاطا شهرة منقطعة النظير في العالم وتداخلت مع أشهى المأكولات في جميع أرحاء العالم!
روايتان عن "أبو البطاطا":
الإنجليز تنافسوا مع الإسبان في نسبة الفضل في اكتشاف "البطاطا"، وفي شرف أول من تعرف إليها وقدّر أهميتها الغذائية.
بالمقابل يصر الإسبان وكانوا في ذلك الوقت رواد العالم الجديد، على أنهم أصحاب الفضل في اكتشاف البطاطا، مشيرين إلى أن أول ذكر لها يعود إلى المستكشف والمؤرخ خوان دي كاستيلانوس في عام 1535. هذا الرجل الذي عاش في أمريكا الجنوبية لأكثر من 35 عاما ، لم ير البطاطا فحسب، بل وأكلها أيضا.
وبعد كاستيلانوس، وصفت في عام 1539 الخصائص الغذائية للبطاطا في أطروحة لـ غونزالو خيمينيز دي كيسادا، حاكم غرناطة الجديدة، وهو الإقليم الذي كان يضم كولومبيا الحديثة وفنزويلا وبنما والإكوادور، ولاحقا في عام 1553 تحدث عن البطاطس المؤرخ والجغرافي الإسباني بيدرو سيزا دي ليون، وقد يكون أوصى بها مواطنيه أو نقلها إلى أوروبا للتجربة.
الإنجليز استعدوا للمنافسة على البطاطا بشكل جيد مع غريمتهم القديمة إسبانيا، وأطلقوا بداية في هذا السياق على قرصانهم الشهير فرانسيس دريك لقب "رائد البطاطا"، حتى أن نصبا تذكاريا أقيم في ألمانيا في عام 1853 كتب عليه: "إلى السير فرانسيس دريك، الذي نشر البطاطا في أوروبا. الملايين من المزارعين في جميع أنحاء العالم يبارك ذمراكم الخالدة. إنها مساعدة للفقراء، هدية ثمينة من الله تخفف من العوز الشديد".
هذه الرواية لم تصمد طويلا، فجددت بأخرى افترضت أن السير والتر رومف جلب البطاطا من فرجينيا نهاية القرن السادس عشر. لكن بعد فترة، تبين مرة أخرى ضعف القصة، وذلك لأن البطاطا لم تكن موجودة في فرجينيا في ذلك الوقت. تم زرع الحقل الأول للبطاطا في أراضي الولايات المتحدة الحديثة بشكل منتظم بعد أكثر من 100 عام من ذلك التاريخ.
وبنهاية المطاف خرجت الرواية البريطانية الثالثة والأخيرة عن "أبو البطاطا"، ونال ذلك الشرف عالم الفلك والرياضيات والأجناس البشرية توماس هيريوت "1560-1621"، وقيل إنه أحضر "جذور" البطاطا إلى بريطانيا في 28 يوليو عام 1586 .
هذه الرواية وجدت من ينسفها ويؤكد أن هيريوت لم يغادر أمريكا الشمالية في الفترة من 1585 إلى 1586، بل ولم تكن "كولومبيا" ذاتها موجودة بهذا الاسم وقتها!
علاوة على أن إسبانيا كانت في حالة حرب مع بريطانيا في ذلك الوقت، ومن المستبعد أن يغامر الفلكي البريطاني بحياته ويتسلل إلى أراضي العدو ليحصل على البطاطا!