• الساعة الآن 02:20 AM
  • 13℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

حصار الكلمة .. أنصارالله تشدد الخناق على الكتب والمكتبات

news-details

النقار - خاص

أصبح إدخال الكتب إلى العاصمة صنعاء عملية شاقة ومضنية، وقد يكون ثمنها السجن في بعض الأحيان. منذ اندلاع الحرب قبل تسع سنوات، توقفت معارض الكتب في العاصمة صنعاء، التي سيطر عليها الحوثيون قبل ذلك بعام تقريبًا.

نتيجة لذلك، أغلقت العديد من المكتبات التي كانت تبيع الكتب، ولم يتبقَّ منها سوى القليل، حيث تخضع الكتب المتاحة فيها لرقابة صارمة على المحتوى. تركز النقاط الأمنية التابعة لسلطة صنعاء في مناطق التماس مع الطرف الآخر على الكتب التي يتم إدخالها. وتُعد نقطة “يسلح”، الواقعة في المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء، من أكثر النقاط تشديدًا على إدخال الكتب.

التشديد على إدخال الكتب لا يشمل الكميات فقط، بل يمتد حتى للكتاب الواحد، خاصة إذا ساور الشك مسؤول التفتيش في عنوان الكتاب أو شكله. يقول أحمد عبد الوهاب إنه أثناء عودته من الخارج عبر مطار عدن قبل أكثر من ثلاثة أشهر، أخّرته ثلاث نقاط تفتيش قرابة ثماني ساعات بسبب ثلاثة كتب كانت بحوزته.

ويضيف أن الكتب الثلاثة كانت روايات، وبسببها تأخر في نقطة تقع على أطراف الراهدة، جنوب تعز، لمدة ساعة ونصف، وفي نقطة أخرى في ذمار لمدة ساعتين، أما نقطة “يسلح” فقد أوقفته لأكثر من أربع ساعات.

في حال كان بحوزة الشخص كمية من الكتب، يتم حجزها في نقطة التفتيش التي تكتشفها، ولا يُسمح بدخولها إلا بموجب تصريح من وزارة الثقافة بصنعاء أو اتصال من جهة أعلى، حسب ما أفاد به سائقون لـ”النقار”.

في أكتوبر 2023، تعرضت كتب تابعة للكاتب الصحفي محمد المقالح، طُبعت في صنعاء، للحجز في نقطة “يسلح” أثناء عودته إلى صنعاء قادمًا من قريته في مديرية السدة بمحافظة إب. وقال المقالح حينها: “عرفت لأول مرة أن دخول الكتب إلى صنعاء ممنوع، وهناك في نقطة يسلح من يسمح ومن يمنع.” وأضاف: “كان في خانة سيارتي حزمة مهملة من كتبي التي طبعتها في صنعاء، وقد احتاجت للدخول مرة أخرى لاتصالات وقومة وجلوس، ويا دفاع الله، خصوصًا حين تساءلت: هل تخافون الكلمة أكثر من المفخخة وحزمة المخدرات؟”

مع تشديد نقاط التفتيش على دخول الكتب إلى مناطق سيطرة الحوثيين، يحذر سائقو سيارات الأجرة التابعة للشركات التي تنقل الركاب من عدن إلى صنعاء من اصطحاب الكتب معهم، ويطلبون منهم إرسالها بطرق مختلفة، تجنبًا للتأخير.

وفي هذا السياق، يقول خليل الحاج إن خمسة كتب كانت بحوزته عندما استقل سيارة أجرة من عدن إلى صنعاء، فطلب منه السائق إرسالها عبر مكتب سفريات تجنبًا للتأخير. ويضيف أنه اضطر لإرسالها بمبلغ خمسين ريال سعودي، ووصلت إلى صنعاء وقد تعرضت للغبار، وتراكمت الأوساخ على واجهاتها.

عند حجز الكتب في نقاط التفتيش، تُحال إلى شخص يُدعى “الثقافي” لتفحص محتوياتها. أحيانًا يجري هذا الشخص اتصالات في حال لم يفهم بعض محتويات الكتاب أو شك فيها، حسب ما كشفه سائق إحدى سيارات نقل الركاب بين عدن وصنعاء لـ”النقار”.

أفاد سائق باص للنقل الجماعي للركاب، فضل الإشارة لاسمه بـ”العزي”، أن محتويات الركاب تخضع للتفتيش الدقيق في بعض النقاط، وخصوصًا في نقطة على مشارف الحوبان بتعز ونقطة “يسلح” بصنعاء. وأوضح أنه في حال وجد بحوزة أي مسافر كتاب، ننصحه بأن “يدبر نفسه” مع المفتش بمقابل، بدلاً من إحالة الكتاب إلى “الثقافي”، لما يسببه ذلك من تأخير للرحلة.

مصدر أمني على صلة بنقاط التفتيش أكد أن النقاط تنفذ توجيهات عليا، مشيرًا إلى أن هذه التوجيهات تم تشديدها في عام 2021.

تتعامل نقاط التفتيش بتشديد كبير في حال وجدت كمية من الكتب بحوزة شخص، ويُحال في كثير من الأحيان إلى السلطات الأمنية الأعلى في المحافظة التي تقع ضمن نطاقها الإداري نقطة التفتيش.

يقول سائق سيارة “هيلوكس”، ينقل الركاب بين الحوبان بتعز وصنعاء، وفضل الإشارة لاسمه بـ”سالم”، إن نقطة في “النجد الأحمر” بمديرية السياني جنوب محافظة إب أوقفت أحد الركاب الذي كان بحوزته شوالة من الكتب المدرسية وكتب أخرى جلبها من الحوبان لبيعها في صنعاء مع بداية العام الدراسي الجاري. وأضاف أنه علم لاحقًا أن ذلك الشخص أُحيل إلى إدارة شرطة المحافظة ولم يُطلق سراحه إلا بعد أربعة أيام، وبعد مصادرة بعض الكتب.

الكتب التي تجلبها ما تبقى من المكتبات في صنعاء من الخارج تخضع لتدقيق المحتويات قبل منحها تراخيص إدخال. بالمقابل، تخضع الكتب التي تُطبع داخليًا – وهي قليلة – للإجراءات المعتادة، لكن التركيز الأكبر يتم على الكتب التي تدخل من خارج مناطق السيطرة.

يبدو أن سلطة صنعاء تتخوف كثيرًا من الكلمة، وهو ما أشار إليه الكاتب الصحفي محمد المقالح سابقًا بأنهم يخافون الكلمة أكثر من المفخخة وحزمة المخدرات.

ويُعتقد أن مخاوف سلطة صنعاء من إدخال الكتب مرتبط بسعيها لصبغ المجتمع بأيديولوجيتها، وهو ما يظهر بوضوح في المناهج الدراسية التي فرضتها كمواد دراسية في الجامعات والمعاهد وكليات المجتمع، وكذلك التغييرات المستمرة في المناهج المدرسية لإضفاء صبغتها عليها. وصل هذا الأمر هذا العام إلى فرض مادة أسموها “الإرشاد التربوي” على الصفوف من السادس إلى الثاني ثانوي، وتم إدخالها في اختبارات الفصل الأول للعام الجاري.

شارك الخبر: