خاص-النقار
متحفان يُغلَقان بسبب عجز الدولة عن سداد نفقاتهما التشغيلية الضرورية. أي شيء يمكن أن يعبر عن حالة الوهن التي يعيشها اليمنيون أكثر من هذا؟ وأي شيء يبقى من مفهوم الدولة بالنسبة لهم في أن يعلَن عن إغلاق متحفهم الوطني ومتحف موروثهم الشعبي بسبب أن تلك الدولة عجزت عن سداد نفقاتهما التشغيلية؟! وأي نفقات هذه حتى يُعجز عن سدادها، وهي لن تكون أكثر من أجور موظفين وفواتير كهرباء؟!
مثل هذا لا يحدث، لكنه يحدث في صنعاء. حيث أعلنت الهيئة العامة للآثار والمتاحف، في بيان صاعق، عن إغلاق كل من المتحف الوطني ومتحف الموروث الشعبي بسبب عجزها عن سداد النفقات التشغيلية اللازمة، بما في ذلك أجور الموظفين وفواتير الكهرباء، مشيرة إلى أن "هذا الإغلاق خارج إرادتها، وأنها تبذل جهودًا لمعالجة الإشكاليات المالية".
بيان كهذا له أن يُحدث زلزلة كبرى في سلطة تستحي على نفسها وتخجل من نفسها، لكنه بالنسبة لسلطة صنعاء ليس أكثر من بيان صادر عن هيئة جائعة، فهيئة الآثار والمتاحف ليست هيئة الأوقاف ولا هي هيئة الزكاة، بل مجرد واحدة من تلك التي لا داعي لوجودها أساسا. وماذا يمكن أن يعني لسلطة صنعاء أن يكون هناك شيء اسمه متاحف حتى توليها بعضا من الاهتمام الذي توليه للمقابر مثلا؟ فهذه الأخيرة أجدى وأكثر أهمية من مجرد آثار معروضة في متحف تذكّر بشيء ما في مكان ما بتأريخ ما، وتتطلب عصفا ذهنيا وذاكرة حية. وعليه، فإن الاهتمام بالمقابر أجدى وأكثر نفعا لأنها في النهاية بلا ذاكرة و"رحم الله قبرا لا يعرف".
يبقى السؤال: إذا كان إغلاق المتاحف عجزا عن سداد نفقات، فهل تقبل سلطة تعتبر نفسها دولة أن يقال عنها ذلك؟ وإن كان غير ذلك فليس غريبا على سلطة مثل سلطة صنعاء أن تفعل ما هو أخزى وأنكى.
ليس عجزا إذن، بل جريمة بكل المقاييس، وتعبير عن موقف من ذاكرة شعب بأكمله يراد لها أن تكون هي الأخرى قبرا لا يعرف.