قبل حوالي ثلاثين عاما، وبمساعدة جدتها فرت آيناز آني سيروس من إيران بعمر الخامسة عشر، خلال الاحتفال ببلوغها عامها التاسع اتباعا لعادات إيران، كان هذا اليوم هو بداية تحضير الفتاة للزواج.
في منزلها في ولاية أوهايو الأميركية روت آيناز قصتها لبرنامج "الحرة تتحرى"، وهي واحدة من بين ضحايا زواج القاصرات في إيران والعراق ولبنان، والتي ارتبطت بفتوى روح الله الخميني الصادرة قبل أكثر من أربعين عاما.
قصة آيناز ليست الوحيدة أو الأخيرة، عن فتاة إيرانية أجبرت على الزواج في سن مبكرة، بل هي تكرار لآلاف القصص التي تدور تفاصيلها الحزينة في المدن الإيرانية، وهو ما ستسلط "الحرة تتحرى" الأضواء عليه.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" تعرف الطفل على أنه أي شخص دون سن الثامنة عشرة، ما لم تعرف القوانين الوطنية سن الرشد بأبكر من ذلك.
أما زواج الأطفال فهو أي زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي، بين طفل تحت سن الثامنة عشر وشخص بالغ أو طفل آخر.
طفولة غير طبيعيةالنساء في إيران يتعرض للتمييز
قالت آيناز إن جدتها أعطتها حقيبة وقالت لها "اذهبي.. لا تنظري إلى الوراء"، مشيرة إلى أنها كانت تعتقد أنها تعيش حياة طفولة طبيعية، ولكن لاحقا اكتشفت أنها لم تكن كذلك، وعندما كانت في التاسعة من عمرها بدأ إعدادها لتصبح "امرأة بالغة".
وذكرت أنه تم الوعد بها لابن عمي، تبعا لما يفعله الأهالي، وعندما اقتربت من عمر الزواج بحسب العادات، لم توافق على ذلك، لكن ابن عمها تمسك بالوعد، وجن جنونه وحاول حرقها بمادة كاوية.
ما فعلته آيناز في مسقط رأسها طهران أواخر الثمانينيات لم يحسب كتصرف صادر عن طفلة، وخلافا لكل الأعراف الدولية وطبقا لقانون العقوبات الإيراني، يبدأ سن المسؤولية الجنائية من تسع سنوات للإناث وخمسة عشر للذكور.
وقالت إنها كانت في سن العاشرة من عمرها، عندما اعتقلتها للمرة الأولى شرطة الأخلاق، بسبب غنائها بصوت عال في مكان عام، وبعدها قبض عليها وسحبت من شعرها لأنه ظهر من تحت الحجاب.
ووفقا لمواد القانون الإيراني تعد هذه الأفعال جرائم شرف، ويحق لوالد الفتاة قتلها، من دون قصاص، لكن والد آيناز اختار طريقة أخرى لعقابها.
وشرحت أن والدها كان "زعيما دينيا ذا مكانة كبيرة، وقال لي ستتزوجين هذا الرجل، وحاولت الرفض قدر استطاعتي، لكن دون جدوى فالخيار كان بين الزواج من ذلك الرجل أو قطع رأسي وقتها كنت في الثالثة عشر"، بينما كان عمر الرجل الذي سيتزوجها 36 عاما.
ضحية أخرى لزواج القاصرات في إيران، تقول إنها كانت في الثالثة عشر من عمرها، وكان زوجها يقيدها عندما يغضب، ثم يضربها بشدة على قدمها بعصا معدنية..
وأضافت أنه كسر أنفها أربع مرات، وجرح يدها ورأسها وذراعها، ولهذا حاولت شنق نفسها، لكنها حملت بعد شهرين من الزواج، وبقيت فقط من أجل ابنها.
4 عقود من التمييز ضد النساءشرطة الأخلاق الإيرانية كانت مسؤولة عن فرض تعليمات الزي والحجاب في البلاد
وبحسب تقارير أممية وحقوقية تعاني النساء في إيران من حالة تهميش وسوء معاملة، وهي حالة ترعاها أجهزة الدولة بشكل رسمي.
