كشف تحليل جديد لدراسات وُضعت خلال الـ50 عامًا الماضية عن أن المبيدات الحشرية المستخدمة في منازلنا، وحدائقنا، ومروجنا، وتلك التي نرشها على الأطعمة التي نتناولها، تتسبب بانخفاض كبير في عدد الحيوانات المنوية بين الرجال في العالم.
وقالت ميليسا بيري، كبيرة مؤلفي الدراسة، وعميدة كلية الصحة العامة في جامعة جورج ماسون بفيرفاكس، بولاية فيرجينيا الأمريكية: "على مدى الـ50 عاما، انخفض تركيز الحيوانات المنوية بنحو 50% في جميع أنحاء العالم".
وأضافت بيري أنّه "في حين يرجح أن يكون ثمة أسباب عديدة مساهمة، فإن دراستنا توضح وجود ارتباط قوي بين اثنين من المبيدات الحشرية الشائعة، الفوسفات العضوي وكربامات N-ميثيل، وانخفاض تركيز الحيوانات المنوية".
يُعد مبيد الفوسفات العضوي من أكثر المركبات استخدامًا في العالم، ومن المكونات الرئيسية لغاز الأعصاب، ومبيدات الأعشاب، والمبيدات الحشرية، كما يُستخدم أيضًا في صناعة المواد البلاستيكية والمذيبات.
وأشارت بيري إلى أنّ "المبيدات تُستخدم على نطاق واسع في زراعة المحاصيل التي نأكلها. نحن نستخدمها في المنشآت داخل المنازل والمباني، والأحياء السكنية، وكذلك لصيانة حديقة الزينة. إنها متاحة للمستهلكين، لذا فقد ثبت أن التعرض للفوسفات العضوي منتشر نسبيًا".
وبحسب ما ذكرته المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC)، تتشابه كربامات N-ميثيل من الناحية الهيكلية والتشغيلية مع الفوسفات العضوي، حيث تقتل الحشرات من خلال إتلاف أدمغتها وأجهزتها العصبية. ويتم استخدامها لصنع المبيدات الحشرية التي يتم تطبيقها على "مجموعة متنوعة من المحاصيل الحقلية والفاكهة والخضار للسيطرة على الخنافس، والحفار، والديدان، الخيطية، والسوس، والآفات المماثلة".
ورأى الدكتور ألكسندر باستوزاك، الأستاذ المساعد في الجراحة والمسالك البولية بكلية الطب في جامعة يوتا بمدينة سولت لايك سيتي الأمريكية، غير المشارك في الدراسة، أنه "في حين بدأنا نوعًا ما بإغلاق الشبكة حول العوامل التي يمكن أن تؤثر سلبًا على الخصوبة، بدأت هذه المبيدات الحشرية تلقى إقبالا شديدًا".
وأضاف: "هناك ما يكفي من الأدلة للبدء فعلياً بالقول نعم، هذه الأنواع من المركبات قد تؤثر سلباً على الخصوبة لدى الرجال. في النهاية، أنت لا تعرف الأثر الفعلي على الخصوبة إلا لدى البدء بمحاولة الحمل".
أثر كبير
وراجع التحليل الذي نُشر في مجلة "Environmental Health Perspectives" الأربعاء، 25 دراسة حول العالم تناولت المادتين الكيميائيتين، بينها 20 دراسة في التحليل التلوي. ونظرت تلك الدراسات في 42 مستوى مختلفًا من الأثر بين 1774 رجلاً في 21 مجموعة دراسة مختلفة.
ووجدت الدراسة أن الرجال الذين كانوا أكثر عرضة للمبيدات الحشرية، مثل الذين يعملون في الزراعة، كان تركيز الحيوانات المنوية لديهم أقل بكثير من الرجال الذين لديهم أقل تعرض للفوسفات العضوي وكربامات N-ميثيل.
ورغم ذلك، قالت بيري إن تركيز الحيوانات المنوية "يُعد مقياسًا مهمًا لجودة الحيوانات المنوية لمقارنة الرجال عبر الدراسات لأنه يتكيّف مع التباين في حجم السائل المنوي".
وسلطت الدراسات الضوء على أثر هذه المبيدات الحشرية على الحيوانات المنوية. وأشارت إلى أنّه يبدو أنها تتداخل بشكل مباشر مع الهرمونات الجنسية، وتدمر الخلايا في الخصيتين، وتغير الناقلات العصبية في الدماغ التي تؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية.
وأوضحت بيري أنّ "الحيوانات المنوية تُعتبر نقطة نهاية حساسة جدًا عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة للرجال". ورأت أن أفضل نصيحة تقدمها "بأن يكون الفرد على دراية بالمبيدات الحشرية في بيئته، وأن يدرك أن تجنب التعرض غير الضروري للمبيدات الحشرية أمر جيد، خصوصًا إذا كنت تخطط لتكوين أسرة وترغب بإنجاب الأطفال".
"قضية تتعلق بالصحة العامة"
لا يزال التعرض للمبيدات الحشرية في الغذاء يشكّل مشكلة مهمة، فقد أعطت إحدى المجموعات في الآونة الأخيرة شركات تصنيع الأغذية الكبرى علامة F جماعية لفشلها بخفض مستويات المبيدات الحشرية في الأطعمة التي تبيعها كما وعدت.
وأشارت بيري إلى أن "هذه مشكلة حقيقية تتعلق بالصحة العامة. يمكننا أن نتبع مقاربة فردية، إنما استنادًا إلى عدد السكان يتعرض الناس للمبيدات الحشرية وعوامل أخرى".
وأضافت: "هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات للحد من التعرض للمبيدات الحشرية، بحيث إذا أراد الرجال إنجاب أطفال، فستكون لديهم القدرة للقيام بذلك من دون قلق بشأن الانخفاض العام في تركيز الحيوانات المنوية".