شهدت إثيوبيا للمرة الأولى في تاريخها تخريج دفعة من شرطة خفر السواحل في خطوة وصفت بأنها تحول بارز في جهود تعزيز الأمن البحري والاقتصادي للبلاد. فما الدلالات السياسية وراء هذه الخطوة؟
تعتبر إثيوبيا الدولة "الحبيسة" أن من حقها تملك ساحل بحري كغيرها من الدول لحفظ مصالحها ومواكبة النهضة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها. واعتبرت خطوة أديس أبابا في تخريج دفعة من شرطة خفر السواحل حدثاً له دلالات مهمة في مقدمها كونه يأتي بعد الانتهاء من بناء سد النهضة والإعلان عن افتتاحه في شهر سبتمبر (أيلول) الجاري.
وخلال حفل أقامته الشرطة الفيدرالية بالتعاون مع هيئة الشحن والخدمات اللوجيستية الإثيوبية، أشاد المفوض العام للشرطة الفيدرالية ديميلاش جبر ميكائيل بالإنجاز كخطوة وصفها بأنها تحول بارز في جهود تعزيز الأمن البحري والاقتصادي للبلاد، مؤكداً أن إنشاء قوة خفر السواحل يعكس الإصلاحات المستمرة وحرص الشرطة على التزام المعايير الدولية.
يذكر أن إثيوبيا كانت قد احتفلت في الثامن من يوليو (تموز) عام 2025، باستقبال أول دفعة من طلاب البحرية الإثيوبيين الذين أكملوا دراستهم وتدريبهم في الخارج. وأقامت وزارة الدفاع الإثيوبية احتفالاً رسمياً للمناسبة، وخضع الطلاب في دراستهم لبرنامج تأهيلي استمر ستة أعوام.
تأمين وحماية سد النهضة
وكان المفوض العام للشرطة الفيدرالية الإثيوبية ديميلاش جبر ميكائيل كشف في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 عن تنظيم إثيوبيا قوة شرطة خفر السواحل لمنع الجرائم على المياه، وأوضح أنه بناءً على الخبرة والبحوث من البلدان المتقدمة، تم تنظيم قوة شرطة خفر السواحل لمنع الجرائم على المياه، ولفت إلى أنه مع اكتمال بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير، سيكون بالإمكان حماية الوجهات السياحية بقوة شرطة موثوقة. وأفيد بأن الشرطة الفيدرالية وقعت عقداً مع شركة صناعة الهندسة الدفاعية لبناء قوارب شرطة سريعة.
إرث وطني
وتابع جبر ميكائيل أن هيئة الشحن والخدمات اللوجيستية أدت دوراً محورياً في حماية الأمن القومي، بخاصة عبر تنسيقها في عمليات نقل المعدات الثقيلة لمشروع سد النهضة الإثيوبي، وأكد أن الشرطة الفيدرالية حافظت على أمن السد طوال فترة بنائه التي استمرت 14 عاماً.
من جانبه قال الرئيس التنفيذي لشركة الشحن والخدمات اللوجيستية الإثيوبية بيريسو أميلو إن الضباط المتخرجين خضعوا لتدريب شامل يتيح لهم أداء مهام حفظ الأمن والسلام البحريين، موضحاً أن دورهم سيعزز قدرة البلاد في تأمين التجارة البحرية وضمان سلامة مرور البضائع، وأكد أميلو التزام مؤسسته مواصلة دعم برنامج خفر السواحل من خلال التدريب والموارد اللازمة، لبناء قوة بحرية متخصصة وموثوقة تدعم المصالح الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا.
حدث غير عابر
الأستاذ الجامعي الإثيوبي المتخصص في الشؤون الدولية علي حسين يمر قال إن تخرج الدفعة الأولى من شرطة خفر السواحل "حدث غير عابر، وهو رسالة سياسية وأمنية تحمل أبعاداً استراتيجية عميقة. فمن الناحية العملية لا تمتلك إثيوبيا ساحلاً بحرياً منذ انفصال إريتريا عام 1993، لكن تشكيل قوة خفر السواحل يوحي برغبة الدولة في ترسيخ مطالبتها الصريحة بالحصول على منفذ بحري، وإيجاد أدوات عملية تترجم هذا الطموح على الأرض". وتابع "على الصعيد الأمني، يمكن النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها استعداداً استباقياً لحماية المصالح الإثيوبية المرتبطة بالبحر، سواء عبر الموانئ المستأجرة أو في حال التوصل إلى تسوية مستقبلية تمنحها منفذاً سيادياً، فهي محاولة لتأمين التجارة البحرية وحماية خطوط الإمداد في وقت تتزايد فيه أهمية البحر الأحمر وخليج عدن في التنافس الدولي. أما سياسياً، فالدلالة الأبرز تكمن في أن إثيوبيا تبعث برسالة إلى الداخل والخارج مفادها بأنها لن تتخلى عن مشروعها الاستراتيجي في امتلاك ساحل سلمياً. إنها خطوة لتغذية خطاب السيادة والهيبة الوطنية داخلياً، وفي الوقت نفسه ورقة لدفع التفاوض إقليمياً مع الدول الساحلية المجاورة"، وأوضح "أن مطالبة إثيوبيا بمنفذ بحري تجرى حتى الآن عبر القنوات الدبلوماسية وبأسلوب سلمي، بعيداً من خيار القوة المباشرة".
