تُعدّ القضية الفلسطينية وقيام دولة مستقلة في ظل استمرار احتلال إسرائيل للضفة الغربية أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي.
وتعود المسألة إلى الواجهة في كل مرة مع إعلان إسرائيل عن بناء وحدات سكنية جديدة، آخرها الكشف في 6 مارس/ آذار الحالي، عن سماح هيئة التخطيط العليا في إسرائيل بالمضي في خطط بناء أكثر من 3400 وحدة سكنية في مستوطنات "معاليه أدوميم" و"كيدار" و"إفرات"، وفق ما أعلن مسؤولون إسرائيليون.
وتزداد المخاوف من احتدام الحرب في غزة وتوسعها في الضفة الغربية مع اقتراب شهر رمضان، في ظل تصريحات متشددة من مسؤولين إسرائيليين، قد تؤدي إلى "نزاعات غير مسبوقة"، وفق ما نشرته صحف إسرائيلية وعالمية من معلومات وتحليلات.
تاريخ هذه النزاعات معقد ومشحون بالتوترات والعنف، إذ تتجدد دورياً وترمي بثقلها على الساحة الدولية، وفي هذه الأثناء ومنذ بدء الرد الإسرائيلي على عملية حركة حماس واندلاع حرب غزة، تصاعد العنف في عموم الضفة الغربية.
بعد حرب عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغم انسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005 الذي تسيطر عليه حماس، إلا أن إسرائيل أبقت على قوات عسكرية في مدن وقرى الضفة الغربية وزادت من عمليات الاستيطان، رغم أن السلطة الفلسطينية تتمتع بعلاقات دبلوماسية وأمنية توصف بالجيدة مع إسرائيل.
ويبدو أن علاقات السلطة لم تتمكن من الوصول لتفاهمات مع السلطات الإسرائيلية حول إنهاء وجود القوات العسكرية الإسرائيلية وتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، ما يضع شعبيتها على المحك في الأوساط الفلسطينية، وهو ما يعني العمل بمبدأ "السلاح في مواجهة إسرائيل" الذي تتبناه فصائل مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما.
وترفض قرارات الأمم المتحدة الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وتصفه بالاحتلال، وقامت دول عديدة بمنع استيراد المنتجات التي تأتي من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
جغرافيا وديموغرافيا الضفة الغربية
تقدر الإحصاءات الرسمية الفلسطينية عدد سكان الضفة الغربية بحوالي 3 مليون و225 ألف نسمة. ولا تختلف التقديرات عما تشير إليه منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية غير الحكومية -تطالب بحل الدولتين- بوجود أكثر من 3 ملايين و280 ألف نسمة، يشكل الفلسطينيون أكثر من 86 بالمئة من سكانها، مقابل 14 بالمئة من إسرائيليين يعيشون في المستوطنات الموجودة في مختلف مناطق ومدن الضفة الغربية.
هذا دون احتساب القدس الشرقية، التي يقطنها أكثر من 230 ألف إسرائيلي.
ويقول مراقب المستوطنات في منظمة السلام الآن، يونتان مزراحي، إن انتشار الاستيطان يُعد "حجر عثرة أمام التوصل إلى حل سياسي" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مشيراً إلى أن الاستيطان ليس العثرة الوحيدة أمام عملية السلام.
ويضيف مزراحي لبي بي سي، أن ما يقرب من 300 مستوطنة وبؤرة استيطانية موجودة حالياً في الضفة الغربية.
وأشار مزراحي إلى أنه "من حق الفلسطينيين العيش على أراضيهم الخاصة ضمن دولتهم بجوار دولة إسرائيل"، مبيناً أن "إقامة المستوطنات على أراض محتلة في الأساس هو ما يؤجج الوضع الخطير الموجود حالياً".
ويسكن الإسرائيليون في مستوطنات بنيت على الأراضي الفلسطينية، تم احتلالها عام 1967، وتعتبر المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، حسب قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، إذ تمثل "انتهاكاً للسيادة الوطنية للشعب الفلسطيني" وتعيق فرص تحقيق السلام.