ويلفت تقرير لمنظمة العفو الدولية إلى أن السلطات الإيرانية "تواصل معاملة النساء كمواطنات من الدرجة الثانية، وفي أبريل 2024 أقر البرلمان المبادئ العامة لمشروع قانون الوقاية من الإضرار بالنساء، ولم يتضمن المشروع تعريف العنف الأُسري كجريمة، وتجريم الاغتصاب في إطار الزواج، وزواج الأطفال".
ما يوصف بالتمييز ضد المرأة الإيرانية تعود جذوره لأكثر من أربعة عقود، وبعد نجاح الثورة الإيرانية، وإحكام رجال الدين السيطرة على مقدرات البلاد، ألغت السلطة الجديدة وقتها، القوانين المدنية، التي كان معمولا بها أيام الشاه، محمد رضا بهلوي.
حسين رئيسي، محام إيراني يقول إنه "تم تخفيض سن زواج الفتيات، من 18 إلى تسع سنوات، والفتيان من 20 إلى 15 سنة، كان هذا أول قانون يتم تعديله من خلال المجلس الثوري، وتطبيقا لفتوى الخميني".
فتوى الخميني
روح الله الخميني ذهب أبعد من ذلك، ففي كتابه تحرير الوسيلة، الذي جمع فتاويه، أعطى المرجع الديني الإيراني الأشهر، حق الزواج بالفتيات، بدءا من سن الرضاعة.
وفي نص فتوى الخميني من كتاب تحرير الوسيلة يقول "لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، وأما سائر الاستمتاعات، كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ، فلا بأس به، حتى في الرضيعة".
هذه الفتوى، فتحت باب زواج الأطفال في إيران على مصراعيه، وآيناز كانت واحدة من مئات الضحايا.
وقالت آيناز لقناة "الحرة" عن زوجها وهي طفلة "كان يغتصبني ويقوم بضربي لأي سبب، كان شخصا عصبيا جدا، يتعاطى الأفيون، ويجبرني على تحضيره له.
حاولت آيناز اللجوء إلى القضاء للحصول على الطلاق، لكن، ورغم تعرضها للعنف، قوبل طلبها بالرفض، والسخرية.
وقالت إنه بعد أقل من خمسة أشهر من المعاناة "طلبت من والدي مساعدتي على الطلاق، فأجابني، أفضل أن أدفنك، انتظرت سبعة أشهر أخرى، ثم ذهبت إلى المحكمة، طلب مني القاضي، العودة إلى المنزل وإطاعة زوجي وإسعاده، وأضاف أنني محظوظة، لأنه لن يخبر زوجي، وقفت في الردهة، خارج قاعة المحكمة، وقلت، ماذا أفعل، هل أرتكب الخطيئة الكبرى، وأقتل نفسي، أم أنتظر حتى يغضب زوجي بدرجة كافية، فيكسر رقبتي ويقضي علي".
لم تقتل آيناز، واستطاعت عام 2002، الحصول على لجوء إنساني إلى الولايات المتحدة، حيث تعمل اليوم على مساعدة ناجيات أخريات، من خلال منظمتها الحقوقية، عش بحرية.
وأشارت إلى أنها "بدأت العمل على تأسيس منظمة حقوقية، لمعالجة قضايا تتعلق بحقوق الطفل، والزواج القسري، والسجناء السياسيين والدينيين"، مؤكدة أنها فخورة "بنجاح منظمة عش بحرية، في إنقاذ واحد وعشرين شخصا، من بلدان وخلفيات وحالات مختلفة".
تعديل بالشكل
بعد أكثر من ثلاثة عقود، وفي عام 2002، أفضت اعتراضات حقوقية إلى تعديل، وصف بالشكلي، للقانون الإيراني.
وأصبحت المادة 1041 من القانون المدني الإيراني تقول "يسمح الزواج للبنت قبل بلوغها 13 سنة، وللولد قبل بلوغه 15 سنة، بإذن الولي، مع مراعاة شروط المحكمة المختصة".
