• الساعة الآن 11:57 PM
  • 17℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

فضيحة شحنة الدواجن .. محاكمة شعبية لوزير المالية

news-details

خاص | النقار

تحول الأمر إلى تراشق بين الناشط في جماعة أنصار الله حسين الأملحي ووزير المالية في حكومة صنعاء عبد الجبار الجرموزي، بعد فضيحة الإفراج عن شحنة دواجن مجمدة من ميناء الحديدة، فقط لأنها تخص تاجرًا صعداويًا.

حاول الجرموزي أن يبدو هادئًا في رده على الأملحي بمنطق من يريد أن يظهر واثقًا من أفعاله، متهمًا الأملحي بالبحث عن زيادة في المعجبين. وبصفته وزيرًا معتبَرًا، تحدث عن “المكلفين” الذين ينظر إليهم بحيادية، دون أن يوضح الصفة التي جعلته ينحاز لأحدهم (التاجر الصعداوي) وينفذ ما قال إنه أمر قضائي بالإفراج عن حاويات محتجزة في ميناء الحديدة تخص ذلك التاجر. فهل بصفته رئيسًا سابقًا لمصلحة الجمارك أم بصفته جهة تنفيذية لأحكام القضاء؟ السؤال الذي يطرح نفسه هو: حتى لو كان الجرموزي ينفذ أمرًا قضائيًا، ما علاقته كوزير للمالية بالإفراج عن شحنة من ميناء؟ بل إنه ليس حتى وزير الداخلية أو التجارة ليكون الأمر منطقيًا، وإنما هو وزير المالية.

لكن “الأمر واضح” بالنسبة للجرموزي، فهو أكد في رده على الأملحي: “كانت المحكمة التجارية قد أصدرت أمرًا على عريضة بالحجز التحفظي فقط وليس حكمًا، ثم صدر أمر من الاستئناف برفع الحجز، ونحن نفذنا أمر الاستئناف كونها محكمة أعلى درجة من الابتدائية”.

وأضاف الجرموزي: “كما أن من المعروف أن الحجز التحفظي ينتهي بمرور شهرين إذا لم يتحول إلى حجز تنفيذي. مع العلم أن الخلاف لم يكن على أصل الحق، بل على الوكالة الحصرية للسلعة. وتاجر صعدة لديه وكالة من وزارة الاقتصاد بصنعاء، بينما الطرف الآخر، الذي تسرعت في الدفاع عنه في تغريدتك، وكالته من وزارة الصناعة في عدن، وليس من صلاحياتنا اعتمادها. إلا إذا كان لك رأي آخر فذاك شأنك”.

ثم اختتم بالقول: “علما أن تاجر صعدة اشترى ودفع قيمة البضاعة من نفس المصنع الذي يدعي الحصني (الطرف الآخر) أنه وكيله الحصري، والبضاعة كانت محجوزة منذ 7 أشهر”.

بصرف النظر عن اتهام الجرموزي للأملحي بالبحث عن معجبين، كان الرد بحد ذاته من قبل وزير المالية ضعيفًا، على الأقل إذا علمنا أن الحاويات التي أفرج عنها من ميناء الحديدة كانت شحنة دواجن معلبة. وتم التحايل على صاحب وكالة الاستيراد الأصلي لكون وكالته ليست ممهورة بختم صعداوي، وإنما من وزارة الصناعة في عدن. فأخرجها الجرموزي في الثالثة فجرا و”سرًا في سر”، حسب تعبير الأملحي، حيث كان على الجرموزي أن يثبت ولاءه لصعدة بالانحياز إلى التاجر الصعداوي الذي اشترى الصفقة ودفع القيمة، حتى لو كان ذلك تكريسًا للانفصال، مع أنه ذكر أنه يتعامل مع كافة المكلفين بعين واحدة.

يعلق السياسي والكاتب محمد المقالح على ذلك بالقول: "‏قرأت رد وزير المالية، فخرجت بنتيجة واحدة وهي أن تجار صعدة لهم الأولوية على بقية التجار، أيا كانت الأسباب"، حيث "المسألة لا تقتصر على دغسان، بل تشمل آخرين"، مشيرا إلى أن "تجار باب السلام بصنعاء مضربين من أيام ولم يلتفت لشكاواهم أحد".

لم ينتهِ الأمر عند رد الجرموزي، الذي ظن أنه قد أفحم الأملحي تمامًا، بل كان للأخير رده أيضًا بإرفاق صورة من حكم المحكمة العليا، قائلًا: “توضيحك خاطئ يا معالي الوزير، أنت استندت للإفراج عن بضاعة موقوفة على حكم منعدم بحكم المحكمة العليا بتاريخ 25 مايو 2024؛ كيف هذا؟! ضحكوا عليك وأنت وزير… اتقِ الله وتبين، إن كنت مع الله فعلا، شاهد الحكم”.

