• الساعة الآن 07:24 PM
  • 16℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الهاشمية الزيدية والهاشمية الشافعية.. صراع الميراث بين السلالة والمواطنة

news-details

خاص-النقار
تمايزت الهاشمية في اليمن إلى مسارين، الأول في الهضبة الزيدية ارتكز على فكرة الاصطفاء بالنسب، والمسار الثاني في الوسط الشافعي تبنّى الانتماء الوطني وأعلَى من قيمة الكفاءة والعمل، ونشأ بين المسارين رؤيتان للدولة اعتبرت الأولى الحكم امتدادا للسلالة، فيما اعتبره المسار الثاني عقدا اجتماعيا يدار بالمواطنة والجدارة.

مع قدوم الهادي يحيى بن الحسين إلى صعدة تأسس مبدأ الإمامة الزيدية على شرط السلالة، فغدت القيادة حكرا على الهاشميين، وأصبحت (الإمامة) منظومة فكرية وسياسية استمرت قرونا، ورسخت طبقة حاكمة تمتلك الدين والسيف والقرار، إذ نسج المذهب الزيدي علاقته بالسلطة من خلال (العلم والجهاد)، فصار الفقيه والإمام وجهين لعملة واحدة، وفي المقابل، ازدهرت في المناطق الشافعية ثقافة مدنية، فيها مدارس للفقه والتعليم، وسوق للجدارة يتيح الصعود بالمواهب والمعرفة، وتشكلت هناك هاشمية مختلفة تشتغل في مؤسسات الدولة والمجتمع ولا تمنح النسب تفوقا سياسي.

بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، انخرط الهاشميون من الوسط الشافعي في مؤسسات الجمهورية، وشاركوا في الإدارة والتعليم والإعلام والجيش، وساهموا في صياغة هوية وطنية جامعة، شاركت في بناء الدولة الحديثة على أساس المساواة والعمل، وارتبط الاسم الهاشمي فيها بالمدرسة والوظيفة والإنتاج الفكري، لا بالوراثة أو الامتياز.

لكن العقدين الأخيرين خصوصا مع بروز جماعة أنصار الله (الحوثيون) كممثل جديد للهاشمية الزيدية، استخدمت الجماعة مفردات النسب والولاية والخُمس لإعادة بناء سلطة دينية سياسية، وجمعت الهضبة تحت راية النسب وأعادت تنشيط الذاكرة الإمامية بصيغ تعبئة حديثة. في هذا السياق دفعت شبكات المصالح الهاشميين الشوافع إلى خيارين: الانجرار نحو مشروع سلالي ينتقص منهم رغم كونهم هاشميين أو تثبيت موقعها داخل الدولة الوطنية، والاتجاه المدني في الوسط الشافعي لم يعد يشكل التوازن المطلوب لكنه مازال قادرا على استعادة عافيته وتوازنه القيمي من خلال تعزيز الحاجة إلى المواطنة التي رسختها ٢٦ سبتمبر، خصوصا أن هذه المناطق الشافعية مازالت محل قلق اليوم عند الزيدية الحاكمة التي تخصص، مثلا، موظفين من عمران وصعدة لإدارة شؤون محافظات مثل إب وريمة، ولم تسمح لأبناء هذه المناطق أن يديروا شؤونهم بأنفسهم.

الزيدية قدّمت نموذج الحكم الوراثي القائم على نصوص الاجتهاد، والشافعية اندمجت بسرعة مع نموذج الدولة القائم على المصلحة العامة والعقد الاجتماعي، وهذا الفارق يمكن أن يصوغ معادلة سياسية حيث يجب أن تتحرك المواطنة المتساوية في مواجهة السلطة القائمة على نسب محصور في منطقة هي (الهضبة) فقط.

الهاشمية الشافعية تملك اليوم فرصة تصحيح ثقافي وفكري يعيد تعريف الشرف على أساس العمل، ويؤكد أن النسب يجب أن يكون قيمة أخلاقية تكتسب معناها من خدمة الناس لا من الحكم عليهم. الدولة الحديثة تقوم على الكفاءة، والمجتمع المتماسك يقوم على العدالة، وكلاهما يشكلان أساس الاستقرار والنهضة.

شارك الخبر: