• الساعة الآن 02:26 PM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الجيش السوداني يوسع هجومه الجوي على كردفان

news-details

سيطرت حرب المسيرات على المشهد العملياتي المتصاعد بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في إقليم كردفان بصورة لافتة منذ أسابيع عدة، خصوصاً من جانب الجيش الذي يسعى إلى تشتيت وتفكيك تجمعات "الدعم السريع" وتقليص قدراتها والحد من تقدمها وانتشارها في ولايات كردفان الثلاث، شمال وجنوب وغرب، في ضوء تهديدات الأخيرة بمهاجمة المدن الاستراتيجية الواقعة تحت سيطرة الجيش في هذا الإقليم، وذلك من خلال تكثيف الضربات الجوية المحكمة التي تعتمد على الرصد الجوي الدقيق والتدخل السريع.

وبحسب مصادر عسكرية، فإن مسيرات الجيش شنت أمس الثلاثاء هجوماً كبيراً ومكثفاً على تمركزات ومتحركات "الدعم السريع" في مناطق واسعة في شمال كردفان، من أبرزها محيط منطقة جبرة الشيخ، وعلى امتداد طريق الصادرات الرابط بين أم درمان وبارا بولاية شمال كردفان، فضلاً عن استهداف منطقة أم صميمة، مما أسفر عن تعطيل منصات إطلاق ومواقع قتالية مهمة في إدارة العمليات، إضافة إلى تفكيك البنية القتالية في محيط المنطقة.

وأشارت المصادر إلى أن القصف الجوي لمسيرات الجيش استهدف مواقع "الدعم السريع" في بلدتي جنقارو ولقاوة بولاية جنوب كردفان، وأدى إلى تدمير عدد من المركبات القتالية ومقتل عناصر عديدة للأخيرة، موضحة أن هذا القصف يأتي في وقت ينوي فيه كل من "الدعم السريع" والحركة الشعبية ـ شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، المتحالفتين ضد الجيش، الهجوم على مدينة الدلنج بعد تحشيدهما عناصر مقاتلة في هاتين البلدتين (جنقارو ولقاوة).

في حين هاجمت مسيرة استراتيجية تابعة لـ"الدعم السريع" المدخل الشرقي لمدينة الرهد بولاية شمال كردفان، إضافة إلى استهداف موقع على الطريق الرابط بين الرهد ومدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، كما استهدفت مسيرة أخرى تابعة للأخيرة منطقة خور طقت الواقعة شرق مدينة الأبيض.

نمط تكتيكي

ويرى مراقبون عسكريون أن ما يجري في مسرح العمليات في كردفان، بالتركيز على سلاح المسيرات، يعد تطوراً لافتاً ومؤشراً واضحاً على انتقال العمليات إلى نمط تكتيكي أكثر تقدماً، إضافة إلى أنه يعكس تحولاً نوعياً في إدارة العمليات، يقوم على تقليل الاحتكاك المباشر، ورفع كفاءة الاستهداف، وإرباك خطوط التحرك، بما ينعكس مباشرة على توازنات الميدان خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً أن العمليات في هذا الإقليم امتدت على نطاق جغرافي واسع يقدر بنحو 200 كيلومتر.

وبين المراقبون أن غالبية الضربات الجوية التي نفذها الجيش كانت مؤثرة للغاية، وجاءت ضمن منظومة عمليات متكاملة تهدف إلى فرض سيطرة نارية على المحاور الحيوية والاستراتيجية في الإقليم، فضلاً عن بثها رسائل ميدانية تتعلق باتساع نطاق المراقبة وقدرة الوصول إلى عمق مناطق التحرك.

وتوقع هؤلاء المراقبون أن تحدث هذه التطورات تحولاً كبيراً في سير المعارك وميزان القوة، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد العملياتي في كردفان، وذلك بالتركيز على الطرق والمحاور التي تعد شرايين رئيسة للحركة.

