خاص - النقار
مع انقضاء الحرب في غزة، ينتهي فصلٌ كانت فيه سلطة صنعاء (الحوثي) تتكئ على خطابٍ خارجي لتبرير صمتها تجاه التزاماتها الداخلية. طيلة العامين الماضيين، شكّلت الحرب الفلسطينية متنفسا سياسياً وإعلامياً للجماعة، أتاح لها مساحة نادرة لتقديم نفسها بوصفها جزءًا من “محور مقاومة” عابر للحدود. لكن بانطفاء المعارك، تعود الجماعة إلى انكفائها ويعود المشهد إلى واقعه الطبيعي الذي يتلخص في سلطة محلية تواجه أسئلة داخلية لا يمكنها تأجيلها إلى ما لا نهاية.
خلال الحرب، نجحت الجماعة في بناء سرديةٍ وطنية عاطفية تستند إلى قضية عادلة، لكنها وظّفتها لإعادة إنتاج حضورها السياسي، وإزاحة الأنظار عن أزمة مزمنة داخل مناطق سيطرتها، ومازالت تفشل في الاجابة عن الأسئلة المهمة: لماذا تتواصل أزمة المرتبات منذ ثماني سنوات؟ لماذا يتراجع النشاط الاقتصادي عامًا بعد آخر؟ ولماذا تبدو العلاقة بين المواطن والسلطة محصورة في الجباية دون خدمات أو أفق؟ ومع مرور الوقت، تزداد الفجوة بين خطاب “الثورة المستمرة” وواقع الدولة الغارقة في العجز المالي والإداري.
لقد منحت الحرب في غزة الحوثيين فرصة نادرة للظهور بمظهر القوة الملتزمة بقضية عربية كبرى، لكنّ نهاية ذلك الصراع كشفت هشاشة الرهان على الأحداث الخارجية لتثبيت النفوذ الداخلي.. ما بعد غزة ليس فقط مرحلة سياسية جديدة في الإقليم، بل أيضًا اختبار حقيقي وقد يكون أخير لسلطة الحوثي بصنعاء.