• الساعة الآن 01:53 AM
  • 15℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

كيف أدى اختفاء مسؤولي صنعاء بعد الغارات الأمريكية إلى شلل إداري؟

news-details

 

النقار - خاص

أدت الغارات الأمريكية الأخيرة إلى حالة من الشلل الإداري غير المسبوق في مؤسسات الدولة بمناطق سيطرة جماعة أنصار الله، حيث دفع القصف المكثف—الذي تجاوز 40 غارة في يومه الأول—مسؤولي الجماعة إلى الاختفاء، ومعهم توقفت معاملات المواطنين وتراكمت القضايا الإدارية العالقة.

إدارة غائبة ومؤسسات مشلولة

منذ بدء القصف، اختفى مسؤولو الصف الأول عن المشهد، وتبعهم مسؤولون في المستويات الوسطى، تاركين مكاتبهم دون أي توجيه إداري. أُغلقت الهواتف، وتوقفت حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أن بعضهم تخلوا عن الأجهزة الذكية واكتفوا بهواتف قديمة يحملها مرافقيهم، كإجراء أمني.

يقول سليم ناجي: “لدي معاملة في مكتب رئاسة الوزراء كان يفترض إنجازها السبت الماضي، لكنها تعرقلت بسبب غياب المسؤولين. أذهب يوميًا للمتابعة، لكن لا أسمع سوى الجواب المكرر: (لم توقّع، المدير لا يداوم).”

أما فتح حسن، فلديه معاملة لإطلاق نصف راتب موقوف لأحد أقاربه المرضى الذي يتلقى العلاج في الخارج. لكن بسبب اختفاء الوزير والمسؤولين المعنيين، تعطلت المعاملة، بحجة الظروف الأمنية.

المحسوبية تكشف نفسها

لم تكشف هذه الغارات فقط هشاشة الإدارة الحوثية، بل أظهرت حجم المحسوبية داخل أجهزة الدولة. إذ أن المسؤول الذي يختفي بدعوى الاحتراز الأمني، يختفي معه أقاربه الذين تم توظيفهم في نفس المؤسسة، ما أدى إلى شلل تام في بعض الإدارات.

يقول أحد الموظفين: “في بعض المكاتب، لا يوجد أحد لإنجاز المعاملات، لأن المسؤول اختفى وأخذ معه كل من عيّنهم من أقاربه.”

السوق السوداء للمعاملات الحكومية

مع اختفاء المسؤولين، وجد بعض الموظفين والمرافقين فرصة للثراء عبر فرض عمولات غير رسمية لإنجاز أي معاملة. يبدأ الأمر بإخبار المواطن أن المسؤول غير متوفر، لكن يمكن الوصول إليه عبر أحد أقاربه أو مرافقيه مقابل مبلغ مالي. هذه العمولات قد توزع على عدة وسطاء، ما يضاعف التكلفة على المواطن.

يقول سعيد، أحد المواطنين المتضررين: “ظللت أراجع مكتب أحد المسؤولين لإنجاز معاملتي، حتى دلّني أحدهم على موظف يعرف أحد أقارب المرافق الشخصي للمسؤول. طلب مني دفع مبلغ مقدمًا لإيصال المعاملة، لكن حتى الآن لم تُنجز، وكل مرة يخبرني الموظف أنها ستتم قريبًا.”

فساد مقنّن باسم الأمن

بعض المسؤولين استغلوا الغارات للتهرب من الدوام في نهار رمضان، بينما استمروا في جني الأموال عبر سماسرة داخل مكاتبهم. يقول سامي فضل: “سلّمت معاملتي التي تحتاج توقيع المسؤول الأول وختم الجهة، واضطررت لدفع مبلغ مالي فقط للحصول على توقيع وختم!”

أما محمد المقرن، فاضطر لدفع ضعف ما كان متوقعًا لإنجاز معاملته بسرعة، حيث قال له الموظف: “إذا أردت أن تنجز اليوم، عليك الدفع أكثر.”

الابتزاز يصل إلى التجار

حتى التجار لم يسلموا من هذا الاستغلال، حيث استغل بعض المسؤولين الوضع لرفع قيمة الرشاوى اللازمة لإنجاز المعاملات التجارية. يقول أحمد، موظف في شركة خاصة: “ما كنا ننجزه سابقًا بعشرين ألف، صار يكلف خمسين ألف، ومع تأخير أطول. المسؤولون صاروا مختفين، ولا يمكن الوصول إليهم إلا عبر وسطاء، وكل واحد لا يتحرك إلا بمقابل.”

الشلل الإداري يكشف بنية الدولة الهشة

ما يحدث في المؤسسات الحكومية اليوم ليس مجرد تعطيل مؤقت بسبب الغارات، بل هو انعكاس لبنية إدارية قائمة على الولاء والمحسوبية، لا على الكفاءة والمهنية. غياب المسؤولين أدى إلى انهيار تام للمعاملات الحكومية، لأن إداراتهم لم تُبنَ على أسس مؤسسية، بل على شبكة من العلاقات الشخصية والمصالح المتبادلة.

الغارات كشفت بوضوح أن سلطة جماعة أنصار الله لا تعتمد على نظام إداري متماسك، بل على أفراد يتعاملون مع الدولة كغنيمة. وهذا يفسر كيف أن كل أزمة تتحول إلى فرصة للإثراء، مما يثبت أن هذه السلطة غير قادرة على التحول إلى دولة فعلية.

شارك الخبر: