بدأت ملامح عودة برشلونة إلى ملعب "سبوتيفاي كامب نو" تتضح شيئًا فشيئًا، بعدما كان تاريخ الافتتاح الجديد غير محسوم خلال الأسابيع الماضية.
فبينما كان من المقرر أن يستضيف الفريق الكتالوني مواجهة ريال سوسيداد على أرضه، رفضت بلدية برشلونة منح التصاريح اللازمة بدعوى وجود نواقص في معايير السلامة داخل الملعب، الأمر الذي تسبب في استمرار الغموض بشأن موعد العودة.
ووفقاً لصحيفة "آس" الإسبانية، فإن أعمال التجديد في "سبوتيفاي كامب نو" تسير بسرعة كبيرة، وقد برز تاريخ 18 أكتوبر المقبل كموعد محتمل لإعادة افتتاح الملعب جزئياً، عندما يلتقي برشلونة مع جيرونا في الدوري الإسباني.
وأكد نائب عمدة برشلونة ألبرت باتلي أن هذا التاريخ يبدو "أكثر واقعية" من أي وقت مضى.
وقال باتلي": "بالنسبة ليوم 18 أكتوبر؟ لدينا الأمل في أن يتم تنفيذ التعديلات المطلوبة، ومن الناحية الأمنية يمكن منح الضوء الأخضر لإعادة افتتاح جزئي للكامب نو. أعتقد أنه سيكون من الممكن معالجة المشكلات الصغيرة التي كانت موجودة".
وأوضح مسؤولو البلدية أن أبرز النواقص تتعلق بمسارات الإخلاء داخل الملعب، وهو ما تسبب في رفض منح الترخيص خلال الفترة الماضية.
لكن برشلونة تقدم يوم الاثنين الماضي بشهادة الانتهاء من المرحلة الأولى من الأعمال، وينتظر حالياً الحصول على ترخيص إشغال جزئي يسمح بفتح مدرج "تريبونا" وجزء من مدرج "جول سود" بطاقة استيعابية تصل إلى 27 ألف مقعد.
أما فيما يخص المرحلة الثانية، الضرورية لاحتضان مباريات دوري أبطال أوروبا، فقد كشف خوان سنتيليس، مدير العمليات بالنادي، أن برشلونة أنهى بالفعل جميع الأوراق والمستندات اللازمة لاعتمادها.
ويُعتبر ملعب "كامب نو" أحد أبرز المعالم الرياضية في العالم، ليس فقط لكونه الملعب الرسمي لنادي برشلونة، بل لأنه أصبح رمزاً كروياً وثقافياً يعكس هوية المدينة الكتالونية. افتُتح الملعب رسمياً في 24 سبتمبر 1957 بمباراة ودية جمعت برشلونة مع فريق ليجا وارسو البولندي، وشهد حضورًا جماهيريًا هائلاً آنذاك، ليبدأ مسيرة طويلة ارتبطت بالإنجازات والذكريات الخالدة.
وتعود فكرة إنشاء الملعب إلى خمسينيات القرن الماضي، حين شعر مسؤولو برشلونة أن ملعب "ليس كورتس"، الذي كان يحتضن مباريات الفريق، لم يعد قادرًا على استيعاب الأعداد المتزايدة من الجماهير.
وجاء قرار بناء "كامب نو" ليكون مشروعًا عملاقًا يليق بالنادي الذي كان يتوسع رياضيًا وجماهيريًا.
وبالفعل، استغرق البناء 3 سنوات بتكلفة ضخمة في ذلك الوقت، بلغت حوالي 288 مليون بيزيتا إسبانية.
منذ افتتاحه، احتضن الملعب العديد من المناسبات الكبرى، أبرزها نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1999 بين مانشستر يونايتد وبايرن ميونخ، الذي اعتُبر من أكثر النهائيات إثارة في التاريخ بعد ريمونتادا الشياطين الحمر في اللحظات الأخيرة.
كما كان مسرحًا لمباريات كأس العالم 1982 في إسبانيا، بالإضافة لاستضافته لمنافسات كرة القدم في أولمبياد برشلونة 1992.
وعلى صعيد برشلونة، ارتبط "كامب نو" بمسيرة أسطورية لعدد من أعظم لاعبي كرة القدم، مثل يوهان كرويف، ودييجو مارادونا، ورونالدينيو، وليونيل ميسي، الذين خطفوا الأضواء على أرضيته عبر عقود مختلفة.
وقد أصبح الملعب شاهدًا على الإنجازات المحلية والأوروبية للنادي، خصوصًا في حقبة المدرب بيب جوارديولا، حين قاد الفريق لتحقيق ثلاثية تاريخية عام 2009.
ويُعرف "كامب نو" أيضًا بسعته الجماهيرية الهائلة، حيث تجاوزت في بعض الفترات حاجز 120 ألف متفرج قبل أن تُخفض لاحقاً إلى نحو 99 ألفًا لأسباب تتعلق بالسلامة.
ورغم ذلك، ظل الأكبر في أوروبا وواحداً من أكثر الملاعب امتلاءً بالجماهير في مختلف المواسم، إذ يُعتبر بالنسبة للمشجعين الكتالونيين مكاناً مقدساً يجمع بين الرياضة والانتماء.
وعلى مر العقود، لم يكن "كامب نو" مجرد ملعب لكرة القدم، بل أصبح منصة للتعبير عن الهوية الكتالونية، خصوصاً في فترات التوتر السياسي بين كتالونيا والحكومة الإسبانية. وكان المدرج الجنوبي للملعب، المعروف باسم "جول سود"، رمزاً لتجمع الجماهير المتحمسة، التي لا تكف عن الهتافات والأغاني الداعمة للنادي.
اليوم، مع مشروع إعادة التحديث والتطوير الجاري، يسعى برشلونة إلى تحويل "كامب نو" إلى تحفة معمارية حديثة تواكب متطلبات كرة القدم العصرية، مع زيادة في عدد المقاعد وتطوير المرافق لتقديم تجربة استثنائية للجماهير.
المشروع الجديد يهدف إلى الحفاظ على روح الملعب التاريخية، وفي الوقت نفسه إدخال التكنولوجيا الحديثة التي ستجعل من "كامب نو" واحداً من أفضل الملاعب في العالم.
ومع اقتراب موعد إعادة الافتتاح الجزئي في أكتوبر المقبل، يتجدد الشغف لدى جماهير برشلونة بالعودة إلى معقلهم التاريخي، حيث الذكريات والانتصارات، في انتظار أن يستعيد الملعب كامل ألقه عندما تكتمل أعمال التطوير بشكل نهائي في السنوات المقبلة.