خاص - النقار
شنت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، ضربات جوية واسعة النطاق أمس على أهداف تابعة لجماعة أنصار الله، ردًا على هجماتهم المستمرة على الشحن في البحر الأحمر. وبعد ساعات فقط من هذه العملية، التي أسفرت عن مقتل اكثر من 50 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 100، ظهرت تقارير عن محادثة هاتفية بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
هذه الخطوة الدبلوماسية أثارت تساؤلات حول دوافع واشنطن لفتح قناة تواصل مع موسكو في خضم تصعيد عسكري كبير. فلماذا لجأت الولايات المتحدة إلى روسيا؟ وكيف يرتبط ذلك بالدور الإيراني في الأزمة اليمنية؟ يستعرض هذا المقال التحليلي الأسباب الكامنة وراء هذا التحرك، مع التركيز الخاص على إيران كعامل محوري في المعادلة.
الدوافع الأمريكية لفتح القناة الدبلوماسية
1. احتواء التصعيد الإقليمي
الضربات الأمريكية على اليمن لم تكن مجرد عمل عسكري ضد جماعة أنصار الله، بل رسالة موجهة إلى إيران، الداعم الرئيسي للجماعة. لكن هذا التصعيد يحمل مخاطر كبيرة، أبرزها رد إيراني مباشر أو غير مباشر عبر وكلائها في المنطقة، سواء في اليمن أو العراق أو لبنان.
فتح قناة دبلوماسية مع روسيا، التي تمتلك علاقات قوية مع طهران، يعكس رغبة واشنطن في احتواء هذا التصعيد. روسيا، بصفتها لاعبًا مؤثرًا في الشرق الأوسط وحليفًا لإيران، يمكن أن تلعب دور الوسيط لضمان عدم تحول الضربات إلى مواجهة أوسع تشمل إيران أو أطرافًا أخرى في محور المقاومة.
2. إدارة العلاقات مع روسيا
منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أثيرت تكهنات حول تحول محتمل في العلاقات الأمريكية-الروسية، خاصة بعد سنوات من التوتر بسبب أوكرانيا وسوريا. فتح قناة دبلوماسية حول اليمن قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة ضبط العلاقات مع موسكو.
من خلال إشراك روسيا في الأزمة اليمنية، قد تسعى واشنطن إلى اختبار استعداد موسكو للتعاون في قضايا إقليمية، مما قد يمهد لتفاهمات مستقبلية حول قضايا أخرى مثل إيران أو الوضع في أوكرانيا.
3. محدودية الخيارات العسكرية
على الرغم من قوة الضربات الأمريكية، يدرك المسؤولون في واشنطن أن جماعة أنصار الله أظهرت مرونة كبيرة في مواجهة الهجمات العسكرية على مدى السنوات الماضية، سواء من الولايات المتحدة أو السعودية. الضربات وحدها لن توقف هجمات الجماعة على الشحن، كما أشار محللون في Atlantic Council.
هذا الواقع دفع الولايات المتحدة للبحث عن حلول دبلوماسية مكملة، وروسيا، بفضل نفوذها على إيران والجماعة، تُعد خيارًا عمليًا للضغط من أجل تهدئة الوضع.
4. الضغط الداخلي والدولي
تقارير مثل تلك الواردة من The Independent وAP News أشارت إلى الخسائر المدنية الكبيرة الناتجة عن الضربات، مما أثار انتقادات داخلية ودولية محتملة لإدارة ترامب.
فتح قناة مع روسيا يمكن أن يكون محاولة لتخفيف هذا الضغط من خلال إظهار استعداد واشنطن للتعاون مع لاعبين دوليين كبار لإيجاد حل سياسي، بدلاً من الاعتماد فقط على الحل العسكري.
دور إيران في المعادلة
إيران تُعد العامل الأكثر أهمية في تفسير التحرك الأمريكي نحو روسيا. كداعم رئيسي لجماعة أنصار الله، توفر طهران الأسلحة والتدريب والدعم اللوجستي الذي يمكّن الجماعة من تنفيذ هجماتها على الشحن في البحر الأحمر.
