يشكل تصاعد التطورات الجيوسياسية حول العالم مزيداً من المخاوف الاقتصادية، في وقت تفرض فيه ضغوط تضخمية واسعة نفسها على مختلف دول العالم، بينما يخطو عدد من الاقتصادات بخطوات ثابتة من أجل السيطرة على التضخم والوصول إلى المعدلات المستهدفة، وفي ضوء سياسات التشديد النقدي التي اتبعتها البنوك المركزية بداية من العام الماضي.
تصاعد الأزمات الجيوسياسية في نقاط ساخنة حول العالم من شأنه أن يشكل تهديداً يعطل - بشكل مباشر أو غير مباشر - مسيرة التقدم إزاء السيطرة على التضخم العالمي، في ضوء حالة «عدم اليقين» التي تسيطر على الأسواق كافة في ظل تطورات العمليات في بؤر الأحداث المشتعلة، وآخرها التصعيد في غزة وتداعياته الاقتصادية المحتملة على المنطقة والعالم.
أعباء إضافية
وبينما بدأ العالم يلتقط أنفاسه بعد صدمات جائحة كورونا، وبينما تم التعايش إلى حد كبير مع الحرب في أوكرانيا واعتبارها «أمراً واقعاً» فإن تصاعد التطورات أخيراً «يضع مزيداً من الأعباء الإضافية على الاقتصاد العالمي»، وهو ما حذر منه وزراء ومسؤولون في ختام الاجتماعات الأخيرة لمجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين في المغرب، لجهة المخاطر التي يحملها اتساع نطاق التوترات في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، قد حذرت من ما وصفته بـ «سحابة (غيمة) جديدة تخيّم على الآفاق القاتمة للاقتصاد العالمي» على المدى المتوسط.
بينما يميل كثير من المراقبين إلى اعتبار تبعات التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم على الاقتصاد العالمي ذات تأثيرات «مؤقتة» إلا إذا شكلت تلك التطورات تغيرات مفصلية في الأوضاع القائمة وأثرت بشكل أعمق على حركة التجارة العالمية.
وبحسب رئيس مركز كوروم للدراسات في لندن، الدكتور طارق الرفاعي، فإنه «عندما نتحدث عن أسعار النفط على سبيل المثال، فإننا نرى أن التغيرات في الأسعار بسبب المشكلات الجيوسياسية ليست دائمة، فتلك المشكلات عادة ما يكون لها تأثير مؤقت على أسواق النفط. كذلك الحال تبعاً لذلك بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي يشهد تأثيرات مؤقتة لن تغير بدورها في الاتجاهات العامة».
حرب أوكرانيا
ويوضح في تصريحات خاصة لـ«البيان» أن تفاقم التأثيرات وخروجها من نطاق كونها تأثيرات محدودة إلى تأثيرات تتغير معها الاتجاهات مرهون بشكل أساسي بالتصعيد الأوسع مثلما يحدث فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وتداعياتها فيما يخص تغير الاقتصاد الأوروبي، وبالأخص الألماني (أكبر اقتصاد في القارة العجوز)، بسبب الحظر المفروض على روسيا.
ويتابع: «عندما نتحدث عن الأزمة الآن في غزة، فإن تداعياتها الاقتصادية قد تكون كبيرة إذا حدث فرض حظر ما على بعض الدول في المنطقة، أو تطور التصعيد؛ بالتالي سنرى حينها تأثيرات على عدد من الاقتصادات لكن بغير ذلك لا أرى أن الأزمة على وضعها الحالي يمكن أن تكون لها تأثيرات، سوى التأثيرات المحدودة غير الدائمة على الاقتصاد العالمي».
وذكر تقرير نشرته شبكة «بلومبرغ» أن الاقتصاد العالمي الذي يعاني من ديون غير مسبوقة يواجه الآن مخاطر جديدة ناجمة عن الحرب في غزة
من الولايات المتحدة، يقول خبير المخاطر المالية، محيي الدين قصار، في تصريحات خاصة لـ«البيان»: إن الوضع الجيوسياسي الأمريكي والعالمي يعد مصدراً للقلق؛ ومع ذلك فإنه «لن يؤثر بشكل خطير على السوق المالية».