خاص - النقار
يبدو عبد الجبار الجرموزي كما لو كان في عهد خليفة عباسي وراح بكل السبل يثبت لذلك الخليفة صوابية اختيار رجل مثله في منصب رئيس ديوان العطاء. وها هو في لحظة انتشاء كبرى يرى ما حققته خطته المالية من رفاه كبير، فلا يملك إلا أن تدمع عيناه ويصدر المنشور تلو الآخر بأن ما قام به كان معجزة حقا.
ربما أن الزاوية التي ينظر منها قد جعلته يعتقد فعلا بأن تلك "الإنجازات" قد تحققت على أرض الواقع، بحيث على خطباء الجمعة، أسوة بجوقة المطبلين الإكسيين، أن يذكروا ذلك في خطبهم، وربما لو كان الطبري أو ابن الأثير موجودا لطلب منه أن يؤرخ لتلك اللحظة الجرموزية الفارقة من تاريخ اليمن.
صحيح أن حمى التنافس بين مسؤولي سلطة صنعاء على خطف الأضواء حتى من بعضهم البعض، ليست غريبة، لكنها عند الجرموزي أخذت طابعا كاريكاتوريا ربما منشؤه التدرج السريع في المناصب، من مسؤول محلي في محافظة الحديدة إلى رئيس مصلحة الضرائب ثم وزير مالية. وبالتالي يريد لإنجازاته كوزير أن تشبه ذلك التدرج السريع، بصرف النظر عن اعتبار الكثيرين لها مجرد تهريجات الغرض منها الضحك على الذقون. فهؤلاء يكفي أن يشهر في وجوههم تفويض "السيد" للجرموزي حتى يسكتوا، خصوصا إذا كانوا من أمثال محمد علي العماد رئيس قناة الهوية والذي لا يرى فيه الجرموزي إلا تجسيدا للابتزاز والرخص، فضلا عن أن التيشرتات وبنطلونات ما تحت الخصر، والتي عادة ما يظهر بها العماد، قد تفضي بالعديد من المحسوبين على جماعة أنصار الله، من بينهم الجرموزي، إلى السؤال ما إذا كانت الهوية الإيمانية التي تريد الجماعة أن تطبقها على المجتمع مستنسخة من "هوية" العماد.
تلك مشكلتهم على أية حال، فالعماد ليس ذلك التربوي في مكتب تربية خميس بني سعد أو فرع العدين والذي رأى اسمه ساقطا من كشوفات نصف الراتب الجرموزية فكانت تلك آخر ومضة أمل في عينيه للحياة، ولا هو ذلك الجندي الذي أصبح عامل بوفيه يجمع ما يستطيع جمعه في آخر الليل لإطعام صغاره، حريصا على ألا يفقد رقمه العسكري مع كل لجنة معاشات، ولا موظف البلدية الذي يخشى على مكنسته من التلف حتى لا تقوم رئاسة صندوق النظافة بفصله من درجته الوظيفية وإحلال آخر بدلا عنه، فهؤلاء وأمثالهم لا يلتفت إليهم الجرموزي ولا تصل أصواتهم إليه.