ثم أضاف الأملحي: “ادعى وزير المالية في حكومة صنعاء أنه نفذ توجيه المحكمة بالإفراج عن بضاعة محجوزة من ميناء الحديدة الساعة الثالثة فجرا، سرًا في سر! عمومًا، هذا توضيح أمامكم لما ادعى به، وهو حكم من المحكمة العليا بإعدام الحكم الذي استند إليه وزير المالية وأطلق بضاعة الناس! هيا، قلدكم الله هولا دولة!”

وطالب الأملحي “بتكليف لجنة تحقيق تصل إلى المحكمة التجارية في الحديدة. إن صدق ما نشرته، فأكتفي بإقالة وزير المالية، وإن كنت كاذبًا، أقبل بحبسي 5 سنوات دون رؤية الشمس”، مختتمًا بالقول: “هل تجرؤ دولتكم على تكليف لجنة للتحقيق في هذه الحادثة؟”.

بحسب القيادي والناشط في جماعة أنصار الله أبو زنجبيل الحوثي، فإن "‏الأدلة التي قدمها حسين الأملحي ضد وزير المالية عبدالجبار الجرموزي قوية ودامغة.

بينما موقف الأخير ضغيف جداً، ولم يُقدم دليلا واحدا يثبت صحة كلامه، ولم يكن موفقا في الرد على الاملحي، وكان الأفضل له عدم الرد، كون الردود التي صرح بها بمثابة الاعتراف".

أما فيما يخص البحث عن معجبين، فتبقى القضية رهن المفاضلة بين الأملحي والجرموزي، أو قد تحتاج بحد ذاتها إلى لجنة تحقيق. فبحسب تغريدة الأملحي يبدو أنه قد استغرب كثيرا من كمية السباب الذي تلقاه ممن سماهم الذباب الإلكتروني. يقول: "‏لم أكن أعلم أن وزير المالية الجرموزي أصبح حوتا بهذا الحجم كونه جديدا، الا والخبير بنى له ذباب الكتروني منذ استلامه لمنصبه السابق"، مضيفا: "ما شاهدته من رسايل ومنشورات واتصالات وتهديدات وجنان شي يدعو للتعجب".

وبالتالي سيرة هذا "الحوت"، بحسب توصيف الأملحي، جديرة بالاهتمام. فالمناصب التي تقلدها في غضون سنوات قليلة، من وكيل محافظة الحديدة إلى رئيس مصلحة الضرائب، ثم وزيرًا للمالية، تجعله متفوقًا على الأملحي وغيره. وإذا كان الأملحي مصرا على الاحتفاظ بلقبه، فإن الجرموزي تخلى عن ذلك ليبدو أكثر حرية واستقلالًا، بل ليظهر كمواطن عادي: عبد الجبار أحمد. وهذا ما يزيد من معجبيه على مواقع التواصل الاجتماعي كرجل دولة بحق، أو كما يريد أحمد حامد.

باعتبار أنه تم تعيينه في حكومة أطلقت عليها سلطة صنعاء “حكومة تغيير وبناء”، عليه أن يثبت جدارته كوزير للمالية. فقد بادر بتقديم ذمته المالية كأول وزير في الحكومة الجديدة يفعل ذلك. أثارت هذه الخطوة إعجاب الناس على مواقع التواصل، وازداد عدد متابعيه. كان الأمر جميلا، حيث أقدم الجرموزي على خطوة أخرى أكثر نزاهة: إصدار مذكرة إلى مصلحتي الجمارك والضرائب، وربما أيضا إلى البنك، بإيقاف أي مكافآت أو مستحقات كانت تُصرف للوزير السابق. وهذا ما لاقى ترحيبًا كبيرًا.

وبحسب أبو زنجبيل الحوثي أيضا، فإن هذا الموقف "النزيه" من قبل وزير المالية الجرموزي أعاد إلى الأذهان موقفًا مماثلًا لوزير المالية السابق رشيد أبو لحوم، الذي أصدر نفس التوجيه بإيقاف أي مكافآت كانت تُصرف لمن سبقه. وهكذا، يتبع الخلف السلف في كل شيء، بل ويكرمه في حفل توديع مهيب، إذ لن ينسى الجرموزي موقف أبو لحوم معه عندما أصر على تعيينه رئيسًا لمصلحة الضرائب، رغم وجود معارضين.

لكن من وضعه في المنصب الجديد يريد أن يرى عمله على أرض الواقع. فالعمل عمل والتغريدات تغريدات، وبالتالي ليس بوسع الجرموزي إلا أن يثبت جدارته في ميدان العمل أيضًا. وأول خطوة عملية هي عدم السكوت على حكم محكمة عليا بإيقاف شحنة دواجن في الميناء، لاسيما وأنها تخص تاجرا من صعدة. فكان عليه أن يمضي قدما ويستخرج الشحنة، حتى ولو في جنح الظلام، وحتى لو ضج أولئك الذين ينافسونه في البحث عن معجبين.

شارك الخبر: