في خطوةٍ تحملُ أبعادًا تتجاوز حدود لبنان، كشفت إسرائيل رسميًا عن تفاصيل عملية استخباراتية وصفت بأنها "الأكبر" في تاريخ جهازها الخارجي الموساد، أدت إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في سبتمبر من العام الماضي.
لم يكن الإعلان مجرد تكريم داخلي لجهاز أمني، بل جاء محملا برسائل ردع سياسية وأمنية، فيما تزامن مع جدلٍ داخلي لبناني حول ملف حصر السلاح بيد الدولة، ليعيد طرح السؤال الأخطر: هل دخل لبنان مرحلة جديدة تُرسم معالمها بالدم والاستخبارات؟.
الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ قاد مراسم منح "جائزة الأمن الإسرائيلية" للموساد، تكريما لدوره في تنفيذ عملية معقدة انتهت باغتيال حسن نصر الله.
وفي الحفل، كشف ضابط بارز في الموساد أن عملاء الجهاز نفذوا عمليات خطيرة في قلب بيروت، تحت نيران مباشرة، لجمع معلومات دقيقة مهّدت لتنفيذ الضربة.
الاعتراف العلني، بعد عام كامل من العملية، بدا بمثابة إعلان رسمي لانتصار استخباري، ورسالة مزدوجة: أولا لتأكيد قوة الردع أمام الداخل الإسرائيلي بعد سنوات من التوتر، وثانيا لإحكام الضغط على حزب الله وبيئته في لبنان.
تفاصيل الضربة الجوية
في 27 سبتمبر من العام الماضي، شنت إسرائيل عملية جوية مركزة على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، مستخدمةً عشر غارات متتالية بصواريخ خارقة للتحصينات.
العملية أسفرت عن مقتل نصر الله، إلى جانب علي كركي قائد الجبهة الجنوبية في الحزب، والعميد عباس نيلو بريشان نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني.
المشهد كان صادمًا: استهداف منطقة شديدة التحصين، وسقوط قادة بارزين دفعة واحدة. وهو ما دفع محللين إسرائيليين إلى وصف العملية بأنها الأخطر منذ حرب تموز 2006.
حزب الله.. رفض وتساؤلات
بينما احتفلت إسرائيل بالإنجاز، وجد حزب الله نفسه أمام أزمة داخلية متصاعدة. فقد رفض بشكل قاطع دعوات حصر السلاح بيد الدولة، واتهم ما وصفها بـ"السلطة اللبنانية" بالانصياع لإملاءات خارجية، معتبرًا أن قرارها بمثابة "هدايا مجانية لإسرائيل".
كتلة الحزب في البرلمان اللبناني أصدرت بيانًا شديد اللهجة، دعت فيه الحكومة إلى "مراجعة حساباتها"، محذرة من تمرير خطط تهدد بقاء المقاومة. في المقابل، ارتفعت أصوات لبنانية ترى أن اغتيال نصر الله فتح الباب لإعادة هيكلة الدولة بعيدًا عن سطوة الميليشيات.
من جهته، قدّم الخبير الاستراتيجي في الأمن القومي يعرب صخر، قراءة موسعة لـ"التاسعة" على سكاي نيوز عربية، مؤكدًا أن ما جرى ليس مبالغة، بل نتيجة لتاريخ طويل من الاختراقات. وقال: "منذ تأسيسه عام 1949، حفل تاريخ الموساد بالعمليات النوعية؛ من اعتقال آيخمان في الأرجنتين، إلى اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وصولًا إلى اختراقات أمنية معقدة وزرع العملاء".
وأضاف صخر أن نقطة التحول كانت ما بعد حرب تموز 2006، حين كثف الموساد نشاطه داخل بيئة حزب الله، مستخدما أجهزة تنصت وتحديد مواقع، وزرع العملاء.
لكن المنعطف الأخطر جاء عام 2012 مع دخول الحزب إلى سوريا، حيث أدى تداخل عناصره مع قوات النظام السوري والحرس الثوري الإيراني إلى فتح أبواب واسعة للاختراق.