تعديل القانون لم يؤد إلى تراجع الظاهرة، فطبقا لأرقام طهران الرسمية، لا زال زواج القاصرات يشكل أكثر من خمس حالات الزواج في البلاد، بمليون وسبعة وسبعين ألف حالة زواج، بين عامي 2013 و2022.
وقال المختص بالقانون، رئيسي إنه "يسمح للآباء بتزويج بناتهم في أي عمر، وبحسب المادة خمسين من قانون الأسرة الإيراني، فإنه وفي حال أصيبت الفتاة بأي أذى، أو توفيت بسبب الجماع، فلا عقوبة على الأب، ولا على الزوج".
ويعمل رئيسي، كمحامي في مدينة شيراز لأكثر من عشرين سنة، ليصبح شاهدا على مئات الدعاوى المتعلقة بحقوق النساء، وزواج القاصرات.
ولفت إلى أن المدافعين عن حقوق الأطفال يواجهون تحديات كثيرة، قد يتهمون بارتكاب جريمة ضد الدولة، وضد الإسلام، وبالتالي، يمكن أن يحكموا عليك بالإعدام.
وفقا لروايته، دفع الإحساس بالخطر رئيسي للرحيل الى كندا، قبل أكثر من عشر سنوات، ليواصل نشاطه داخل إيران، بالتنسيق مع مجموعة محلية من المحامين.
وقال رئيسي إنه "قبل عدة أيام، كانت لدينا قضية لفتاة تبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، انتحرت حرقا، قتلت نفسها لأنها أجبرت على الزواج، أيضاً لدينا قضية أخرى، لفتاة في الرابعة عشر، توفيت أثناء الولادة في المستشفى، كانت في الثانية عشرة عندما تزوجت قسريا".
في خريف عام 2019، انتشر مقطع مصور، على شبكات التواصل الاجتماعي، لعقد قران فتاة إيرانية في العاشرة من عمرها، على شاب يكبرها بـ 12 عاما.
وقال المحامي رئيسي إنه لسوء الحظ، ليس في إيران قوانين لحماية الأطفال، وخاصة زواج الفتيات، ويشجع النظام التعليمي الإيراني، ورجال الدين في المساجد، الآباء والعائلات على زواج الفتيات دون سن 18 عاما.
منذ عام 2022، توقف المركز الوطني للإحصاء في إيران، عن نشر أعداد حالات زواج الأطفال.لكن الإصدار الأخير، كشف عن نسب مرتفعة لحالات الزواج، والولادة، حيث بلغت أعداد ونسب زواج القاصرات في إيران لعام 2022 حوالي 139 ألف حالة زواج، وتم تسجيل 65 ألف حالة ولادة لأمهات دون 18 عاما، منهم 1392 حالة ولادة لأمهات دون 15 عاما.
رغم هذه الأرقام الرسمية العالية، تنعدم، بشكل شبه كامل، الصور والدلائل على ما يحدث داخل إيران.
ما تفسره لنا رقية رضائي، الناشطة الحقوقية الإيرانية، المقيمة في كندا وتقول إن "مسألة زواج الأطفال، هي مسألة سياسية، ووسيلة من وسائل السلطة للسيطرة وفرض القوة على المجتمع، كانت هناك منظمة خيرية واحدة فقط تعمل لصالح الأطفال، تسمى جمعية الإمام علي، لكن تم إغلاقها، وسجن غالبية أعضائها، واضطر من تبقى منهم للهروب خارج البلاد".
وبحثت "الحرة تتحرى" عن أي أثر لجمعية الإمام علي الخيرية، فتبين لنا حظرها كليا في إيران، وإغلاق موقعها الإلكتروني، منذ ربيع عام 2021.
زهراء رحيمي، مديرة مؤسسة الإمام علي الشعبية وهي مقيمة في نيويورك حاليا قالت إن المنظمة "تأسست في طهران عام 1999، ثم توسع نشاطها في جميع أنحاء البلاد، كنا نعمل من أجل الأطفال والنساء، والحكومة لا تحب ذلك".