الضربات الأمريكية، التي وصفها ترامب بأنها تحذير لإيران، تهدف إلى ردع طهران عن مواصلة دعمها للجماعة. لكن هذا النهج يواجه تحديات معقدة:
1. نفوذ إيران على جماعة أنصار الله
على عكس حزب الله في لبنان، لا تمتلك إيران سيطرة كاملة على قرارات الجماعة. الجماعة تتمتع باستقلالية نسبية في عملياتها، مما يعني أن الضغط على إيران قد لا يوقف هجماتهم بشكل فوري.
هنا يأتي دور روسيا، التي يمكنها الضغط على طهران لتقليص دعمها أو إقناع الجماعة بالتراجع كجزء من تسوية سياسية.
2. المواجهة المباشرة مع إيران
الولايات المتحدة تدرك أن المواجهة المباشرة مع إيران في اليمن قد تؤدي إلى تصعيد خطير، سواء عبر هجمات إيرانية على أهداف أمريكية في الخليج أو استهداف حلفاء واشنطن مثل السعودية والإمارات.
فتح قناة مع روسيا يسمح للولايات المتحدة بإرسال رسائل غير مباشرة إلى إيران عبر موسكو، مما يقلل من مخاطر الصدام المباشر.
3. العلاقات الروسية-الإيرانية
روسيا وإيران تربطهما شراكة استراتيجية، خاصة في سوريا، لكن مصالحهما ليست متطابقة دائمًا. روسيا قد لا ترغب في أن يؤدي التصعيد في اليمن إلى تعقيد وضعها في المنطقة، خاصة إذا أثر ذلك على استقرار البحر الأحمر، وهو ممر حيوي للتجارة العالمية.
واشنطن قد تستغل هذا التناقض لدفع روسيا للضغط على إيران لتجنب حرب إقليمية أوسع.
4. السياسة الداخلية الإيرانية
إيران تمر بمرحلة حساسة داخليًا، مع ضغوط اقتصادية وتوترات سياسية. الضربات الأمريكية قد تعزز موقف المتشددين في طهران الذين يدعون إلى رد قوي، لكنها قد تدفع أيضًا المعتدلين للضغط من أجل الحوار.
روسيا، بصفتها حليفًا لإيران، يمكن أن تلعب دورًا في تعزيز هذا الحوار، مما يخدم هدف أمريكا في تقليص الدعم لجماعة أنصار الله دون مواجهة مباشرة.
الخلاصة
فتح قناة دبلوماسية مع روسيا يعكس استراتيجية أمريكية متعددة الأبعاد:
• ردع عسكري للجماعة
• ضغط غير مباشر على إيران
• تجنب تصعيد إقليمي قد يضر بمصالح واشنطن وحلفائها
إيران، كقوة مركزية في الأزمة، تُعد الهدف النهائي لهذه الاستراتيجية، لكن محدودية النفوذ الأمريكي المباشر على طهران جعل روسيا شريكًا ضروريًا في هذه المرحلة.
هذا التحرك قد يكون أيضًا محاولة من ترامب لإثبات قدرته على الجمع بين “القوة العسكرية” و”الدبلوماسية الذكية”، وهي رؤية يروج لها أنصاره.
ومع ذلك، تبقى النتائج غير مؤكدة. إذا فشلت روسيا في الضغط على إيران أو الجماعة، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام خيارين:
• تصعيد عسكري أكبر
• التراجع
وكلاهما يحمل مخاطر سياسية وعملياتية. في الوقت نفسه، قد تستغل إيران الوضع لتعزيز دعمها للجماعة كورقة ضغط على واشنطن وحلفائها، مما يجعل الدور الروسي حاسمًا في تحديد مسار الأزمة.
القناة الدبلوماسية مع روسيا تُظهر أن الولايات المتحدة تدرك تعقيدات الصراع في اليمن وارتباطه بإيران كلاعب إقليمي رئيسي.
الهدف ليس فقط ردع جماعة أنصار الله، بل إدارة شبكة معقدة من العلاقات تشمل إيران، روسيا، وحلفاء أمريكا في المنطقة. مع استمرار التطورات، ستكون الأيام القادمة حاسمة لمعرفة ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤدي إلى تهدئة أم إلى تعقيد إضافي للوضع في اليمن والمنطقة ككل.