• الساعة الآن 07:01 AM
  • 13℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

"الشرارة" يُشعل صراع ليبيا مجددا.. من المستفيد؟

news-details

لطالما كان حقل "الشرارة" النفطي الليبي في قلب صراع سياسي وعسكري بين مختلف الأطراف المتنازعة بالدولة الأفريقية الممزقة منذ الربيع العربي لعام 2011.

ويشكل الحقل عصب الاقتصاد الليبي نظرا لإنتاجه الهائل الذي يمثل نحو ربع إنتاج البلاد من النفط الخام، وهو المصدر الأكبر للإيرادات، لكنه يتعرض للإغلاق بصفة متكررة.

والأسبوع الماضي، أعلنت المؤسسة الليبية للنفط في بيان، حالة "القوة القاهرة" بحقل الشرارة اعتبارا من 7 أغسطس، بعد أن قام محتجون يعرفون بـ "حراك فزان" بالاعتصام ما أدى إلى توقف العمليات النفطية والتأثير على عمليات التصدير من ميناء الزاوية على الساحل الغربي للبلاد.

ويقع حقل الشرارة في مدينة أوباري جنوب غربي البلاد على بعد نحو 900 كيلومتر جنوب طرابلس، وهو أكبر الحقول النفطية في ليبيا وينتج كحد أقصى 315 ألف برميل يوميا.

 

"تأثيرات سلبية"

وهذا الإغلاق هو الثاني منذ بداية العام الجاري بسبب الاحتجاجات، فيما كانت أيضا العمليات العسكرية إلى جانب الاحتجاجات تستهدف الحقل منذ انقسام البلاد عام 2014 بين إدارة في الشرق وأخرى في الغرب بعد الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011.

ويؤكد خبير الطاقة ونائب رئيس هيئة البترول الأسبق في مصر، مدحت يوسف، لموقع "الحرة" أن "إيقاف إمدادات النفط وتوقف التصدير، سيؤثر بلا شك على صادرات النفط الليبية وعلى تشغيل معامل التكرير المرتبطة بها، دون أن يكون لذلك تأثير كبير على أسواق النفط العالمية".

ويبلغ إنتاج ليبيا من النفط الخام وفقا لمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" نحو 1.2 مليون برميل يوميا، تُصدر منهم نحو 1.024 مليون برميل.

ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة، حميد فاضل، إن "حدة التأثير تعتمد على مدة استمرار الإغلاق. ومع ذلك، من المؤكد أن هذا الإغلاق سيؤثر بشكل كبير على إيرادات الدولة الليبية من النقد الأجنبي، حيث تُعد الإيرادات النفطية المصدر الوحيد لذلك". 

ويضيف في حديثه لموقع "الحرة" أن "هذا سيؤدي إلى زيادة العجز في الميزان التجاري ويؤثر سلبا على قدرة المصرف المركزي على تلبية طلبات شراء النقد الأجنبي، خاصة أن الأشهر السبعة الماضية شهدت عجزا في استخدامات (احتياطات) النقد الأجنبي، مما يزيد من تفاقم الأزمة". 

كما من المتوقع أن ينعكس الإغلاق سلبا على تمويل الميزانية العامة للدولة، التي أقرها البرلمان سابقا بقيمة تصل إلى حوالي 179 مليار دينار (37.2 مليار دولار)، وفق فاضل، الذي يشير إلى أن "الميزانية تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية". 

وخلال العام الماضي الذي شهد أيضا إغلاقا لحقل الشرارة مرتين على الأقل، تراجعت إيرادات ليبيا من النفط بنسبة 6 بالمئة، لتصل إلى 99.1 مليار دينار ليبي (20.69 مليار دولار)، بالمقارنة مع 105.4 مليار دينار ليبي (22.01 مليار دولار) في عام 2022، وفقا لبيانات مصرف ليبيا المركزي.

وبحسب المصرف المركزي، تمثل إيرادات مبيعات النفط ما نسبته 79 بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة لليبيا عام 2023، التي ذهبت النسبة الأكبر منها (48 بالمئة) لدفع مرتبات العاملين بالدولة.

