عزز الأسطول الخامس الأمريكي تواجده العسكري في الشرق الأوسط، حيث وصل أكثر من 3 آلاف جندي أمريكي إلى المنطقة، في إطار خطة لتعزيز الوجود العسكري، وفي خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، مع تزايد مضايقات إيران لسفن وناقلات النفط العابرة لمياه الخليج العربي.
وذكر الأسطول الأمريكي الخامس، الذي يتخذ من البحرين مقراً له، أمس الإثنين، أن "بلاده تهدف من هذا الانتشار إلى ردع إيران عن احتجاز السفن وناقلات النفط"، وسبق أن تحدث مسؤولون أمريكيون عن وجود توجه لتعزيز الحضور العسكري في المنطقة، بعد تمادي طهران.
وتعزز هذه الخطوة الحشود العسكرية الأمريكية في ممرات مائية إستراتيجية وحيوية لتجارة النفط العالمية، ما أثار حفيظة طهران التي اتهمت واشنطن بالتسبب في حالة من “عدم الاستقرار” في المنطقة.
وأمس، قال الأسطول الأمريكي الذي يتخذ من البحرين مقراً في بيان "وصل أكثر من 3 آلاف بحار إلى الشرق الأوسط في 6 أغسطس (آب) الجاري، كجزء من خطة وزارة الدفاع المعلنة مسبقاً"، مضيفاً أن "السفينة الهجومية البرمائية (يو أس أس باتان) وسفينة الإنزال (يو أس أس كارتر هول) دخلتا البحر الأحمر، بعد عبورهما البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس".
وأضاف المتحدث باسم الأسطول الخامس، تيم هوكينز، أن "عملية الانتشار تؤكد التزامنا القوي والثابت بالأمن البحري الإقليمي"، وتابع "تضيف هذه الوحدات مرونة وقدرات تشغيلية كبيرة، حيث نعمل جنباً إلى جنب مع الشركاء الدوليين لردع النشاط المزعزع للاستقرار، وتخفيف التوترات الإقليمية الناجمة عن مضايقات إيران ومصادرة السفن التجارية".
الرد الإيراني
وفي رد على الخطوة الأمريكية، اعتبرت طهران أمس أن الانتشار الأمريكي يخدم مصالح واشنطن حصراً، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن “التواجد العسكري للحكومة الأمريكية في المنطقة لم يخلق الأمن أبداً. مصالحهم في هذه المنطقة تجبرهم دائماً على تأجيج عدم الاستقرار وانعدام الأمن”.
وأضاف في مؤتمر صحافي "نحن مقتنعون تماماً بأن دول الخليج قادرة على ضمان أمنها".
وكانت الولايات المتحدة أعلنت عن خطة زيادة عديدها هذه، الشهر الماضي، ويقول الجيش الأمريكي إن "إيران احتجزت أو حاولت السيطرة على زهاء 20 سفينة في المنطقة خلال العامين الماضيين".
وتأتي خطة تعزيز الوجود العسكري لواشنطن في وقت تشهد فيه منطقة الخليج نشاطاً دبلوماسياً معززاً، وخاصة تعميق الروابط بين دول المنطقة والصين.
رسالة للحلفاء
ويقول خبراء ومحللون إن "هذه الخطوة الأمريكية تعد رسالة إلى الحلفاء تؤكد فيها التزام واشنطن بالحفاظ على أمن المنطقة، ويرى البعض الآخر أن هذه التعزيزات تتعلق بتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، بالإضافة إلى محاولة الولايات المتحدة تحجيم روسيا عبر ملفات متعددة ومنها الملف السوري".
وقال المحلل في شركة "فيرسك ميبلكروفت" الاستشارية، طوربورن سولتفيدت، بهذا الشأن: "سيظل الأمن محوراً رئيسياً في العلاقات الأمريكية - الخليجية، حتى وإن تراجع التهديد الذي تشكله الهجمات الإيرانية ضد عمليات الشحن على المدى القصير”.
وتابع "تصور أن الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي لردع الهجمات الايرانية ضد (قطاع) الشحن الدولي سيستمر"، معتبراً أن هناك "حاجة إلى نهج جديد واضح".
