تقرير خاص | النقار | خالد سعيد الحاتمي
أفرزت الحرب المستمرة في اليمن لأكثر من تسع سنوات العديد من المشكلات التي باتت تؤرق اليمنيين وتهدّ مضاجعهم، حيث ارتكبت بحقهم أبشع صور الانتهاكات وأقسى الويلات، لا سيما حالة الاختطافات المتزايدة والمستمرة منذ بداية الحرب من قبل أطراف الصراع.
تنصّ المادة (11) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم 13 لعام 1994م، على أن "الحرية الشخصية مكفولة، ولا يجوز اتهام أيّ مواطن بارتكاب جريمة ولا تقييد حريته إلا بأمر من السلطات المختصة"، وأكدت ذلك المادة (7) من نفس القانون، بأن الاعتقالات غير مسموح بها إلا ما يرتبط بالأفعال المعاقب عليها قانونياً.
بينما ينصّ القانون الدولي الإنساني على أن المدنيين الواقعين تحت سيطرة القوات المعادية يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية في جميع الظروف ودون تمييز، ويجب حمايتهم ضد كل أشكال العنف والمعاملة المهينة بما فيها التعذيب والقتل، ويحق لهم أيضًا الخضوع لمحاكمة عادلة توفر لهم جميع الضمانات القضائية الأساسية.
وتحظر اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة في أغسطس 1949، إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلًا قانونيًا، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة، وفق المادة الثالثة من الاتفاقية.
لكنّ أطراف الصراع استخدمت كل أدوات التنكيل التي ترقى إلى جرائم الحرب بحق اليمنيين المدنيين، وتمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني خلال فترة النزاع المستمر منذ سنوات، وفق توصيف منظمات الأمم المتحدة.
الألم الذي يعانيه المعتقلون
أحكام الإعدام بحق المعتقلين إحدى أوراق الحرب التي استخدمتها أطراف الصراع في اليمن، لا سيما جماعة أنصار الله لتصفية الخصوم، بعد سلسلة من الانتهاكات التي حدثت للعديد منهم في السجون، وممارسة التعذيب بحقهم وتلفيق التهم الكيدية بغية الحصول على مكاسب سياسية أو النيل من الخصوم.
وفي الآونة الأخيرة برزت ظاهرة أحكام الإعدام بحق المعتقلين، حيث قالت الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، "إن عدد ضحايا أحكام الإعدام بلغ 145 مختطفًا، منهم 9 تم تنفيذ الإعدام بحقهم، بينما هناك 70 مختطفًا مدنيًا معرضون لخطر الإعدام في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
ولفتت "الهيئة" في مؤتمر صحفي تحت عنوان "لا للتصفيات السياسية" عقدته في مدينة مأرب آواخر يوليو، إلى أن جماعة الحوثي تستخدم القضاء في تصفية حسابات سياسية، معتبرةً أن هذا يشكل تهديدًا للمحتجزين السياسيين، وأن هذه المحاكمات هي محاكمات سياسية بامتياز.
ووصفت الأمم المتحدة محاكمات الحوثيين للتسعة مدنيين من أبناء محافظة الحديدة في 18 سبتمبر 2021 بأنها لم تحترم معايير المحاكمة العادلة.
ولعل آخر الشواهد على هذه الحالة كانت في براءة الناشطة فاطمة العرولي بعد الحكم عليها بالإعدام في ديسمبر العام الماضي، ورغم أن حكم البراءة وتعويضها مادياً كان مؤشراً إيجابياً، إلا أنه دليل على اختلال ميزان القضاء وتسييسه عند الحكم عليها بالإعدام دون الوضع في الاعتبار أي مضاعفات نفسية وصحية تحدث للمعتقلين نتيجة العبث بمصيرهم وحياتهم.
يقول رئيس المنظمة الوطنية للأسرى والمختطفين رضوان مسعود لـ "النقار"، "إن جماعة الحوثي المسلحة استخدمت الابتزاز السياسي، فقامت باختطاف المدنيين من منازلهم وأماكن أعمالهم وقامت بإخفائهم وتعذيبهم، ثم قامت بإصدار أحكام الإعدام بحقهم، وذلك من أجل إخراج عناصرهم من المقاتلين الذين أسرتهم قوات الشرعية في الجبهات، وحدث أن بادلت جماعة الحوثي بسبعة عشر مختطفًا مدنيًا عليهم أحكام إعدام مقابل مقاتلين من الجبهات.
استخدام الرعب كأداة
من جانبه، يتحدث الصحفي أكرم الوليدي، وهو أحد الصحفيين المعتقلين سابقًا الذين شملتهم أحد أحكام الإعدام خلال فترة اعتقالهم لدى جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء، لـ "النقار" بالقول: "إن هذه الأحكام رسالة مرعبة مفادها أن كل من يرفع صوته ضدهم سيُقتل بدم بارد. وأردف: جماعة الحوثي لجأت إلى هذه الأحكام كوسيلة لبث الرعب والسيطرة، لإظهار قبضتها وترسيخ حكمها القمعي في وجدان الشعب، وتأكيد سطوتها أمام العالم".
ويصف "الوليدي" قرار إعدامه في حديثه لـ "النقار" بـ "القرار المرعب". مشيرًا إلى أن محاكمته كانت مجرد مسرحية عبثية تفتقر إلى أدنى معايير العدالة والنزاهة، ولم يكن له حق في الدفاع عن نفسه، بل تم منع هيئة الدفاع من الدفاع عنا وكانت التهم الموجهة إليّ مجرد افتراءات واهية لا أساس لها من الصحة".
الصحفي الوليدي، أُفرج عنه ضمن إحدى صفقات تبادل الأسرى والمعتقلين التي تمت برعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في أبريل 2023م، ما زال يعاني آثارًا نفسية كبيرة نتيجة الضغوط التي مرّ بها خلال فترة اختطافه وبعد أن صدر بحقه حكم بالإعدام، ويقول: "إن محاولة استذكار ما مرّ به في السجن يسبب له آلامًا نفسية ويضاعف من معاناته الصحية". مختتمًا حديثه بأن أحكام الإعدام التي تتم عبارة عن أوراق تستخدمها الجماعة لبث الرعب في الخصوم وتحقيق المكاسب السياسية.
استفزاز عائلات المعتقلين
بينما الصحفي وضاح المنصوري، وهو شقيق أحد المعتقلين الذين صدر بحقهم قرار إعدام، يقول: "إن جماعة الحوثي خلال فترة الحرب أصدرت عددًا من أحكام الإعدام غير القانونية بطريقة مستفزة لأهالي المعتقلين".
وأضاف "المنصوري" لـ "النقار"، "إن كل الأحكام الصادرة عن الجماعة، بغية الضغط على الخصوم والابتزاز السياسي، وترويع أهالي وذوي المعتقلين. مشيرًا إلى أن هذه الأحكام تشكل خطرًا على المعتقلين القابعين في السجون، وتمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وتعديًا على الحق الإنساني والعيش الكريم".
ودعا الصحفي وضاح المنصوري، في رسالة وجهها عبر شبكة "النقار"، الأمم المتحدة لزيادة الضغط على أطراف الصراع في اليمن لإتمام صفقات تبادل الأسرى والمعتقلين، الكل مقابل الكل، من أجل أن ينعم الجميع بالحرية بعد كل الصعوبات التي واجهتهم في المعتقلات ومن خلفهم أسرهم خارج القضبان، خاصة في ظل تعثّر المفاوضات بهذا الشأن في عدد من الجولات التي تمت في السابق.
وتبقى قضية المعتقلين جوهر القضايا الإنسانية التي أفرزتها الحرب اليمنية منذ سنوات، التي يجب الالتفاف حولها والنضال لأجلها من قبل منظمات المجتمع المدني والعاملين في الحقل الإنساني بمختلف الاتجاهات، حتى ينعم الجميع بالسلام ويعيشون في مجتمع آمن يسوده العدل والمواطنة المتساوية.