خاص | النقار
يتحدث القيادي في جماعة أنصار الله عبد القادر المرتضى، المعين رئيسا للجنة شؤون الأسرى في صنعاء، عن نقاط التقاء ونقاط اختلاف ظلت على الدوام بين جماعته ونظام بشار الأسد في سوريا.
صحيح أن كثيرا من قيادات وناشطي أنصار الله عبروا بشكل أو بآخر عن موقف يشوبه التشفي تجاه بشار الأسد، لكن المنطلقات عند كل واحد منهم تختلف عنها عند الآخر. فالأمر مثلا عند نصر الدين عامر ينحصر في كون الأسد قام بطرد طاقم سفارة صنعاء من دمشق، فـ"لمن يسأل عن سلامة سفارتنا في سوريا وطاقمها.. سفارتنا في سوريا أغلقها بشار مقابل فتح السفارة السعودية وغادر السفير التابع لحكومتنا وطاقم السفارة وعادوا إلى صنعاء في حينها تقريبا في شهر 10 /2023". وبالتالي إذا كان موضوع السفارة هو المنطلق عند نصر عامر، فثمة مواضيع أخرى عند آخرين وهكذا.
غير أن المرتضى لا يتوقف عند مثل تلك السفاسف التي عند نصر عامر وأمثاله، فهو كرجل دولة وحقوقي من الدرجة الأولى إنما ينظر في العمق والمنهج، حيث "كنا نؤيد بشار ونقف معه في نقطتين، وكنا ندينه ونعارضه في نقطتين!"، حسب آخر تغريداته على منصة إكس.
ويبدو أن علامة التعجب التي وضعها المرتضى في آخر الجملة يبدو أنها هي التي وضعت نفسها بنفسها تعجبا مما سيقوله في إحدى النقطتين اللتين كانوا يدينون بشار الأسد فيهما، حسب قوله، وهي "الأسلوب القمعي الذي كان ينتهجه في مواجهة معارضيه".
هي جرأة تفوق حتى مصداقية اللغة، لكن المرتضى يمنح القارئ بها مساحة للضحك لا شك، خصوصا وهو يشير إلى أن الأسلوب القمعي ذاك "هو للأسف الأسلوب المستخدم من قبل أغلب الأنظمة العربية!!". وبصرف النظر عن علامتي تعجب وردتا في هذه الفقرة، فإن المرتضى ربما يعني تماما ما يقوله، حيث الحديث هنا عن الأنظمة العربية فحسب وليس عن شيء آخر. وبالتالي طالما أن جماعته لم تتحول بعد إلى نظام عربي، يبقى ما تقوم به من قمع في إطار التجربة أو كما يقال في أنظمة الاتصالات في إطار البث التجريبي.
هكذا جازف المرتضى وبكل ثقة في أن يتحدث عن إدانة لقمع المعارضين. هي ربما ليست إدانة بمعناها الحقيقي، وإنما خلاف بين جماعته والأسد حول أن الأسلوب القمعي الذي كان ينتهجه هو في مواجهة معارضيه ليس هو الأسلوب الذي تنتهجه سلطة صنعاء مع معارضيها. هذا هو التفسير الحقيقي الذي يمكن أن يستشفه المرء من حديث المرتضى عن أسلوب قمعي في مكان ما ضد معارضين ما.
فالشخص الذي لم يطق أن يرى من يخرج رافعا العلم في مناسبة وطنية هي ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، فقام بجلالة منصبه الذي كان من المفترض أن يحتم عليه شيئا من الوقار، بإنزال تغريدة حامية الوطيس يهدد فيها كل من سيخرج رافعا العلم الوطني بالضرب بالصميل المغلف بالعلم الوطني، هذا الشخص هو المرتضى نفسه الذي يتحدث الآن عن أن نظام بشار الأسد كان قمعيا وتلك هي نقطة الخلاف الحادة بين ذلك النظام في سوريا ونظام جماعته في صنعاء، فلا الآلاف من المعتقلين تضيق بهم السجون وتتسع لهم مخيلة المرتضى، ولا آلاف الصمول (الهراوات) المغلفة بالعلم الوطني التي افتخر بها المرتضى وأوعز إلى قوات سلطته أن تنزل بها إلى كل زقاق وحارة وبلدة ومدينة تعتبر أسلوبا قمعيا على الإطلاق.
جدير بتلك "النقطة" الخطيرة، التي قال المرتضى إن سلطته تختلف كل الاختلاف مع سلطة بشار الأسد حولها، أن ترد كاملة دون تقطيع، حتى يستطيع المرء تكوين فكرة ما عما يقصده المرتضى بالضبط، حيث جاءت الفقرة/النقطة هكذا: "الأسلوب القمعي الذي كان ينتهجه في مواجهة معارضيه، وهو للأسف الأسلوب المستخدم من قبل أغلب الأنظمة العربية.!! فهل ستعمل السلطة الجديدة في سوريا على تبني محاسن النظام السابق، وتجنب مساؤه..؟؟!! ننتظر ونشوف".
وإذن لا شيء هنا سوى أن المرتضى يتدرب على الإملاء الصحيح، فاحتار حتى كيف يكتب كلمة (مساوئ) في نهاية تغريدته، ولعل ما سماها "السلطة الجديدة في سوريا" تعمل على تلافيها في القريب العاجل. وحتى ذلك الحين سيكون لسان حال المرتضى "ننتظر ونشوف"، خصوصا وهو رئيس لجنة أسرى حريص جدا على حقوق الإنسان لدرجة أن الخزانة الأمريكية اليوم أدرجت اسمه في قائمة عقوباتها على ذمة قضايا تعذيب قام بها داخل سجون سلطة صنعاء.