وفيما يتعلق بالتأثير على أسعار النفط العالمية، يقول الخبير المصري يوسف: "لن يكون لهذا الإغلاق تأثير كبير على أسواق النفط العالمية، اقتصاد ليبيا التي تعتبر أكبر دولة تمتلك احتياطي نفطي بأفريقيا، أكبر الخاسرين من إعلان القوة القاهرة".

وإعلان "القوة القاهرة" يشكل تعليقا "مؤقتا" للعمل، ويسمح بحماية يوفرها القانون للمؤسسة بمواجهة المسؤولية القانونية الناجمة عن عدم تلبية العقود النفطية الأجنبية، بسبب أحداث خارجة عن سيطرة أطراف التعاقد، وفقا لوكالة فرانس برس.

وأوردت وكالة رويترز، الجمعة، أن أسعار النفط أغلقت على ارتفاع وحققت مكاسب أسبوعية تجاوزت 3.5 بالمئة مع تراجع مخاوف الطلب بفضل بيانات اقتصادية إيجابية، وإشارات من صناع السياسات في مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) إلى أنهم قد يخفضون أسعار الفائدة خلال وقت قريب، في حين تستمر المخاوف من اتساع الصراع في الشرق الأوسط بإثارة مخاطر الإمدادات.

كما لاقت أسعار النفط دعما أيضا من إعلان المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا حالة "القوة القاهرة" في حقل الشرارة النفطي اعتبارا من، الأربعاء، بحسب "رويترز"، إذ صعدت العقود الآجلة لخام برنت 50 سنتا إلى 79.66 دولار للبرميل عند التسوية، وزادت أيضا العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 65 إلى 76.84 دولار للبرميل.

 

"ورقة ضغط"

ويتفق خبراء ومحللون سياسيون تحدثوا مع موقع "الحرة" على أن "إغلاق حقل الشرارة أصبح بمثابة ورقة ضغط سياسية وعسكرية تستغلها الأطراف المتنافسة في البلاد"، إذ يقول المحلل السياسي الليبي، أحمد المهداوي، إن "إغلاق حقل الشرارة يُشكل فارقا لدي السلطة السياسية في ليبيا من أجل الضغط عليها، باعتباره أكبر الحقول مساهمة في إنتاج النفط".

ويضيف لموقع "الحرة" أن "الإغلاق يؤثر على إيرادات الدولة كون أن النفط هو المصدر الوحيد للعملة الصعبة في البلاد والمساهم الأكبر في الإيرادات".

بدوره، يقول المحلل السياسي الليبي، عادل عبدالكافي، إن "الحكومة تعتمد بشكل كبير على الموارد النفطية لتسيير الرواتب وإدارة الاقتصاد الذي يمس حياة المواطنين".

ويضيف لموقع "الحرة" أن "ورقة النفط غالبا ما تستغل من قبل بعض الأطراف السياسية في ليبيا لتحقيق مصالحها ومحاولة تمرير مشاريعها، حيث تعتبر هذه الأطراف أن النفط أداة قوية يمكن الاستفادة منها لتحقيق أهدافها".

وكانت ورقة النفط دائما حاضرة في جميع المساومات التي تمارسها بعض الجهات السياسية والعسكرية داخل ليبيا، من خلال إغلاق حقول النفط ومنع التصدير، وفق عبدالكافي، الذي يشير أيضا إلى "لجوء بعض الأطراف القبلية والجهوية أيضا، مدعية أنها تمثل حركات معينة مثل حراك فزان أو حراك برقة، إلى استخدام ورقة النفط لابتزاز الحكومة أو فرض مطالبهم".

 

من يستفيد؟ 

ويحكم ليبيا التي تشهد أعمال عنف وانقسامات، حكومتان متنافستان، إحداها في طرابلس (غرب) برئاسة، عبدالحميد الدبيبة، ومعترف بها من الأمم المتحدة، وأخرى في بنغازي شرقا ويرأسها، أسامة حماد، وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من القائد العسكري القوي، خليفة حفتر.

ومنذ سنوات كان تقاسم إيرادات النفط في ليبيا على رأس الخلافات السياسية والعسكرية بين الحكومتين، حيث كانت تهدد الحكومة المكلفة من البرلمان في الشرق بوقف تصدير النفط من المناطق الخاضعة لسيطرتها وتضم معظم حقول النفط.

