خاص | النقار - غمدان العرومي
يستقبل ضيوفه كل يوم، يدعوهم من كل الأماكن والاتجاهات، وحين يحضرون يجلس على كرسيه أمامهم، نافخًا صدره قليلًا للأمام، واضعًا رجله اليمنى على اليسرى، محاولًا إظهار ثقته الكامنة في الشخصية المناسبة، ثقة مبالغًا فيها بشكل غريب. إنه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة صنعاء، الصحفي السابق جمال عامر، رئيس تحرير وناشر صحيفة “الوسط” المعروفة في الوسط اليمني إلى ما قبل عشرة أعوام.
يقدم جمال عامر نفسه خبيرًا في العلاقات الدولية ومحترفًا فذًّا في صناعة التحالفات الدبلوماسية، لكنه، ومنذ توليه حقيبة الوزارة في حكومة “البناء والتغيير”، لم يجد كثيرًا من المهام التي يطمح لها. لم يحقق أمنيته القديمة بتولي مهام الوزارة سوى في فترة زمنية ليس لها أي جدوى تُذكر. لذلك، يظهر في كل مرة عبر لقاءات بعيدة عن مجال عمله ومهامه. لكنه، وعلى ما يبدو، يشغل منصبه ووجوده بأي شيء مناسب أو غير مناسب. الأهم في ذلك كله: نفخة الصدر، ورفع القدمين، مع عودة نشاطه اليومي المتشنج على وسائل التواصل الاجتماعي.
جمال عامر، صاحب الطموحات الماضية بالسلطة المطلقة، يعيش اليوم خديعة الوزارة الفارغة من مضمونها. ومع إدراكه المتكرر لهذا الأمر، يحاول جاهدًا إشغال نفسه بما يعود عليه ولو قليلًا بالطمأنينة، طمأنينة الأهمية والبطولة والنجاح. ستجدونه يقابل محافظ ذمار للحديث معه عن مشاريع السلطة المحلية في المحافظة، وستجدونه أيضًا يطلب استضافة ممثلي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في صنعاء للحديث معهم عن أي شيء يحبون النقاش حوله، فقط ليحضروا من أجل التقاط صورة للقاء المهم. وفي يوم آخر، ستجدونه ينشر على صفحته في “فيسبوك” كلامًا خارقًا لتهديد أمريكا وحلفائها، مستشهدًا على قدرته الفذة في إدارة الصراع الدبلوماسي المعزز للقدرات العسكرية.
وهكذا، يومًا بعد آخر، ينفخ صدره، ويرفع قدمه، ويهدد أمريكا، ويستقبل العابرين، أيًّا كانوا، أمام الوزارة، بلا فاعلية تُذكر أو مهام تُنجز، فقط لممارسة الدور بكامل حكايته، حتى وإن كان يدرك أنه مزيف. بعدها يعود إلى البيت مساء كل يوم، متوشحًا حقيبته “المهمة جدًّا”، ليجلس في عزلته الليلية متصفحًا صفحته في “فيسبوك” قليلًا، حتى يتحمس أكثر، ثم يعود ويهدد أمريكا وحلفاءها، متوعدًا إياهم بالسحق القريب، متجاهلًا مئات الساخرين منه ومن تصرفاته.
لكنها حقيقة غريبة عن شخصية براغماتية تم استهلاكها بشكل تام. شخصية تحدثوا كثيرًا عن كفاءتها وقدرتها وخبرتها ومناسبتها لمنصب الوزارة. يوم تنصيبه، قالوا عنه: “سيشهد الملف الدبلوماسي لصنعاء انفراجة قادمة مع تولي جمال عامر حقيبة الخارجية”. يومها بشروا بأن المراقبين والخبراء يتوقعون أن يتمكن عامر من تحقيق اختراق دبلوماسي كبير لصالح صنعاء عبر جهود دبلوماسية سيقودها مع عدد من الدول التي تربط اليمن بها علاقات سابقة ومصالح مشتركة، بما لا يعيق المسارات الأساسية للتسوية السياسية في اليمن في المستقبل القريب.
وفي النهاية، وجد الرجل نفسه في وزارة بلا مهام، يفكر بطموحات لم تتحقق ومهام لا تنجز، ليصبح رمزًا للفراغ الدبلوماسي الذي تعيشه صنعاء.