صعوبات
الكاتب والباحث في الشؤون الأفريقية عبدالرحمن أحمد قال "الدول الحبيسة تعاني صعوبات تتمثل في الوصول إلى الأسواق العالمية وتصدير منتجاتها، سواء كانت زراعية أو حيوانية أو بترولاً أو ذهباً، وكذلك المنتجات الصناعية، ما يخلق للدول الحبيسة إشكاليات وتحديات كبيرة جداً، لأن هذه الدول الحبيسة تفقد الميزة التنافسية مقارنة بالدول التي تطل على البحار، فالدول الحبيسة تضطر لاستئجار ميناء من الدول التي تطل على البحار"، وتابع "إثيوبيا تحاول الوصول إلى البحار، والأفضل الحلول المتمثلة في ما نصت عليه اتفاقات الأمم المتحدة التي أوضحت أن للدول الحبيسة حقوقاً، وأن تسعى إلى الاتفاق مع الدول التي لديها سواحل بحرية. فالدول الساحلية التي تطل على البحار ينبغي عليها أن تساعد الدول الحبيسة في أن تحصل على ميناء بالاتفاقات والشراكة الممتدة سنوات طويلة، كما ينبغي أن تحافظ الدولة الحبيسة على أمن الدولة المطلة على البحار، والتعاون بين الدول الساحلية وجيرانها في ما خص المنافذ البحرية يجنب التوترات والحروب".
ناقوس خطر
الناشط السياسي الإعلامي محمد نقد قال من جهته "خطوة إثيوبيا في شأن تجهيز خفر سواحل متقدمة لتعزيز الأمن القومي الإثيوبي، وتشير إلى أن إثيوبيا تريد أن تؤدي دوراً مستقبلياً في المياه الدولية أي ما وراء المياه الإقليمية لدولتي إريتريا والصومال"، وأضاف "إصرار إثيوبيا للسير نحو الساحل، وما تقوم به من تجهيزات جريئة هو تحدٍّ لواقعها وواقع الجوار من حولها. عموماً امتلاك دولة إثيوبيا الحبيسة قوة بحرية يعد ناقوس خطر وصورة من صور التهديد لكل من دولتي إريتريا والصومال وللمنطقة الإقليمية بوجه عام".
فرض الأمر الواقع
الأستاذة الجامعية المتخصصة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي قالت أيضاً "استكمالاً لخطة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إعادة بناء الأسطول البحري لدعم القوة الإثيوبية في البحر الأحمر وخليج عدن في مواجهة القوة البحرية المصرية، شهدت إثيوبيا، وللمرة الأولى في تاريخها، في الثاني من سبتمبر عام 2025 تخريج دفعة من شرطة خفر السواحل، في حفل أقامته الشرطة الفيدرالية بالتعاون مع هيئة الشحن والخدمات اللوجيستية الإثيوبية، في خطوة وصفت بأنها تحول بارز في جهود تعزيز الأمن البحري والاقتصادي لإثيوبيا"، وأضافت "في الواقع، تبدو أديس أبابا في الظرف العالمي الحالي أكثر ثقة بقدراتها على المضي في فرض الأمر الواقع، إذ توفر السياقات الراهنة ظروفاً ملائمة لتحقيق الحلم الإثيوبي المتمثل في تجاوز المعضلة الجغرافية وإحياء أسطولها البحري وتعزيز نفوذها على المستويين الإقليمي والقاري، إذ تبنى آبي أحمد مقاربة إقليمية جديدة تقوم على ما يمكن أن نسميه دبلوماسية الموانئ للخروج من مأزق الدولة الحبيسة، بالعمل على تبني خطة طموحة لإعادة بناء الأسطول البحري لدعم القوة الإثيوبية في البحر الأحمر وخليج عدن، وأقامت أديس أبابا شراكات سياسية واقتصادية مع مختلف دول القرن الأفريقي وفقاً لمبدأ تصفير المشكلات مع جيرانها لتأسيس حقبة جديدة تصبح فيها مركز الثقل الإقليمي، وتفرض مفاهيمها في ما يتعلق باستقرار وأمن القرن الأفريقي"، وتابعت مرعي "نلاحظ أن هيئة الشحن والخدمات اللوجيستية أدت دوراً محورياً في عمليات نقل المعدات الثقيلة لمشروع سد النهضة الإثيوبي، الذي أدى إلى توترات في المنطقة، ولا تزال إثيوبيا تضيف توترات أخرى جراء طموحات وتعديات تؤثر في استقرار القرن الأفريقي، من الصومال إلى جيبوتي فإريتريا والسودان. وفي سياق الإصرار الإثيوبي على الحصول على منفذ على البحر الأحمر، عملت إثيوبيا على توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند لإنشاء ميناء وقاعدة عسكرية إثيوبية، ما اعتبره الصومال تعدياً صارخاً على سيادته وأمنه، وقاد إلى إحياء اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، وتتضمن التعاون العسكري الشامل بين البلدين، المر الذي اعتبرته إثيوبيا تهديداً لها"، وختمت الأستاذة الجامعية المتخصصة في الشؤون الأفريقية "سلوك إثيوبيا يعكس نهجاً قائماً على فكر يسعى إلى محاولات لفرض الهيمنة المائية بدلاً من تبني مبدأ الشراكة والتعاون".