وزودت رحيمي قناة "الحرة" بمشاهد تظهر تحطم مكاتب المنظمة، بعد اقتحام قوات الشرطة الإيرانية للمكان.
وفقا لحكم قضائي منشور في الخامس من مارس 2021، أيدت محكمة تقييم وزارة الداخلية، أن الجمعية انحرفت عن مهمتها الأصلية، وأهانت المعتقدات الدينية، بحسب لتقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية.
وقالت رحيمي "اقتحموا منزلنا واعتقلوني أنا وزوجي، حكم على بالسجن أربع سنوات، وعلى زوجي بـ 19 عاما، في عام 2022، أفرجوا عنا بكفالة وبشكل مؤقت، فهربنا من البلاد فورا، ووصلنا الولايات المتحدة عام 2023".
بوصولهما إلى مدينة نيويورك الأميركية، أعادت زهراء رحيمي وزوجها تأسيس منظمة الإمام علي، ليواصلا متابعة قضايا زواج القاصرات في إيران.
وتشير إلى أنه تم دراسة حالات لنحو 7 آلاف طفلة، ووجدنا أن أسباب الزواج المبكر، هي العادات الدينية، بنسبة 68 في المئة، والفقر بنسبة 9 في المئة، لكن وبحسب بحثنا أيضا، لم نشهد حالات لزواج أطفال في الطبقة المتوسطة، بل في الغالب في أسر محرومة، تعيش تحت خط الفقر.
صوت من داخل طهران
ورغم قيود النظام الإيراني، استطاعت "الحرة" التواصل مع إحدى الفتيات، في كرج، إحدى ضواحي طهران الفقيرة.
هدية، وهو اسم مستعار، تحدثت لـ "الحرة" شريطة إخفاء هويتها، وقالت إنها "تزوجت بعمر 13، وأنجبت ابنتها الكبرى بعدها بعام".
وتابعت "كان زوجي مدمنا للمخدرات، ويأتي إلى المنزل مرتين في الأسبوع، أتحمل العبء وحدي، وأعمل على مدار الساعة، طلبت مساعدة أخي للحصول على الطلاق، لكنه رفض".
وروت كيف تم إجبارها على الزواج بأحد أقربائها، إذ كان "في السنة الأولى من المدرسة الإعدادية، وفي طريق العودة إلى المنزل، كانت شقيقتي، وابن أخت زوجي الحالي بانتظاري، طلبوا مني ركوب السيارة، لأن والدي مريض، ركبت معهم، لكن أختي لم تفعل، أخذوني لمكان بعيد، ووجدت زوجي الحالي هناك، اغتصبني وحملت، فأجبروني على الزواج لتسوية الأمور، ثم تركتني عائلتي لأواجه هذه المحنة بمفردي".
على الرغم من ارتفاع الأرقام الرسمية، وتأكيد خبراء ومنظمات حقوقية، انتشار الظاهرة، وارتفاع أعداد الزوجات القاصرات، ترفض السلطات الإيرانية الاعتراف بحجم المشكلة.
وقال الباحث السياسي الإيراني، سعيد شاوردي إن "ما يقال حول زواج القاصرات في إيران هو يعني قضية مبالغ فيها، الأعداد هي قليلة جدا وتقتصر على بعض المناطق والمناطق البعيدة عن العاصمة. القضية عندما نتحدث عن أنها قضية مباحة، أو أن الشرع هو لا يعارض مثل هذا الزواج يعني وفق طبعا حالات، وهذا هو غير محرم في الدين الاسلامي، ولكن يعني الحكومة والبرلمان، لا أحد يعني يشجع على مثل هذا الزواج".
من جانبه يؤكد المحامي، رئيسي أن طهران "تحاول طوال الوقت الترويج لزواج الأطفال، والمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يشجع الشباب على الزواج في أي عمر تحت 18، سمعنا عن زواج الأطفال في العراق، والتعديل الذي يعمل عليه البرلمان العراقي حاليا، والذي يحظى بدعم إيراني، وخاصة من بعض المرشدين الدينيين في مدينة قم، وحتى من بعض قادة الحرس الثوري".