حامد فتحي - صحفي مصري
ما الذي يدفع بباحثيْن في التاريخ، أنّ يخرجا بسلسلة من الكتب بعنوان استعلائي "أخطاء يجب أنّ تصحح في التاريخ"، يبغيان منها كتابة تاريخ العالم بأكمله استناداً إلى رؤيتهما الدينية. إجابة هذا التساؤل في "الاستسهال"، فما أسهل أنّ تكتب تاريخ العالم انطلاقاً من رؤية دينية؛ حيث لا تحتاج إلى البحث في مصادر التاريخ، ولا تستند إلى منهج علمي، ولست مطالباً بمراجعة ما سبق نشره، بل فقط تمنح نفسك الحقّ؛ فتكتب ما تشاء وتحذف بجرة قلم ما تشاء، إنّه الكسل العلمي.
هذا ما فعله الكاتب الإخواني في التاريخ، جمال عبد الهادي محمد مسعود، في سلسلته سابقة الذكر، بالاشتراك مع أستاذة التاريخ وفاء محمد رفعت جمعة.
يعبر الكتاب المعنون بـ "منهج كتابة التاريخ الإسلامي - لماذا؟ وكيف؟" عن العقلية الإخوانية والإسلامية في أفضل حالاتها في تناول التاريخ؛ حيث يتصدى شخصان يحملان درجة الدكتوراة ليعبرا عن فكر المدرسة الإخوانية وبشكل عام التيارات الدينية في كتابة التاريخ، أو بمعنى أدق تزييف التاريخ والترويج للكسل العلمي وخيانة المنهج العلمي.
الترويج للمؤامرات
كعادة المتصدرين للتأليف في التاريخ من المحسوبين على التيارات الدينية، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، تبدأ مؤلفاتهم بديباجات محفوظة مكررة، تؤكد على حسن إسلامهم، وتصديهم للمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام من خلال عملهم، مع الترويج لأفكار استعلائية من عينة أفضلية المسلمين على غيرهم من البشرية، وغير ذلك من الأفكار التي تعمي الإنسان عن واقعه، وتجعله ضحية لما هو آت من ترويج لنظريات المؤامرة.
جاء في مقدمة الكتاب "ولذلك فإنّ بني آدم لم يعرفوا تاريخاً ذا صفحات بيض مثل صفحات التاريخ الإسلامي، تاريخ الدين الذي لا يقبل الله من الأولين أو الآخرين غيره. تاريخ الأمة المسلمة الواقع التطبيقي لهذا الدين."
بدايةً يتجاوز المؤلفان في حقّ علم التاريخ؛ حيث يمزجان بين الدين والتاريخ، فيرون في الأحداث التاريخية لمجموعة متنوعة من الشعوب والجغرافيا واللغات والأعراق .. إلخ، هوية واحدة للمسلمين فقط، تستبعد كون هؤلاء بشر في المقام الأول. ثم ينطلقان من مسلمة لديهما بأنّ هذا التاريخ بما أنّه تاريخ الأمة التي لن يقبل الله غير دينها، فهو تاريخ كله "صفحات بيض"، يجب البحث عنها وإخراجها للنور، ويعتبران كل محاولة غير إظهار هذه الصفحات البيض حرباً على الدين.
وفي ثنايا الكتاب كتب جمال عبد الهادي ووفاء جمعة: "المؤسف حقاً أنّ دور العلم التي أُنشئت أساساً لتربية الشباب المسلم الأساس الضروري لبناء الأمة المسلمة، دأبت على تلقين الأجيال تاريخاً إسلامياً مشوهاً، وتاريخاً جاهلياً مضخماً، لا عن مجرد خطأ غير مقصود، ولكن عن نية خبيثة من الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية، التي يهمها ألا تجد الأمة المسلمة في تاريخها ما تعتز به، وأن ترى أوروبا - كنموذج للجاهليات - على العكس هي صاحبة الدور الأول في التاريخ الإنساني".
ما هو المنهج الإسلامي؟
يتحول المؤلفان إلى فقهاء بدلاً من باحثين؛ فبدلاً من البدء بالتعريف بالهم البحثي الذي دفعهما إلى التصدي للإجابة عن أسئلة علمية، يبدأ الكتاب بفصل بعنوان "المنهج الإسلامي للدراسات التاريخية في ضوء الدراسات المعاصرة - ضرورة شرعية" يقومان فيها بمنح كتابهما المصداقية باسم الدين، فهما يكتبان عن "تاريخ الصراع بين الحق والباطل، بين حزب الله وحزب الشيطان، تاريخ انتصار الرسل والدعاة في دعوتهم إلى الله عز وجل، واندحار موجات الكفر وأهله".
