في وقت لا يزال الجُذام أو ما يُعرف بـ (داء هانسن) يشكّل مصدر قلق وتهديد لعدد كبير من الأشخاص خاصة في مناطق جنوب شرق آسيا، إلا أن دولة واحدة تمكنت رسميا من القضاء على المرض ولم تسجل حالات بالإصابة به منذ نحو 50 عاما، وذلك وفق ما أعلنته منظمة الصحة العالمية مؤخرا.
ولكن قد يتساءل كثيرون: ما هو مرض الجُذام أو (داء هانسن)؟ وكيف يجري تشخيصه؟
الجُذام أو (داء هانسن)، وكيف ينتقل؟
إن الجُذام مرض قديم، إذ ورد وصفه في كتابات الحضارات القديمة. ويُعرّف على أنه مرض مزمن ومعدٍ يسببه نوع من البكتيريا تسمى (المتفطرة الجذامية). ويصيب هذا المرض بشكل أساسي الجلد والأعصاب الطرفية والجهاز التنفسي العلوي والعينين والخصيتين. وينتقل المرض بين الأشخاص من خلال الرذاذ المتطاير من الأنف والفم للشخص المصاب غير المعالج، وعادة ما يتطلب انتقال العدوى الاتصال الوثيق والمتكرر والمطوّل على مدى أشهر عديدة. ولا ينتقل عن طريق المخالطة غير المنتظمة لشخص مصاب بالجُذام، من خلال مصافحته أو معانقته أو مشاركته الوجبات أو الجلوس بجانبه مثلا. علاوة على ذلك، فإن المريض يتوقف عن نقل المرض إلى الآخرين عند بدء العلاج.
وعن تشخيص المرض قال أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية الدكتور ضرار بلعاوي في حديثه لبي بي سي: " إن تشخيص الجُذام يعتمد بشكل أساسي على العلامات السريرية، إذ يظهر ما يُعرف بـ (الآفات الجلدية) وهي عبارة عن بقع جلدية فاتحة اللون أو ضاربة إلى الحمرة مع فقدان واضح للإحساس (خدر). كما تُصاب الأعصاب الطرفية بتضخم مصحوب بفقدان الإحساس والضعف وأحيانا الألم".
وأضاف بلعاوي "يمكن للفحص المجهري لمسحة الجلد الكشف عن البكتيريا في بعض الحالات، وتُجرى خزعات الجلد أحيانا لتأكيد التشخيص".
أين ينتشر الجُذام حول العالم؟
يعد الجُذام من أمراض المناطق المدارية المهملة، والذي ما زال منتشراً في أكثر من 120 بلداً، إذيُبلَّغ سنويا عن نحو 200 ألف حالة جديدة مصابة بالمرض، بحسب منظمة الصحة العالمية. وقد جرى تحقيق غاية التخلص من الجُذام بوصفه مشكلة من مشاكل الصحة العامة على الصعيد العالمي (يُعرَّف بأنه خفض معدل انتشار المرض إلى أقل من حالة واحدة لكل 10.000 نسمة) في عام 2000، وفي عام 2010 بالنسبة لمعظم البلدان. هذا وجرى تخفيض عدد الحالات الجديدة تدريجيا، سواء على الصعيد العالمي أو في أقاليم المنظمة.
وعن أسباب انتشار المرض في هذه المناطق أوضح أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية الدكتور ضرار بلعاوي بقوله: "تشمل أسباب ارتفاع معدل الانتشار لمرض الجُذام في هذه المناطق نتيجة الفقر والاكتظاظ السكاني ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية".
أرقام وإحصائيات:
بلغ إجمالي الإصابات بهذا المرض وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية عام 2019، أكثر من 10.000 حالة في كل من: البرازيل والهند وإندونيسيا، في حين أبلغ 13 بلدا آخر وهم: بنغلاديش وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ومدغشقر وموزامبيق وميانمار ونيبال ونيجيريا والفلبين والصومال وجنوب السودان وسريلانكا وجمهورية تنزانيا المتحدة عن 1000 إلى 10.000 حالة جديدة. ولم يُبلغ 45 بلدا عن أية حالة، فيما أبلغ 99 بلدا عن أقل من 1000 حالة جديدة.
وفي عام 2022 بلغ إجمالي الإصابات بالجُذام حول العالم 174.59 ألف حالة، إذ احتلت الهند المرتبة الأولى في قائمة الدول التي كان فيها المرض الأكثر شيوعا في عام 2022، بـ 103.819 ألف حالة جديدة، تلتها البرازيل بـ 19.635 ألف حالة، في حين جاءت إندونيسيا في المركز الثالث بـ 12.441 ألف حالة جديدة، تبعا لمنظمة الصحة العالمية.
"الجذام مرض يمكن الشفاء منه"
يعد الجُذام مرضا قابلا للشفاء، وهو ما أشار إليه أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية الدكتور ضرار بلعاوي لبي بي سي قائلا: "الجذام مرض يمكن الشفاء منه ولا يعد مرضا شديد العدوى، حيث تشير التقديرات إلى أن 95 في المئة من الأشخاص لديهم مناعة طبيعية ضد البكتيريا. كما يمكن الوقاية من الإعاقة الناجمة عنه إذا ما قُدّم العلاج في المراحل المبكرة وهو ما يُمثل الطريقة الأكثر فعالية لمنع انتقال العدوى، إلى جانب تجنب الاتصال الوثيق والمطوّل مع الأفراد غير المعالجين الذين تظهر عليهم أعراض المرض، إضافة إلى رفع مستوى الوعي بأعراض الجذام وأهمية التماس العناية الطبية في الوقت المناسب".
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن العلاج الموصى به حاليا لمرض الجُذام أو (داء هانسن) يتكون من ثلاثة أدوية: دابسون ورِيفامبيسِين وكلوفازيمين والذي أُطلق عليه فيما بعد العلاج بالأدوية المتعددة.
يُذكر أن منظمة الصحة العالمية توفر العلاج متعدد الأدوية مجانا في جميع أنحاء العالم.
"وصمة العار والتمييز"
غالبا ما يتعرض المصابون بالجُذام (داء هانسن) للوصم والتمييز، علاوة على التشوّه الجسدي، وهو ما يؤدي إلى التأخير في طلب العلاج والاستجابة له.
ووفق موقع "داروين هيلث" الطبي ، فإن معاناة مرضى الجُذام لا تقتصر فقط على الأعراض الجسدية، إذ ترافقها عادة معاناة نفسية جراء ما يتعرضون له من إقصاء وتمييز بسبب وصمة العار المرتبطة بالمرض.
وأبرز هذه الآثار النفسية التي تلحق بمرضى الجُذام "الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة"، وغالبا ما يشعرون بـ "العار والذنب وعدم القيمة بسبب التصورات السلبية التي يحملها المجتمع تجاه المرض، مما يؤدي إلى تدني الثقة بالنفس وتضاؤل الشعور بالذات"، تبعا لما ذكر الموقع في تقريره.
من جهته، أوضح بلعاوي أن "وصمة العار المرتبطة بالمرض تؤثر بشكل سلبي على حياة المصابين به كصعوبة الحصول على عمل بسبب الخوف من العدوى أو التمييز، وفقدان الوظائف الحالية بسبب المرض أو الوصمة، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والإسكان. كما قد يتردد المصابون في طلب المساعدة الطبية خوفا من التعرض للتمييز، وعدم الالتزام بتناول الدواء خوفا من كشف الإصابة بالمرض".
وقال بلعاوي: "لذلك، فإن الأمر يتطلب نهجا يشمل عددا من المتخصصين في مجالات الرعاية الصحية والصحة العقلية، إضافة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي لمرضى الجُذام وعائلاتهم، وسن قوانين تحمي حقوق مرضى الجذام، ما يُسهم بدوره في تخفيف العبء النفسي وتحسين نوعية حياة المصابين".
ما هي أول دولة تمكنت من القضاء على المرض؟
أعلنت منظمة الصحة العالمية، مؤخرا، أن الأردن بات أول دولة في العالم يجري التحقق فيها رسميا من القضاء على مرض الجُذام.
وفي هذا الصدد قال أمين الرعاية الصحية الأولية والأوبئة في وزارة الصحة الأردنية الدكتور رائد الشبول خلال حديثه لبي بي سي: "لم يسجل الأردن حالات إصابة بمرض الجُذام منذ نحو 50 عاما، حيث سُجّلت آخر حالة في سبعينيات القرن الماضي. كما أن الأردن لبّى كافة الاشتراطات اللازمة من منظمة الصحة العالمية التي تفيد بوجود الإمكانيات البشرية والفنية والتقنية لاكتشاف المرض وعلاجه، وعليه أعلنت المنظمة أن الأردن بلد خالٍ من الجُذام".
وذكر الشبول أن "الوزارة شكّلت فريقا لتقييم الوضع للتحقق من القضاء على الجُذام عبر تقييم عام لأنظمة الرصد و مدى اهتمام ومعرفة الأطباء في المراكز الصحية والمستشفيات بالمرض والقدرة على تشخيصه وامتلاك القدرات الفنية والتقنية لهذه الغاية، وبعد مراجعة مكثفة، أوصى فريق التحقق بإقرار منظمة الصحة العالمية بالقضاء على الجُذام في الأردن".
من جهتها، أشارت منظمة الصحة العالمة في بيانها مؤخرا أن "نجاح الأردن في القضاء على المرض يمثل سابقة عالمية، كما يمثل شهادة على التزامه السياسي القوي واستراتيجياته الصحية العامة الفعّالة للقضاء على المرض".
وهو ما أكّده الشبول لبي بي سي "يبرهن نجاح الأردن على إمكانية القضاء على الجُذام باتباع نهج شامل ومتكامل، وهو بمثابة نموذج للدول الأخرى التي تتوطن فيها الأمراض والتي تعمل على تحقيق الهدف نفسه".
ويبقى في النهاية، أن يُشخّص مرض الجُذام بشكل مبكر، إذ إن ذلك يحد من الضرر ويمنع الشخص من نشر المرض ويقلل من المضاعفات طويلة المدى، بحسب عدد من المتخصصين والعاملين في هذا المجال.