وتعتبر محكمة العدل الدولية بأن جميع المستوطنات في الضفة الغربية غير قانونية.
كما تؤثر هذه المستوطنات على الحياة اليومية للفلسطينيين، حيث يرتكب المستوطنون العديد من الاعتداءات على الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم حسبما تعلن وزارة الصحة الفلسطينية، وفي آخر هذه الحوادث قُتل فلسطيني على يد مستوطن خلال توجه الفلسطيني إلى قطف الزيتون في بلدته في مدينة نابلس.
وتقدر مساحة الضفة الغربية المحتلة بعد اتفاقية أوسلو بـ 5860 كيلومتراً، ولكن بوجود المستوطنات والجدار العازل تقلصت مساحتها بنحو 50 بالمئة وفق أرقام وكالة الانباء الفلسطينية.
كما عزل الجدار 13 تجمعاً سكانياً يقطنه 11700 فلسطيني، تنحصر حركتهم في المنطقة ما بين الخط الأخضر (حدود 67) والجدار.
وكانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، قد أقرت في 2004، بعدم قانونية الجدار العازل، وطالبت إسرائيل بوقف البناء فيه.
"السلطة الفلسطينية تمول الإرهاب"
قال المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل، غولان برهوم، "إن هناك خلايا إرهاب في الضفة الغربية، تمولها السلطة الفلسطينية وتحرضها على استهداف إسرائيل" وأضاف أن الوجود العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية هو "ضرورة ملحة لحماية عمق دولة إسرائيل".
وبين غولان لبي بي سي، أن العديد من الإسرائيليين "لم يعودوا يؤمنون بأهمية وجود دولة فلسطينية مستقلة، لأنها ستشكل خطراً ليس على إسرائيل فحسب بل على الدول العربية بشكل عام، إذا ما وصلت أطراف مدعومة من إيران إلى السلطة".
واعتبر غولان أن فكرة وجود دولة فلسطينية مستقلة "عفى عليها الزمن"، وأن الحدود التي أقرتها اتفاقية أوسلو "لم تعد واقعية، وأنها تُضر بالأمن الاستراتيجي لإسرائيل".
وابدى غولان "تخوف اليهود من تكرار سناريو الشتات اليهودي أو الهولوكوست على أيدي الفلسطينيين الذين يتمتعون بعمق عربي قد يهاجم إسرائيل في أي وقت".
وأكد غولان في مجمل حديثه أن إسرائيل لن تسمح بأن تتحول الضفة الغربية إلى قطاع غزة ثان.
وحمل غولان مسؤولية ضياع فرص الحل السياسي للفلسطينيين، "كان هناك فرصاً كثيرة لتحقيق دولة مستقلة لكن قيادة السلطة هي من أضاعها".
ورفض غولان الأصوات التي تنادي بحل الدولتين، وطرح فكرة "الحكم الذاتي الفلسطيني على بعض المناطق، باعتبارها النقطة الاساسية لأي مفاوضات مقبلة".
وطالب غولان في حديثه لبي بي سي، الفلسطينيين بالاعتراف "بيهودية دولة إسرائيل "، قائلاً إن هذا "مطلب اساسي وجوهري لإسرائيل".
واستذكر غولان "انسحاب إسرائيل من المدن والمناطق الفلسطينية" عقب اتفاقية أوسلوا، هو ما أدى إلى تحول تلك المناطق إلى "ملجأ للمسلحين الذين فجروا الموقف في الضفة الغربية عام 2000، عندما قامت الانتفاضة الثانية".
"الضفة الغربية سجن كبير"
وتقول عضوة حركة فتح، رئيسة وحدة الديمقراطية وحقوق الإنسان في وزارة الداخلية الفلسطينية، هيثم عرار، إن الحديث عن طاولة مفاوضات "في ظل الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين، والتنكيل بالأسرى، والاقتحامات المتواصلة لمدن وقرى الضفة الغربية، لا يبدو منطقياً"، مطالبة إسرائيل بتقديم تنازلات جدية إذا أرادت السلام.
وتضيف السيدة هيثم، لبي بي سي، أن طاولة المفاوضات بحاجة إلى إظهار نوايا حسنة من قبل الجانب الإسرائيلي، "أولها تجميد الاستيطان الذي زاد في الضفة الغربية، منذ اتفاقية أوسلو عام 1993 بشكل كبير، حيث كان هناك أقل من 100 ألف مستوطن فقط، بينما اليوم يوجد زهاء 750 ألف مستوطن" ووصفت الضفة الغربية بأنها "سجن كبير" للفلسطينيين جراء الإجراءات الاسرائيلية.
وأشارت السيدة هيثم أن حركة فتح "تبذل جهوداً مضنية لإقناع الشباب الفلسطيني بالحل السياسي والسلمي مع إسرائيل لكن هذه الجهود تتبدد عندما تقوم إسرائيل بمنع الشباب من الذهاب إلى الجامعات، أو عندما تقتلهم أو تعتقلهم".
وبينت السيدة هيثم أن الجميع في الضفة الغربية مدركون أن التصرفات الإسرائيلية تؤدي بالفلسطينيين إلى "تبديل الحل السلمي بالحل العسكري"، مؤكدة أن هذه نتيجة طبيعية أمام "تعنت الحكومة الإسرائيلية بقراراتها الأحادية".
وأعربت السيدة هيثم، عن قناعتها بقدرة السلطة الفلسطينية على "أخذ زمام الأمور في الضفة الغربية بشكل كامل وعادل إذا ما انسحبت إسرائيل من الضفة وأُعلنت دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وقابلة أن توفر حياة كريمة للفلسطينيين".
"قلق أممي دائم"
وأفادت الصحافية المعتمدة في الأمم المتحدة، دينا أبي صعب، أن الأمم المتحدة تصف الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية بـ "الدولة القائمة بالاحتلال"، وبينت أن الضفة الغربية "تحت حصار اقتصادي وإنساني قاس".
وقالت الصحافية دينا، لبي بي سي، إن إسرائيل "تحاول الضغط على الفلسطينيين لإيصالهم لحالة من الضيق للبحث عن فرص حياتية أفضل مثل التعليم والرفاهية في بلاد أخرى".
وأشارت أن القلق الأممي يتعلق أيضاً "بعنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين المتمثل بالقتل والحرق ومصادرة الأراضي، تحت غطاء أمني وسياسي من الحكومة الاسرائيلية"، مشيرة إلى أن غياب محاسبة هؤلاء المستوطنين "يزيد من حنق الفلسطينيين ومشاعر الكره بين الطرفين".
ووصفت الجدار العازل الإسرائيلي بأنه "جداراً عنصرياً قائما على معايير الهوية والعرق والدين".
وشددت على أن القلق الأممي يمتد إلى أن "تكرر إسرائيل سيناريو حصار غزة"، وبينت أن الضفة الغربية "عملياً محاصرة".
وسلطت الصحافية دينا الضوء على الشق الاقتصادي الذي يعاني منه الفلسطينيون بسبب الإجراءات الاسرائيلية مثل "الرقابة المشددة على واردات الضفة والرقابة على الفلسطينيين أنفسهم بالإضافة إلى ربط الاقتصاد الفلسطيني بمصالح الاقتصاد الإسرائيلي".
وحول ما إذا كانت الأمم المتحدة تفكر بفرض قوات حفظ سلام بين الطرفين، قالت الصحافية دينا، إن "إسرائيل تتجاهل قرارات الأمم المتحدة السابقة، فكيف يمكنها أن ترسل قوات حفظ سلام إلى المنطقة؟"، واستشهدت بقوات اليونيفيل الموجودة في لبنان والتي تمنع إسرائيل من انتشارها على الأراضي الإسرائيلية.
وبينت أن اسرائيل تمنع زيارات الأمم المتحدة الإنسانية والقانونية، كما أن " توسع الاستيطان وبناء الجدار وتداخلهما مع المدن والقرى الفلسطينية يجعل مهمة انتشار قوات حفظ سلام صعبة جداً".