وعلى المنوال نفسه يسيران في دحض كل الإسهامات العلمية المرموقة في دراسة تاريخ العالم والمنطقة، استناداً إلى امتلاكهما الحق المطلق: "حولوه إلى تاريخ وثني جاهل محض، لا وجود فيه لدين هو الإسلام أوجب الله على البشرية اعتناقه، ولا وجود لرسل ولا أنبياء ولا حتى لوحي ولا لإله واجب التعبد له".
وينتقل المؤلفان في الفصل الثاني، بعد فصل أول لا وجود لشيء رصين فيه، ليتخذاه منبراً للهجوم على إسهامات الباحثين في التاريخ، سواء أكانوا أوروبيين أو من دول المنطقة. وجعلا عنوانه "فحص بعض الموسوعات التاريخية والمراجع التي تعرض التاريخ الإسلامي بمعزل عن المنهج الإسلامي للدراسات التاريخية".
يقولان عنها "معظم كتاب هذه الموسوعات التاريخية والمراجع والمناهج ينطلقون من منطلقات فكرية، معادية للاتجاه الديني عموماُ، وللمعتقد الإسلامي على وجه الخصوص".
وينطلق المؤلفان؛ جمال عبد الهادي ووفاء جمعة، في كشف خيوط نظرية مؤامرة لا تنتهي على البشرية، روادها العلماء والباحثون الذين كتبوا قبلهما في مجالات التاريخ والآثار، ومن عاونهم من علماء البيولوجيا والجيولوجيا وكل من لم يكتب التاريخ على طريقتهما.
جاء في الكتاب: "هكذا تتعاون الدراسات الأثرية مع التاريخ القديم في تعميق الإلحاد والكفر في نفس القارئ والدارس".
تزييف الوعي
والطريف أنّ الكتاب يهاجم القائمين على ترجمة "موسوعة قصة الحضارة" للمؤلف ويل ديورانت، كتب عبد الهادي ووفاء جمعة: "استوحت اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية على عهد رئيسها طه حسين، من اليونسكو (هي الهيئة التي يسيطر عليها كما هو الشأن في أكثر مؤسسات الأمم المتحدة الصهيونية العالمية الهدامة)" يقصدان ترجمة الموسوعة. وغاب عنهما موقف منظمة اليونسكو الذي كثيراً ما أغضب إسرائيل، إلى حد تعليق واشنطن تمويل المنظمة جراء ذلك، لكنّ الكاتبين ليسا في حاجة إلى المصداقية، فهما امتلكاها لأنهما ينطقان باسم الإسلام، كعادة أتباع التيارات الدينية في بلادنا.
الباحث حسن حافظ لـ"حفريات": كتّاب الإخوان يصورون التاريخ الإسلامي على أنّه يسير في خط مستقيم يتعرض لمؤامرة كونية سيتم التصدي لها من خلالهم
في بقية الكتاب، بعد أنّ ينتهي المؤلفان من الهجوم والتخوين والتكفير، يضعان تصوراً لكتابة تاريخ العالم، لا يختلف عن تصور طفل لم يفهم المحتوى المدرسي المقدم إليه، أو تصور واعظ على منبر لم يقرأ في حياته سوى عدة مؤلفات بسيطة المحتوى، خالية من التحليل والاشتباك المعرفي.
يعلق الباحث في التاريخ الإسلامي، حسن حافظ، بأنّ جمال عبد الهادي من نفس مدرسة الصلابي والسرجاني وإن ادعى العكس؛ فهو من المدرسة الإخوانية المتسلفة، التي تؤمن بفكرة أن هناك حقيقة واحدة للتاريخ، ويستخدمون التاريخ في الدعاية الدينية.
وأضاف لـ"حفريات" بأنّ منهج عبد الهادي قائم على فكرة المؤامرة التي تعرض تاريخ المسلمين لها، ولهذا يجب تصحيح التاريخ من وجهة نظره، وكأنّ التاريخ فيه عطب، ويحتاج إلى إصلاح على هواه، وبما يعكس رؤيته الخاصة للتاريخ. ولفت حافظ إلى أنّ عبد الهادي يستخدم التاريخ للانتصار للأيديولوجيا الإخوانية. وبشكل عام يرى حافظ بأنّ المدرسة الإخوانية التي تصدت للكتابة في التاريخ، هي بمثابة منظومة متكاملة تقوم على تدليس التاريخ، وتعمل على ابتسار الكتابة التاريخية، عبر إقصاء الروايات التاريخية التي لا يرضون عنها، وتقديم روايات وتحويرها لتخدم الأيديولوجية الإخوانية.
وتابع الباحث في التاريخ الإسلامي، بأنّ مرمى هؤلاء تصوير التاريخ الإسلامي على أنّه واحد، يسير في خط مستقيم، يتعرض لمؤامرة كونية، سيتم التصدي لها من خلال الإخوان المسلمين، وغيرهم من الجماعات المنضوية تحت ظلالهم.