خاص | النقار
يقال عنها وزارة ثقافة، بمبنى عتيق متهلهل في شارع التحرير ووزير جيء به من لقاء على إحدى القنوات أكد فيه أنه لا يعترف بشيء اسمه وطن يمني موحد، وإنما بهويته الجنوبية فقط، باعتباره يافعيا معتقاً يضبط لكنته معها حسب الإيقاع، فكان لسلطة صنعاء أن تجد فيه ضالتها وتأتي به وزيراً وملكياً أكثر من الملك.
بطبيعة الحال، ليس الأمر تحولاً في الموقف من النقيض إلى النقيض عند علي قاسم اليافعي، بل هو الانسجام بعينه مع سلطة صنعاء. وقد استهل عهده كوزير للثقافة في حكومتها الجديدة بلقاء مهيب جمع فيه أكبر قدر من الكيانات الثقافية والإعلامية ليقول لهم إن في قلبه شيئاً من ثورة الرابع عشر من أكتوبر، فلا يستطيع حسم المسألة تماماً معها، هل هي ثورة باعتباره يافعيا جنوبياً، أم أنها لم تكن كذلك باعتباره وزيراً “أنصارياً”. أما ثورة السادس والعشرين من سبتمبر فإنه لا يعترف بها من الأساس، وإنما الثورة الحقيقية بالنسبة له هي “ثورة الحادي والعشرين تحت قيادة العلم المولى”.
الرجل هنا ليس بدعاً، فتلك الإكليشة في النهاية هي التي أصعدته وزيراً مثلما أصعدت غيره. كما أن موقفه من هذه الثورة أو تلك يمكن التغاضي عنه باعتباره حريصاً على الحضور مبكراً كل يوم، فلا تكاد تمر الثامنة صباحاً إلا وهو على مكتبه في وزارة يسكنها السأم القاتل.
ولأن من الطبيعي أن يكون السأم القاتل ذاك هو التعبير الحقيقي لوزارة ثقافة في عهد سلطة كل ثقافتها منحصرة بالزوامل، فلا بد وأنه انعكس على الوزير اليافعي منذ الأشهر الأولى، فلم يجد ما يفعله إلا أن يصدر تعميماً مهيباً لأصحاب الصالات وقاعات الأعراس، عملاً بما تقتضيه هويته الجديدة (الهوية الإيمانية)، تحت عنوان: “آلية ضوابط وشروط تنظيم عمل صالات الأفراح والمناسبات وضبط إقامة الأعراس فيها”؛ كشفت الوزارة فيه عن تحولها إلى شرطة رقابية تهدف إلى إحكام السيطرة على تفاصيل الحياة اليومية لليمنيين، بما في ذلك مناسباتهم الخاصة. التعميم يفيض بالتعليمات التي يبدو أنها جاءت لتعليم اليمنيين ما يعرفونه أصلاً عن عاداتهم وتقاليدهم، مع إدخال بُعد رقابي جديد تحت عباءة “التنظيم”. لم يكتفِ بوضع ضوابط عامة، بل تحول إلى ما يشبه قائمة مفصلة بالقيود التي تشمل جميع جوانب الأعراس.
أولى النقاط التي برزت في التعميم هي إلزامية الحصول على تصاريح من الوزارة لكل من يعمل في الأعراس، سواء كانوا فنانين أو فرقاً فنية أو حتى مصورين. ورغم أن التصاريح هي ضرورة قانونية قد تكون مفهومة لتنظيم العمل، إلا أن الوزارة وقد اصبحت منخرطة في الرقابة على حياة الناس، لا يستبعد أن تتخذ هذه المسارات القانونية ذريعة للتضييق على الفن والفنانيين، وهو ماتدأب عليه سلطة صنعاء.
ومن بين ما أثار الجدل، كان تشكيل فرق رقابية، تتواجد في قاعات الأعراس لمراقبة تنفيذ قرارات الوزارة. وبينما تزعم الوزارة أن الهدف من هذه الرقابة هو الحفاظ على القيم، إلا أن كثيرين يرونها خطوة إضافية نحو تقييد الحريات الشخصية وإخضاع حتى اللحظات الخاصة لرقابة خانقة لا مبرر لها، مثل البند الذي يتحدث عن تفتيش الناس بحثا عن منتجات صهيونية، وتحديد وقت ابتداء المناسبة ووقت انتهائها، وبلا شك التأكيد على الويل الذي سيحل بمن يخالف.
وهكذا، يبدو أن وزارة الثقافة قد أصبحت بالفعل جهازاً أمنياً جديداً بواجهة ثقافية، حيث تستغل كل أداة متاحة لتكريس السيطرة وتقييد الحريات، بدلاً من دعم الإبداع ورعاية الفنون التي تمثل الهوية الحقيقية لليمنيين.