ونددت حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، الأسبوع الماضي، بمحاولات تهدف إلى محاولة إغلاق حقل الشرارة النفطي ووصفتها بإنها محاولة "ابتزاز سياسي".

وقالت في بيان نقلته فرانس برس إن الثروات النفطية ملك لليبيين ولا يجوز استخدامها "ورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية"، مشيرة إلى أن تكرار أزمات النفط تسبب في "أضرار جسيمة للاقتصاد الوطني".

وفي هذا السياق، يرى عبدالكافي أن الإغلاق الأحدث لحقل الشرارة جاء بعد إصدار إسبانيا، التي لديها شركة تدير الحقل، مذكرة توقيف بحق صدام حفتر، مما دفعه إلى إعطاء أوامر بإغلاقه.

ويضيف: "مجموعة مسلحة بالمنطقة بتوجيه من صدام، قامت بالتأثير على بعض الشخصيات المدنية ليعلنوا أنهم قاموا بإغلاق الحقل، في محاولة منه للضغط على إسبانيا لإلغاء مذكرة التوقيف الصادرة بحقه المتعلقة بتهريب شحنة أسلحة عبر الأراضي الإسبانية إلى بنغازي".

وعُيّن صدام، النجل الأصغر لحفتر، رئيسا لقواته البرية المسيطرة على ثلثي مساحة ليبيا تقريبا. وفقا لتقرير سابق لفرانس برس، بينما يتولى خالد، القيادي العسكري، منصب رئاسة الوحدات الأمنية في جيش والده بصلاحيات كبيرة.

وطبقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية، تم احتجاز صدام حفتر في مطار نابولي بإيطاليا لمدة ساعة قبل أسبوع تقريبا، بعد ظهور اسمه على قاعدة بيانات مشتركة للاتحاد الأوروبي، إذ يقول مقربون من حفتر إنه تعرض للاستجواب من قبل مسؤولين إيطاليين فيما يتعلق بالمزاعم الإسبانية، لكنهم يصرون على أنه لم يتم القبض عليه قط.

والأسبوع الماضي، تناقلت وسائل إعلام محلية، مقطع فيديو يظهر تجمع العشرات ممن يطلقون على أنفسهم "حراك فزان" (حراك شعبي تشكل من أجل المطالبة بالحقوق والخدمات والتنمية في الجنوب الليبي) أمام البوابة الرئيسية للحقل، رافعين مطالب عدة أبرزها تحسين الخدمات في المنطقة وتوفير فرص عمل لشباب المناطق بالمنشآت النفطية ومنع التلوث البيئي.

ويُشغل حقل الشرارة مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا وشركة "ريبسول" الإسبانية وشركة "توتال إنيرجيز" الفرنسية وشركة "أو إم في" النمساوية و"إكوينور" النرويجية، وفقا لرويترز. 

ولهذا يضيف عبدالكافي: "يرى حفتر أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى إلغاء مذكرة التوقيف، معتبرا أنها ورقة مساومة ليست فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الدولي أيضا".

في المقابل، لا يعتقد المهداوي أن "أي طرف يستخدم إغلاق حقل الشرارة لأغراض سياسية"، بل يرى أن "الأمر مرتبط فقط بالسعي لتحسين الظروف المعيشية السيئة التي تعاني منها تلك المنطقة".

ويقول: "لا يوجد أي طرف يستفيد من إغلاق حقل الشرارة؛ لأن الضرر الناتج عن هذا الإغلاق يؤثر على جميع الليبيين. وأهالي تلك المنطقة يشعرون بالإحباط بسبب عدم تحقيق مطالبهم على مدار السنوات الماضية، والتي تتعلق بتحسين أوضاعهم المعيشية والاهتمام بالبنية التحتية، وإنشاء طرق ومدن تتماشى مع وجود حقول النفط في مناطقهم".

من جانبه، يضيف عبدالكافي أن "إغلاق حقول النفط يُشكل قضية أمن قومي، ويجب ملاحقة ومحاسبة المسؤولين عن هذا العمل قانونيا".

ويقول: "لا ينبغي استخدام هذه الموارد الحيوية لتحقيق أغراض شخصية أو لخدمة مصالح سياسية أو عسكرية داخل البلاد، خصوصا أن ذلك يمس حياة المواطنين".

شارك الخبر: