شهدت إسرائيل فجر أمس السبت، هجوماً مفاجئاً، برّاً وبحراً وجواً، شنّته حركة حماس تمكنت خلاله قوات تابعة لكتائب عز الدين القسام من اجتياز السياج الحدودي لقطاع غزة، واقتحام مستوطنات غلاف غزة، وسط صدمة إسرائيلية على المستويات كافة. إسرائيل ردت على عملية "طوفان الأقصى" بعملية أطلقت عليها "السيوف الحديدية"، وشنّت غارات مكثفةً على قطاع غزة لا تزال مستمرةً، مخلّفةً مئات القتلى والجرحى من المدنيين.
التطور الكبير الذي فرضته كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، فاجأ الجميع، بتوقيته وحجمه ونتائجه، ففضلاً عن اقتحام مستوطنات وإطلاق آلاف الصواريخ من القطاع، تمكّن مقاتلو القسام من أسر عشرات الإسرائيليين غالبيتهم من الجنود والمستوطنين كما ذكر إعلام الحركة.
وفي ظل كل هذه التطورات الحاصلة، أصبح السؤال المهم الآن: هل تخرج المعركة من قطاع غزة وتمتد إلى الضفة الغربية؟ وهل يدخل حزب الله في المعركة من الجبهة الشمالية، ويتحقق كابوس إسرائيل من "الحرب متعددة الجبهات"؟
دعوة حماس وضبابية رام الله
بعد ساعات قليلة من الهجوم، بدا موقف الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، وعلى رأسها حركة فتح، واضحاً أكثر مما كان يبدو عليه في محطات سابقة، حيث ترأس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، اجتماعاً قيادياً طارئاً ضمّ عدداً من المسؤولين المدنيين والأمنيين.
وقال عباس بضرورة توفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني، مؤكداً "الحق في الدفاع عن النفس في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال، موجهاً بتوفير كل ما يلزم من أجل تعزيز صمود وثبات أبناء الشعب الفلسطيني في وجه الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين"، وهو ما يعني أنه ضمنياً بارك العملية، ولكنه لم يعلن بشكل واضح مشاركته فيها أو دعمه لها. وفي مدن عدة في الضفة الغربية، احتفل الفلسطينيون في الشوارع.
وأعلنت وزيرة الصحة الفلسطينية في رام الله، حالة الطوارئ في مستشفيات الضفة الغربية كافة، وجاهزيتها لاستقبال جرحى قطاع غزة، "نتيجة العدوان الذي يشنّه الاحتلال"، بينما قال نائب رئيس حركة حماس، صالح العاروري، إن عملية طوفان الأقصى جاءت للرد على "جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة"، ونقلت وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا) عنه قوله، إن "الضفة الغربية هي كلمة الفصل في هذه المعركة، وتستطيع أن تفتح اشتباكاً مع كل مستوطنات الضفة، ونهيب بأبناء شعبنا أن يشاركوا في معركة طوفان الأقصى"، في دعوة مباشرة من حماس إلى السلطة الفلسطينية للمشاركة في المعركة.
لا توجد مصلحة لرام الله للمشاركة في المعركة، والسلطة الفلسطينية لا تريد أن تتحول أراضي الضفة الغربية إلى مسرح عمليات ضد إسرائيل، إذ إن تطوراً كهذا من شأنه أن يشعل الضفة، ويهدد بقاء السلطة
وأضاف: "علينا أن نخوض جميعاً هذه المعركة، وأخصّ المقاومين في الضفة الغربية". وذهب العاروري إلى أبعد من ذلك قائلاً: "أطالب أمتنا العربية والإسلامية بأن تشارك في معركة طوفان الأقصى، فلنشعل الأرض لهيباً في الضفة وندعو الأمة للانخراط في المعركة".
وقال أبو عبيدة، المتحدث الرسمي لكتائب القسام، لقناة "الأقصى"، التي تبث من غزة مخاطباً الفلسطينيين: "نطمئنكم بأن العمليات تجري على الأرض كما هو مخطط لها في كل المحاور، ومن سبّ نبيّنا محمد واعتدى على المسجد الأقصى سيصله الجواب تباعاً". فيما قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، مساء السبت، إن "طوفان الأقصى بدأ من غزة وسيمتد إلى الضفة والقدس".
هل تتدخل الضفة؟
حتى هذه اللحظة، وحسب ما يبدو من التصريحات الرسمية للمسؤولين في رام الله، فإن السلطة الفلسطينية تبارك العملية، ولكن من بعيد، أي دون أن تشارك في المعركة. فكما يبدو لا توجد مصلحة لرام الله للمشاركة في المعركة، والسلطة الفلسطينية لا تريد أن تتحول أراضي الضفة الغربية إلى مسرح عمليات ضد إسرائيل، إذ إن تطوراً كهذا من شأنه أن يشعل الضفة، ويهدد بقاء السلطة.
في الخلفية، يوجد توتر ملحوظ خلال الشهور الأخيرة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، على خلفية تواجد كتائب وقوات تابعة لحركة حماس داخل الضفة، وقيامها بعمليات ضد إسرائيل من داخل الضفة، وكان التفسير في حينه أن حركة حماس تريد أن تبعد المعركة عن أرضها، وأن تشعل الضفة وتجعل الإسرائيليين منشغلين، فيما تواصل الحركة إعمار القطاع واستكمال بنيتها التحتية وتجهيزاتها.
