• الساعة الآن 05:05 PM
  • 24℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

هل يساعد الصيام في الحد من أعراض التوحد وتحسين الحالة النفسية؟

news-details

"ما شعرت به أن الصيام يقلل من أعراض التوحد لديّ، مثل العزلة الاجتماعية، والتوتر، كما يعزز قدرتي على تكوين الجمل والكلمات، وعلى التركيز، وأشعر أن عقلي يعمل بشكل أفضل، وأسرع"، هذا ما قاله عصام (اسم مستعار) لبي بي سي عربي، وهو طبيب في العشرينات من عمره.

وأضاف: "طوال حياتي، أشعر بالنشاط والسعادة أثناء الصيام، كما أشعر بالهدوء وراحة البال، والقدرة على الدراسة بتركيز أكبر، ويتراجع كل ذلك عند تناول الطعام". ويوضح عصام أنه يشعر بتأثير الصيام "منذ اليوم الأول".

وتشير بعض الدراسات إلى أن الصيام بشكل عام يُمكن أن يحد بالفعل من أعراض اضطراب طيف التوحد، بالإضافة إلى تأثيره الإيجابي على الجهاز العصبي.

وذكرت دراسة على موقع مجلة "نيتشر" العلمية الشهيرة أن الصيام المتقطع "يعد تدخلاً بيئياً يُعرف بتأثيراته الوقائية العصبية"، حيث ثبت أنه "يُحسن التعلم، ويعزز الذاكرة والإدراك"، لذلك، فإنه يُمكن أن يؤدي إلى "تحفيز الجهاز العصبي المركزي".

كما أظهرت دراسة علمية نُشرت على موقع "معهد النشر الرقمي متعدد التخصصات" في سويسرا، أن الصيام والامتناع عن تناول السعرات الحرارية، أو الحد منها بشدة، لمدة تتراوح بين 12 إلى 48 ساعة، بالتناوب مع فترات من تناول الطعام بشكل منتظم، "أدّى إلى تأثيرات إيجابية واعدة، على الصحة العصبية"، وذلك وفقا للتجارب التي أجريت على نماذج حيوانية.

ويقول الدكتور طارق السحراوي، مدرس الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس، واستشاري الطب النفسي للبالغين والأطفال، لبي بي سي عربي، إن الصيام "يحسن وظائف الجهاز الهضمي بالفعل".

ويضيف قائلا: "هناك نظرية شائعة جداً عن علاقة اضطرابات والتهابات الأمعاء بالإصابة بالتوحد، حيث تشير تلك النظرية إلى وجود سموم تتسرب عبر جدار الأمعاء، وتسير مع الدم، وتؤثر على الدماغ، ويُمكن أن تسهم في ظهور اضطراب طيف التوحد".

7 حقائق مدهشة عن الأمعاء التي تعتبر "الدماغ الثاني للإنسان"

وأضاف السحراوي لبي بي سي أن الصيام يؤدي إلى الحد من تناول السكريات والنشويات، والأطعمة التي تحتوي على المواد الحافظة، و"بالتالي يُمكن أن يؤدي إلى تحسين التركيز، وتقليل فرط الحركة، التي قد يعاني منها ذوو اضطراب طيف التوحد".

ويقول عصام، الطبيب العشريني، عن تجربته مع التوحد: "بدأت الصيام منذ أن كان عمري تسع سنوات، حينما كنت في الصف الرابع الابتدائي. وأتذكر أنني كنت مثل أي طفل، أشعر بالتعب من الصيام، لكنني أرغب أن يُشاد بي، وأن أسمع عبارات التشجيع، وأريد أيضاً أن أدخل الجنة".

ويضيف: "أصبحت أخشى أن أتناول الطعام، حتى لا أشعر بالتعب، حيث أشعر بألم في بطني وجسدي، وتتغير حالتي المزاجية".

"تعزيز عمل الحواس وتحسين الحالة النفسية"

تواصلت بي بي سي مع عدد ممن لديهم اضطراب طيف التوحد، وتحدث بعضُهم إلينا عن "التأثير الإيجابي للصيام" على قدراتهم الدماغية، وتعزيز عمل الحواس، وتحسين حالتهم النفسية.

يقول أحمد (اسم مستعار)، وهو طالب جامعي في العشرين من عمره، لبي بي سي عربي: "من خلال تجربتي، يؤثر الصيام على الحواس، بمعنى أن تركيزي وحضوري يكون في مستوى أعلى، كذلك أشعر أن باقي الحواس تكون أفضل، مثل السمع، واللمس، بالإضافة إلى إحساسي بالوقت، بينما أشعر بخمول أكثر عندما أتناول الكثير من الطعام".

ويضيف: "بدأت الصيام في رمضان عندما كان عمري اثني عشر عاما، لكنني بدأت في ممارسة الصيام بهدف تحسين التركيز، وعمل وظائف الجسم، منذ أن كان عمري 18 عاماً".

ويقول: "أحياناً ألجأ إلى الصيام المتقطع، كأن أتناول وجبة أو وجبتين، ثم أتوقف". ويوضح أنه قد يشعر في البداية بالتعب والإرهاق، ويكون الصيام صعباً، ويرى أن "المشكلة في الصيام هي نقص المياه والأملاح".

مرض التوحد: أربعة مفاهيم خاطئة ينبغي التخلص منها

في الوقت نفسه، تقول دراسة نُشرت على موقع "ببميد سنترال" PubMed Central، وهي قاعدة بيانات رقمية للمؤلفات العلمية، إنه استناداً إلى الأدلة التي تثبت أن الصيام بشكل عام يحسن الإدراك ويقلل من القلق، فإن الصيام المتقطع "قد يوفر تدخلاً غير دوائي آخر، لتحسين أعراض اضطراب طيف التوحد".

وأضافت الدراسة أن "الصيام المتقطع، مع ممارسة الرياضة وتجنب تناول الفركتوز، يمنع الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي، ويعيد استثارة الشبكة العصبية إلى طبيعتها، ويحسن السلوكيات الشبيهة باضطراب طيف التوحد، كما في النماذج الحيوانية".

وتقول رنا(اسم مستعار) لبي بي سي عربي: "الصيام الإسلامي هو صيام جاف تماماً، لمدة 16 ساعة تقريباً، ويجعل التركيز لديّ عالياً، ويحسن حالتي النفسية، ويضبط وزن الجسم". وأضافت أنها تحرص على تناول أطعمة صحية عند الإفطار.

"الالتهام الذاتي للخلايا التالفة" 

فسر عدد من المختصين الأسباب العلمية التي قد تجعل الصيام يحد من أعراض التوحد لدى البعض.

وأوضح الدكتور عبد الهادي الذيابي، أستاذ التربية الخاصة في جامعة أم القرى بمكة، والذي أجرى العديد من الدراسات حول التوحد، لبي بي سي عربي، أن الصيام "يُمكن أن يحفز عمليه الالتهام الذاتي، من خلال تكسير وإزالة الخلايا التالفة والضارّة من الجسم، وهذه العملية تساعد في تحسين صحة الخلايا بشكل عام، وتسهم في تحسين وظيفة الدماغ، والأداء العقلي، ما يساعد في تقليل أعراض التوحد".

وأضاف: "هناك بعض الدراسات التي تقول إن الصيام قد يساعد في تقليل بعض الأعراض المرتبطة بالتوحد، مثل القلق الزائد، والسلوكيات الحركية، أو غيرها من السلوكيات الأخرى، المتعلقة بالدماغ، ولكنها لا تزال دراسات محدودة".

هل تتحسن صحتك عن طريق "الالتهام الذاتي" لخلايا الجسم؟

ويوضح الدكتور محمد الساعدي، الطبيب النفسي الاستشاري في لندن، لبي بي سي عربي، أن "الصيام يساعد في تقليل تأثير البكتيريا الضارة داخل الأمعاء على الجسم، لذلك فإن الأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد يرتاحون تماماً أثناء الصيام، ما يحسن حالتهم النفسية".

وأضاف أن الصيام يعطي فرصة للخلايا "للتخلص من المواد السامة بشكل أفضل"، وأوضح أن الإنسان عندما يأكل باستمرار، أو أكثر من اللازم، "تتعب الخلايا بسبب العمل المستمر، سواء خلايا الأمعاء أو الخلايا الأخرى، مثل خلايا الكبد، والكلى، وحتى العضلات، فالتخلص من الطعام الزائد صعب جداً على الخلايا، لذلك ترتاح خلايا الجسم أثناء الصيام".

مدى القدرة على الصيام

يقول الدكتور الذيابي إن الصيام يجب أن يكون تحت إشراف الطبيب المختص، خاصة فيما يتعلق بالأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد من الدرجتين المتوسطة والشديدة، لأن الصيام يختلف بشكل كبير من شخص لآخر، وقد يكون له تأثيرات إيجابية على البعض، بينما قد يعاني آخرون من تأثيرات سلبية، مثل التوتر، وانخفاض الطاقة، أو تغيير الروتين اليومي، أو نقص التغذية.

وتحدثت بعض الأمهات لبي بي سي، عن صعوبة تدريب أبنائهن على الصيام، مشيرين إلى التأثير السلبي للصيام عليهم.

تقول سناء (اسم مستعار) لبي بي سي عربي: "أعلم أن الصيام يعمل على تصحيح مشاكل الجهاز الهضمي، لكن لا يمكنني أن أطلب من طفلي الصيام، لأنه لن يستطيع أن يخبرني بشعوره في حالة الجوع، أو العطش، أو الصداع".

ويوضح الدكتور السحراوي أن الطفل الذي لديه اضطراب التوحد "يرتبط بروتين محدد، له علاقة بكل الطقوس اليومية، وأي تغيير في أوقات الأكل أو النوم، قد يزيد القلق والتوتر لديه، نظراً لاضطراب هذا الروتين".

وأوضح أيضا أن التعرض أحياناً للكثير من الطعام، خلال شهر رمضان، قد يؤدي إلى اضطراب في الأمعاء، أو يزيد الحساسية تجاه أنواع محددة من الطعام، ما يؤثر على أعرض التوحد. وحذر من أن عدم ثبات أو انخفاض مستوى السكر في الدم بالنسبة لذوي اضطراب طيف التوحد، يُمكن أن يؤثر على السلوك، أو الحالة المزاجية لديهم، وقد يؤدي إلى نوبات غضب وهياج.

مرض التوحد "يبدأ عند تشكل الجنين في الرحم"

وتقول نهى (اسم مستعار) لبي بي سي عربي: "طفلي لم يكن يتناول الطعام لساعات طويلة، وكأنه صائم، ولم يحدث أي تقدم في حالته، وهؤلاء الأطفال بحاجة إلى تغذية جيدة للغاية، لأنهم معرضون لنقص عدد هائل من الفيتامينات والمعادن".

ويؤكد الدكتور محمد عجوة، الأستاذ المساعد المختص في اضطراب طيف التوحد، ووكيل كلية علوم ذوي الاحتياجات الخاصة، في جامعة بني سويف بمصر، لبي بي سي عربي: "تصعب التوصية بالصيام مع حالات التوحد الشديد، بينما يمكن تدريب الطفل تدريجياً في حالات التوحد المتوسط. أما حالات التوحد البسيط، فقد يكون الصيام مفيداً على الجانب الصحي، والديني، والاجتماعي".

وينصح الدكتور عجوة بأن يكون الصيام تدريجياً، من خلال البدء بصيام متقطع في أول الأمر، ثم صيام متصل من الفجر وحتى المغرب، نظراً لبعض العوامل المرتبطة بتغيير الروتين لدى الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد".

تنمية المهارات الاجتماعية والنفسية

يُعرف شهر رمضان بالتجمعات العائلية، وصلوات الجماعة، فهل يمكن أن تسهم هذه التجمعات في اندماج الأطفال من ذوي التوحد مع المجتمع؟ أم أنها تمثل عبئاً عليهم؟

يرى الدكتور محمد عجوة أن التجمعات العائلية "قد تمثل عبئاً على ذوي اضطراب طيف التوحد، أكثر من كونها تمثل فرصة لهم، خاصة مع الحالات شديدة الاضطراب".

وأوضح أن معظم أطفال التوحد على سبيل المثال "يفضلون بيئة ثابتة بالنسبة لهم، ولذا، فإن تغيير هذه البيئة، من خلال التجمعات، قد يمثل مشكلة للطفل، لأن هذا التغيير ربما يصاحبه بعض نوبات الغضب".

وأضاف أن المشكلة لدى الطفل من ذوي طيف التوحد "تتمثل في وجود قصور في قدرته على قراءة عقول الآخرين، ومعتقداتهم، وقد يبدو الأمر كأنه يعيش مع أشخاص لا يفهمهم، ولا يستوعبونه، وعندما يحدث تغيير، فقد يسبب له مشكلة، ويؤدي إلى إدخاله في نوبة من الغضب".

ولذلك، ينصح الدكتور عجوة بضرورة "التمهيد لفكرة هذه التجمعات قبل تنظيمها، وتهيئة الطفل بشكل مناسب لها، من خلال جداول النشاط المصور على سبيل المثال، وتعريف الطفل بأن هذا الوقت سيشهد حضور بعض الأقارب"، موضحاً أن هذا الأمر قد يتناسب أكثر مع ذوي اضطراب التوحد من الدرجتين البسيطة والمتوسطة، وقد يصعب مع ذوي الدرجة الشديدة من التوحد.

"رحلتي مع التوحد: هكذا واجهت المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي"

ويقول الدكتور عجوة: "هناك ثلاثة أنماط لذوي التوحد: الأول، يكون فيه الشخص أعزلاً، ولا يحب التواصل، ولا يبادر، ولا يستجيب. النوع الثاني: ويتعلق بالشخص اللامبالي، الذي تحركه دوافعهُ واحتياجاته الشخصية، وهذا النوع يعرف بأنه متوسط الدرجة. ويمكن أن يستفيد هذا الشخص من خلال تنظيم البيئة له، وخلق دوافع لتشجيعه".

أما النوع الثالث، فيرتبط بالشخص "الذي لا يجيد التعامل الاجتماعي، ويحاول التواصل لكن تنقصه المهارات اللازمة لذلك. وعلينا أن نساعده في اكتساب مهارات المحادثة، وآداب الحوار، ومهارات اجتماعية أخرى في التجمعات، بشرط أن تكون الأمور مرتبة ومنظمة، وغير مفاجئة قدر المستطاع".

ويضيف أنه "يمكن تدريب ذوي الأداء الوظيفي المرتفع، على الصلاة في المسجد مثلاً، وربما تجد لديهم قليلاً من عدم الالتزام بالتعليمات في البداية، لكن مع التدريب يكون الوضع أفضل".

وفي هذا الإطار، يقول الدكتور السحراوي: "في بعض أنواع التوحد، مثل التوحد عالي الأداء، أو متلازمة أسبرغر، يكون لدى الأطفال قدرة أكبر على التواصل مع العالم المحيط بهم، وبالتالي قدرتهم على الصيام ستكون أفضل، حيث يُمكنهم أن يستوعبوا معنى الصيام، ومغزاه الديني أو الصحي".

ويرى السحراوي أن الصيام "يُمكن أن يساعد على تنظيم العادات الغذائية لطفل التوحد، ما يساعد في تقليل الانتقائية الغذائية، بمعنى أن الكثير من الأطفال ينتقون الطعام، ولا يتناولون إلا أطعمة محددة، لذلك فإن تنظيم العادات الغذائية المرتبطة بالصيام يُمكن أن يسهم في تحسين عادات الأكل لديهم".

ورغم ما ذكر عن فوائد الصيام لذوي اضطراب طيف التوحد، لا بد من مراجعة الطبيب المختص أولا لتحديد التعليمات والتوصيات اللازمة في هذا الشأن، كل حسب حالته.

ويؤكد الدكتور الذيابي أن هناك حاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات التفصيلية حول تأثير الصيام على الأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد، على أن تقدم هذه الدراسات التوصيات اللازمة، والخاصة بكل نمط من أنماط هذا الاضطراب.

شارك الخبر: