يبدو أن المخاوف الأوروبية من تصاعد التهديدات الروسية واستخدام الأسلحة النووية ضد حلف شمال الأطلسي "الناتو" قد تتحول إلى حقيقة واقعية.
الرئيس الروسي ، رهن ذلك بتعرض موسكو لأي ضربات صاروخية غربية سواء من داخل الأراضي الأوكرانية أو القواعد الغربية المتواجدة قرب الحدود الروسية.
وأثناء اجتماع مجلس الأمن الروسي، حذّر بوتين الغرب من استخدام بلاده حال تعرضت موسكو لضربات بصواريخ بدعم من الغرب.
وقال إن "موسكو ستعتبر أي هجوم عليها بدعم من قوة نووية هجومًا مشتركًا، وإن شروط استخدام الأسلحة النووية محددة، وندرس هذه الخطوة إذا رصدت بداية إطلاق مكثف لصواريخ أو طائرات مقاتلة أو مسيرة نحوها".
ومع هذه التصريحات الروسية المليئة بالتحذيرات من الانتقال لاستخدام الأسلحة النووية تجاه الغرب، تجددت المخاوف الأوروبية وطُرح معها العديد من التساؤلات عن دلالات هذه التصريحات.
تصريحات صادمة
في هذا الصدد، قال المحلل السياسي الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور سمير أيوب، إن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام مجلس الأمن القومي الروسي كانت صادمة بشكل كبير.
وأشار إلى "التغير الكبير الذي ظهر في العقيدة الروسية النووية، وأن الهدف منها هو توجيه رسائل مباشرة للولايات المتحدة والغرب، وليس فقط إحداث حالة من الرعب في الداخل الأوكراني".
وأضاف أيوب، في تصريحات لـ "إرم نيوز"، أن الغرب من خلال إمداداه أوكرانيا بأسلحة حديثة وصواريخ بعيدة المدى، أبعد نفسه عن دائرة الاتهام، بينما قام بوضع أوكرانيا في مقدمة المواجهة على أنها هي من تقوم بتلك الأعمال والعمليات ضد روسيا.
وأكد أن الرد الروسي سيطال الدول التي شاركت ودعمت ومنحت الأسلحة لأوكرانيا، وليس فقط الدولة التي قامت بالاعتداء.
كبح تطلعات واشنطن
ولفت المحلل السياسي إلى أن بوتين قام بتوجيه هذه الرسائل للولايات المتحدة الأمريكية بهدف كبح تطلعاتها واندفاعها نحو تزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة، خاصة أن هناك العديد من القواعد الأمريكية في الدول الأوروبية، وفي الدول التي انضمت مؤخرًا إلى حلف الناتو.
وأوضح أنه برغم عدم وجود قواعد عسكرية في كل من فنلندا والسويد، فإنه يمكنهما استضافة قواعد أمريكية بموجب عضويتهما في حلف الناتو أو أسلحة أمريكية نووية.
وأضاف الخبير أن روسيا من خلال هذه العقيدة تطبق مبدأ أن "الساكت عن الجريمة شريك بها"، فإذا سكتت الولايات المتحدة الأمريكية عما تقوم به الدول المعادية لروسيا من استهدافات للمدن والقرى الروسية، فإن ذلك لا يعني براءة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد أيوب أن ذلك يعد تصعيدا خطيرا، معتبرا أن الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة الأمريكية التي بإمكانها توسيع هذا الصراع وجعله صراعًا مباشرًا بين روسيا وحلف الناتو.
وقال إن على واشنطن تحمل مسؤولية كل ما يحدث من نتائج، مؤكدا أن وجود الولايات المتحدة في منطقة بعيدة عن الصراع خلف المحيط لا يعني أنها بعيدة أو بمعزل عن مخاطر استخدام أسلحة مدمرة وفتاكة ضدها.
رسائل قوية
في السياق قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو، الدكتور نزار بوش، إن الرئيس الروسي وجّه رسائل للغرب بضرورة عدم المخاطرة بدعم أوكرانيا، والكف عن إعطائها الضوء الأخضر بضرب العمق الروسي باستخدام أسلحة وصواريخ غربية بعيدة المدى.
وأوضح بوش، في تصريحات لـ "إرم نيوز"، أن الرسائل الروسية كانت قوية جداً، حيث غيرت روسيا في عقيدتها النووية.
وقال: "إذا ساعدت دولة نووية أوكرانيا وزودتها بأسلحة تقليدية أو نووية لضرب المدن الروسية والأهداف الإستراتيجية داخل روسيا، فسيكون لروسيا الحق في استخدام السلاح النووي لردع تلك الاعتداءات، وفقاً للعقيدة النووية الروسية الجديدة.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، أن تصريحات الرئيس بوتين قد تجعل الغرب يتراجع عن تقديم الدعم وإعطاء الضوء الأخضر لضرب العمق الروسي.
وتابع بالقول: "لا توجد دولة في العالم تستطيع حماية أجوائها بنسبة 100%، ولا يوجد أي نظام دفاع جوي يمكنه حماية الأجواء بشكل كامل في أي دولة حتى وإن كانت أمريكا أو إنجلترا أو غيرهما من الدول المتطورة، فيمكن أن تنفُذ بعض من الصواريخ بالرغم من الأنظمة الدفاعية".
تهديدات
وأكد بوش أن رسائل الرئيس بوتين حملت تهديدات للغرب حال رغبته في توسعة الصراع، من خلال منح الضوء الأخضر لأوكرانيا بضرب أهداف في العمق الروسي قد تكون إستراتيجية.
ولفت إلى أنه حال وصول تلك الصواريخ أهدافها فإنه يكون لروسيا الحق في أن تستهدف القواعد الموجودة في دول مثل بولونيا وإستونيا على سبيل المثال أو بريطانيا، وربما تضربها بقنابل نووية تكتيكية أو غير تكتيكية.
وأضاف أنه حال ضرب العمق الروسي، فسيمثّل ذلك خطرا وجوديا ضد روسيا وتهديدا للأمن القومي الإستراتيجي، وبذلك يمكن أن تتوسع الحرب إذا أقدم الغرب على هذه الخطوة "المجنونة"، على حد تعبيره.
ولفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو إلى أن رسائل بوتين وصلت إلى الغرب، وبدأ السياسيون هناك يحذرون من منح الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي الضوء الأخضر بضرب أهداف إستراتيجية في العمق الروسي.
وأضاف بوش أن كل الاحتمالات مفتوحة بسبب تعنُّت الغرب وقياداته التي لا تتحدث عن الدبلوماسية، وتتحدث فقط عن "الهزيمة الإستراتيجية لروسيا وإلحاق الخسائر ضد الروس".
وأكد أنه من المستحيل أن تُهزم دولة نووية عظمى مثل روسيا ذات اقتصاد قوي واكتفاء ذاتي، مشيرا إلى أن "هذه الحقيقة يعرفها الأمريكان".