المشهد الحالي يشير إلى أن السلطة الفلسطينية لن تتدخل في المعركة، لكن هذا لا يعني أن المعركة لن تصل إلى الضفة. فخلال الشهور الماضية نشطت حماس داخل الضفة، ونقلت قواتٍ وكتائب وبإمكانها أن تقوم بعمليات جديدة من داخل الضفة الغربية.
الجبهة الشمالية
بالنسبة لإسرائيل، فإن الكابوس الأكبر هو نشوب حرب متعددة الجبهات، لهذا فإن تل أبيب تختبر منذ فترة الوضع في الجبهة الشمالية، وما إذا كان حزب الله سيتدخل في الحرب أم سينأى بنفسه عنها.
وبعد مرور نحو 25 ساعةً على بدء الحرب، أطلقت المقاومة الإسلامية (حزب الله)، صباح اليوم (الأحد)، صواريخ من جنوب لبنان باتجاه جبل دوف بالقرب من الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وأفادت تقارير صباح اليوم الأحد، بسماع دوي انفجارات شمال إسرائيل وتحديداً في منطقتي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا شمال إسرائيل (جبل دوف)، وقامت قوات المدفعية التابعة للجيش الإسرائيلي بقصف المنطقة التي تم إطلاق النار منها، وفقاً للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي.
وقال الناطق بلسان الجيش محذّراً: "نحن ندرس الأحداث الجارية في الشمال. أنصح حزب الله بعدم المشاركة"، بحسب تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت، وقال حزب الله في بيان، إن "المقاومة الإسلامية (حزب الله)، هاجمت ثلاثة مواقع للعدو الصهيوني في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بأعداد كبيرة من القذائف المدفعية والصواريخ الموجهة"، تضامناً مع الهجوم الجوّي والبحري والبرّي واسع النطاق الذي شنته حركة حماس الفلسطينية يوم السبت على إسرائيل.
حرب متعددة الجبهات
خلال الأسابيع الأخيرة كان الحديث عن حرب متعددة الجبهات، ذا أولوية في إسرائيل، لكن التقديرات كانت تشير إلى أن حماس وحزب الله ليست لديهما نية لهذا السيناريو حالياً، بينما نشر مركز "ميمري" لأبحاث الشرق الأوسط تقديرا إستراتيجياً، يفيد بأن إسرائيل ستشهد حرباً كبيرةً في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذكر التقرير أن هناك تزايداً في التهديدات بحرب إقليمية شاملة.
التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه إذا لم يتم ضرب حماس بقوة خلال الأيام المقبلة، فسوف يحاول حزب الله والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق وغيرهم من وكلاء إيران
الاستنتاج حالياً هو أن حزب الله ومن خلفه إيران -حتى هذه اللحظة- أرادا أن يجعلا المعركة بعيدةً عن لبنان، فحزب الله لديه ما يخسره، خاصةً في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، وإشعال الجبهة الشمالية من البداية سيتسبب في حرب واسعة تدمّر فيها إسرائيل لبنان، وفي موقف كهذا سيتحمل الحزب المسؤولية أمام الشعب اللبناني.
من ناحية أخرى، فإن إسرائيل كانت تكثّف استعداداتها في الجبهة الشمالية، بينما كانت تعتقد أن الجبهة الجنوبية في غزة هي الأهدأ، فكما يبدو، وقع الاختيار على الجبهة التي لم تستعد فيها جيداً بغرض المفاجأة، حيث أفادت التقديرات الأمنية الإسرائيلية قبل أيام من الهجوم، بأن حركة حماس لا نية لديها للتصعيد، وكان افتراض الجيش الإسرائيلي، في السنوات الأخيرة، هو أن حماس تمّ ردعها عن تنفيذ هجمات كبيرة في إسرائيل، خوفاً من قوة الرد الإسرائيلي، ومن الواضح جداً أن هذا الافتراض لا أساس له من الصحة، بحسب التقرير المنشور في موقع "تايمز أوف إسرائيل"، في نسخته باللغة الإنكليزية.
حتى هذه اللحظة يظهر حزب الله كمن يريد أن يقدّم الدعم لحماس، لكن دون الانخراط في حرب مفتوحة مع إسرائيل. ولكن "التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه إذا لم يتم ضرب حماس بقوة خلال الأيام المقبلة، وإذا لم تستعد إسرائيل ردعها الإستراتيجي، وأصبحت حماس والجهاد الإسلامي صاحبتي اليد العليا عسكرياً في المعركة فسوف يحاول حزب الله والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق وغيرهم من وكلاء إيران، عاجلاً أم آجلاً، تقليدهم، أو حتى الانضمام إلى الهجوم، بشكل منسّق أو بفوارق زمنية ليست كبيرةً"، بحسب التقدير الإستراتيجي للمحلل العسكري روي بن يشاي، المنشور في صحيفة يديعوت أحرونوت.
تطلق الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي على هذا السيناريو اسم "حرب متعددة الساحات"، والتي بموجبها سيتعين على الجيش الإسرائيلي القتال في خمس ساحات في الوقت نفسه، والتقدير حالياً هو أنه نتيجةً لفقدان الردع بسبب هجوم حماس المفاجئ، فإن هذا التهديد سوف يتحقق عاجلاً أم آجلاً على أي حال.
المصدر: رصيف22