تداعيات الحرب الأوكرانية
يقول الكاتب والباحث السياسي، فراس رضوان أوغلو لـ24: "الخلاف الأمريكي - الروسي يزداد كل يوم بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها، من تحالفات روسية مع دول مثل إيران والصين وكوريا الشمالية وغيرها، ومحاولة هذه الدول إيجاد قوة تنافس الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فإن واشنطن تسعى إلى تحجيم هذه التحركات عبر ملفات متعددة منها الملف السوري الذي يضر بروسيا عبر استنزافها على الأراضي السورية.
تهريب المخدرات
ويرى أغلو أيضاً أن "حلفاء واشنطن في المنطقة متضررون جداً من مسألة عدم قدرة الحكومة السورية على ضبط مسألة تهريب المخدرات، وأن دمشق غير قادرة لوحدها على ضبط هذه المسألة، لذا فإنه من المحتمل جداً أن تعمل واشنطن مع حلفائها لإنشاء منطقة عازلة لحماية الحدود من شرق الفرات في سوريا إلى الجنوب في التنف والأردن".
وأضاف الباحث السياسي خلال حديثه مع 24 أن "تركيا وبحسب التقارير وافقت على إرسال قوات من المعارضة السورية إلى تلك المناطق، من أجل دعم الموقف الأمريكي والحلفاء هناك".
وينوه أوغلو إلى أن "الولايات المتحدة تملك عشرات القواعد والنقاط في شمال شرق سوريا، أبرزها قاعدة "العمر" الواقعة في حقل نفطي يحمل الاسم ذاته في ريف دير الزور الشرقي، الذي يضم قيادة قوات التحالف في المنطقة، والقاعدة الأكبر هي قاعدة التنف الواقعة في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وهي تتبع للتحالف الدولي ضد الإرهاب وتضم قوات من عدة بلدان".
يضيف الكاتب والباحث السياسي أن "للإيرانيين حضور في شرق الفرات من خلال عشرات الميليشيات الموجودة في عدة قرى في ريف دير الزور شمال النهر، فضلاً عن كونها تسيطر على كامل ريف دير الزور جنوب النهر، ومدى أسلحتها يصل إلى القواعد الأمريكية"، وهذا ما قد يستدعي تأهباً أمريكياً مخافة أن تقوم هذه الميليشيات بأي عمل عدائي ضد القوات الأمريكية.
تصدير النفط السوري
أعرب أوغلو عن اعتقاده بأن "محاولة واشنطن خلق مسار لتصدير النفط السوري أمر وارد"، معللاً ذلك بأن "الأردن متضرر جداً من الحرب السورية التي أوقفت لسنوات عديدة كل عمليات النقل والعبور، حيث كان الأردن يعتمد بشكل كبير على أموال تلك العمليات من الشمال إلى الجنوب وبالعكس".
ويرى الباحث السياسي أن "التصدير عبر الأردن من المحتمل أن يكون له تداعيات غير جيدة مع الحكومة السورية، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ليست سهلة، لكنه لفت إلى إمكانية استخدامها كورقة مساومة، في حال لم تساعد دمشق الحكومة الأردنية بمسألة وقف تهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين".
تحجيم النفوذ الإيراني
ومن جهة أخرى، لفت أوغلو إلى أن "إسرائيل أيضاً تلعب دوراً في هذه المسألة حيث أنها ترفض وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا، التي يزداد نفوذها هناك يوماً بعد يوم بدعم من الحكومة السورية، وهو ما فتح لها أبواب عدة في الداخل السوري".
وأكد الباحث السياسي أن "واشنطن ستقف مع إسرائيل في حال قامت الأخيرة بضرب الميليشيات الإيرانية في الداخل السوري".
وتنفذ إسرائيل، منذ سنوات، هجمات على ما تصفها بأنها أهداف مرتبطة بإيران، بينها مستودعات أسلحة وذخائر بمناطق متفرقة في سوريا، حيث ينمو نفوذ طهران هناك منذ أن بدأت الحرب في سوريا عام 2011 ، كما حذرت تل أبيب عدة مرات من أنها لن تسمح بزيادة نفوذ إيران في سوريا.