 

قتل ونزوح

في الأثناء، أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ما لا يقل عن 104 أشخاص، بينهم 43 طفلاً، قتلوا في هجمات بطائرات مسيرة في إقليم كردفان منذ الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

وأبدى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك قلقه الشديد إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين أطراف الصراع في هذا الإقليم المشتعل، خصوصاً من ناحية الغارات الجوية التي استهدفت مستشفيات وروضة أطفال وقاعدة تابعة للأمم المتحدة في وقت سابق.

في حين أوضحت منظمة الهجرة الدولية أن فرقها الميدانية قدرت نزوح مئات الأشخاص من مدينة كادوقلي جراء تردي الأوضاع الأمنية، إذ توزعوا على مواقع متفرقة في محليتي الرهد وشيكان بولاية شمال كردفان.

ويأتي هذا التصعيد العسكري في ظل أوضاع إنسانية بالغة التعقيد، نتيجة استمرار الاشتباكات التي أدت إلى نزوح عدد من المواطنين وتضرر البنية التحتية، وسط نقص حاد في الخدمات الأساسية.

استمرار الانتهاكات

في محور دارفور، أكدت مسؤولة الإعلام في وزارة الصحة بولاية شمال دارفور لنا عوض سبيل مقتل 15 ألف مدني في الأقل وتشريد آلاف، بعد سيطرة قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأشارت سبيل إلى أن عمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب والجوع والمرض داخل معتقلات "الدعم السريع" لا تزال مستمرة، متهمة في الوقت نفسه هذه القوات بارتكاب انتهاكات منظمة شملت استهداف المنشآت الصحية والفرق الطبية، وتدمير نظام الرعاية الصحية في الولاية، وحرمان المواطنين من العلاج، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن القتل المتعمد للمرضى والمصابين الذين لا يستطيعون الحركة.

وبينت أن "الدعم السريع" تحتجز عدداً كبيراً من الكوادر الصحية والإدارية بعد سقوط الفاشر، تجاوز عددهم 250 شخصاً، جرى إطلاق سراح نحو 30 منهم، بمن فيهم المديرة العامة للصحة خديجة موسى، فيما لا يزال البقية رهن الاحتجاز، لافتة إلى أنه بعد سقوط الفاشر، أفادت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وشهادات الناجين بتدهور كبير في أوضاع النساء والأطفال.

وأكدت مسؤولة الإعلام في وزارة الصحة أن موجات النزوح الجماعي شملت أعداداً كبيرة من النساء والأطفال، الذين نزحوا إلى مناطق مختلفة داخل السودان أو عبر الحدود إلى دول مجاورة، إذ واجهت النساء الحوامل صعوبات كبيرة خلال الرحلة، مما أدى إلى الإجهاض في بعض الحالات.

منع التنقل

إلى ذلك، أبدى عدد من المواطنين بولايات دارفور الخمس استياءهم من فرض قوات "الدعم السريع" قيوداً على حركة التنقل، وذلك بمنع الأشخاص من السفر إلى ولايات تقع تحت سيطرة الجيش.

 

وبحسب مواطنين، فقد تم منع مغادرة عدد من المركبات المتجهة إلى ولايات في الشمال والوسط، وإلزام ركابها بالعودة لمناطقهم، من دون توضيحات رسمية مكتوبة في شأن أسباب المنع، لكن جهات مقربة من متخذي هذا القرار بررت هذه الخطوة بمخاوف تتعلق بنقل معلومات من بعض الأسر التي تغادر الإقليم، في وقت شمل القرار مرضى وحالات إنسانية كانوا في طريقهم لتلقي العلاج أو قضاء احتياجات معيشية.

ونشرت الجهات المختصة بتنفيذ هذا القرار نقاط ارتكاز متعددة على الطرق الرئيسة، فرضت عندها رسوم إضافية على المركبات العابرة، مما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف السفر بين دارفور والولايات الأخرى، وأثر بصورة مباشرة في حركة التنقل والتجارة.

ومن المتوقع أن يفاقم هذا القرار من معاناة المدنيين في الإقليم، فضلاً عن الحد من حقهم في حرية التنقل، في ظل أوضاع إنسانية وأمنية معقدة تشهدها مناطق واسعة من دارفور منذ اندلاع النزاع.

تفاقم الأزمة الإنسانية

دولياً، صنفت لجنة الإنقاذ الدولية السودان، للعام الثالث على التوالي، على رأس قائمة الدول الأكثر عرضة لتفاقم الأزمة الإنسانية، في ظل استمرار الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" لأكثر من 32 شهراً، وما خلفته من خسائر بشرية واسعة النطاق، وانهيار في الأوضاع المعيشية، وتعطل شبه كامل لوصول المساعدات الإنسانية.

وأكدت اللجنة أن الصراع الدائر أسفر عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص، ومنع وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى المجتمعات المحتاجة، مما فاقم أزمة غذائية وصفت بالمدمرة، وأدى إلى تسجيل حالات مجاعة في عدد من المناطق، ووفاة أشخاص يومياً بسبب الجوع وسوء التغذية.

ونوهت إلى أن السودان مقبل على عام 2026 وهو محمل بأخطار إنسانية متزايدة، في مقدمها استمرار الخسائر البشرية بين المدنيين، في ظل مأزق عسكري وحشي وغياب المساءلة، مع توقع اتساع رقعة الحصار على المدن، وعزلها عن المساعدات، وإجبار النازحين على دفع مبالغ مالية للوصول إلى مناطق أكثر أماناً.

وبحسب اللجنة، فإن أعمال العنف وحروب الحصار دفعت نحو 19.2 مليون شخص، أي ما يعادل 40 في المئة من سكان البلاد، إلى مستويات خطرة من انعدام الأمن الغذائي، فيما يواجه أكثر من 200 ألف شخص مستويات كارثية من الجوع وخطر المجاعة اليومي. وعلى رغم تسجيل بعض الإنتاج الزراعي في شرق البلاد، أكدت اللجنة أن المجاعة المستمرة منذ سنوات لا تزال بلا حلول جذرية.

ولفتت إلى أن الأطراف المتحاربة تواصل قطع شريان المساعدات الإنسانية، عبر أنظمة تصاريح وبيروقراطيات منفصلة يفرضها كل من قوات الجيش وقوات "الدعم السريع"، مما يعقد عمليات الإغاثة ويحد من وصولها.

اتفاق جديد

سياسياً، وقعت قوى سياسية ومدنية سودانية، أمس الثلاثاء في العاصمة الكينية نيروبي، على وثيقة إعلان مبادئ لبناء وطن جديد، ومذكرة تطالب بتصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية منظمة إرهابية، نظراً إلى ما نسب إليهما من أدوار في تقويض التحول الديمقراطي وتأجيج العنف والانتهاكات المرتبطة بالحرب التي اندلعت في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023.

وأشار القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي وجدي صالح، في مؤتمر صحافي، إلى أن هذا الاتفاق يأتي انطلاقاً من ضرورة وجود صوت مدني وسياسي موحد يطالب بوقف الحرب ويعمل على إنهائها.

وبين أنه من بين 12 إلى 15 قضية حرب، تم التوصل إلى اتفاق حول ثلاث أوراق رئيسة، منها تأكيد ضرورة التصدي للإرهاب الذي يشهده السودان، ومواجهة المحاولات المستمرة لقطع الطريق أمام ثورة ديسمبر، ومناقشة القضايا الأساسية المتعلقة بوقف الحرب.

ووقع على هذا الاتفاق عدد من القوى السياسية والمدنية والتنظيمات الثورية، من بينها: حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، وحزب المؤتمر السوداني، والتجمع الاتحادي، وحزب البعث العربي الاشتراكي - الأصل، وحزب الأمة القومي، والحركة الشعبية - التيار الثوري الديمقراطي، وحزب البعث القومي، والتحالف السوداني، والحزب الجمهوري، ومنسقية النازحين واللاجئين، وهيئة محامي دارفور، وتحالف القوى المدنية لشرق السودان، وتنسيقية المهنيين والنقابات، إلى جانب عدد من الأجسام ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية. 

شارك الخبر: