خاص | واشنطن - النقار
يواجه الاقتصاد الأمريكي خسائر مباشرة وغير مباشرة نتيجة الإغلاق الحكومي، الذي يحدث عندما يفشل الكونغرس في تمرير الميزانية أو قرار التمويل المؤقت بسبب صراعات سياسية حادة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي حول أولويات الإنفاق مثل الدفاع والرعاية الصحية والضرائب. يستخدم كل طرف الموافقة على التمويل كأداة ضغط للحصول على تنازلات، فيما تضيف الانتخابات واهتمامات القواعد الانتخابية تعقيدًا أكبر، ما يؤدي أحيانًا إلى توقف جزئي أو كلي للمؤسسات الفيدرالية
كيف يحدث الإغلاق؟
يمنع الدستور الأمريكي الوكالات الفيدرالية من إنفاق الأموال دون تفويض صريح من الكونغرس، ومع انقضاء المهلة دون اتفاق على مشروع قانون الإنفاق، تتوقف الأنشطة "غير الأساسية" للوكالات الفيدرالية، ويُجبر مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين على الإجازة غير مدفوعة الأجر، بينما يستمر موظفو الخدمات الأساسية (مثل الأمن القومي ومراقبة الحركة الجوية) في العمل دون الحصول على رواتبهم فوراً.
أما سبب الإغلاق الجذري فيكمن في التعقيدات والاصطفافات السياسية. فغالباً ما تستغل الأحزاب مشروع قانون التمويل كأداة ضغط لتحقيق مكاسب تشريعية أو سياسية. في الحالة الحالية، يعكس الإغلاق فشل الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في التوصل إلى صيغة توافقية، حيث يسعى كل طرف لفرض أولوياته، سواء كانت خفضاً للإنفاق أو تمرير بنود تتعلق بالهجرة أو الرعاية الصحية، مما يؤدي إلى جمود يرهن ميزانية الدولة بالصراع الحزبي.
الخسائر الاقتصادية: فاتورة باهظة
الخسائر التي تلحق بالاقتصاد الأمريكي جراء الإغلاق الحكومي ليست نظرية؛ بل هي فاتورة باهظة تُدفع يومياً. تشير التقديرات الصادرة عن خبراء ومجالس استشارية اقتصادية إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد يخسر ما يقارب 15 مليار دولار أسبوعياً جراء هذا التعطيل، وهو ما يعادل خسارة 0.2\% من الناتج المحلي الإجمالي أسبوعياً.
وتتجسد هذه الخسائر في عدة مسارات:
* تعطيل الإنفاق الحكومي والخدمات: توقف الخدمات "غير الأساسية" يعني توقف الإنفاق الحكومي المرتبط بها. على سبيل المثال، يتأثر إصدار جوازات السفر والتأشيرات، مما يضر بالسياحة والأعمال الدولية. كما تتوقف عمليات التفتيش والرقابة في بعض القطاعات، مما يؤثر على كفاءة السوق.
* تآكل الثقة: الإغلاق الحكومي يرسل رسالة سلبية إلى الأسواق العالمية والمستثمرين حول قدرة واشنطن على إدارة نفسها بكفاءة. هذا الضعف السياسي يترجم إلى حالة من عدم اليقين تزيد من تقلبات الأسواق، وقد تؤدي إلى تراجع ثقة المستهلكين والأعمال، وهو ما يهدد بتباطؤ الإنفاق والاستثمار الخاص.
* تأجيل البيانات الاقتصادية: من أهم التداعيات على صانعي القرار الاقتصادي، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي، هو تأجيل نشر بيانات اقتصادية حيوية، مثل تقارير التوظيف والتضخم. هذا "العمى المؤقت" يحرم البنك المركزي من مؤشرات أساسية لرسم سياسات الفائدة، مما يزيد من مخاطر اتخاذ قرارات خاطئة في وقت تتطلب فيه السياسة النقدية دقة متناهية.
* تأثير على القوى العاملة: فقدان رواتب مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين يؤدي إلى انخفاض فوري في القوة الشرائية، مما يقلل من الطلب الكلي في الاقتصاد ويضرب الشركات المحلية التي تعتمد على هذا الإنفاق.
في الختام، وعلى الرغم من أن التأثير الاقتصادي للإغلاقات السابقة كان مؤقتاً في معظمه، فإن استمرار هذا الإغلاق في ظل بيئة اقتصادية عالمية هشة وتضخم مرتفع يرفع من مخاطره بشكل كبير. إنها ليست مجرد مسألة سياسية داخلية؛ بل هي تهديد ملموس يضع التعافي الاقتصادي الأمريكي على حافة الهاوية.