• الساعة الآن 07:56 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

براءة فاطمة العرولي انتصار مؤجل وظلم مستمر

news-details

الحكم ببراءة العرولي" هكذا تكون لغة الجلادين سهلة إلى درجة أن أحدًا لا يعود يفكر بكل الامتهانات التي قد تكون الضحية قد تعرضت لها في سجونهم، فيأتي الإفراج كما لو كان مكرمة سخية منهم يستحقون الشكر عليها. فهم غير آبهين بما تركوه في قلوب الضحايا وعائلاتهم من جروح كبيرة طيلة سنوات كأنها قرون وأعمار بأكملها.

فاطمة صالح محمد العرولي، ناشطة اجتماعية، حصلت على حكم ببراءتها بعد سنوات من الاعتقال في سجون سلطة صنعاء، حيث اتهمت في عرضها ووطنيتها وشُنت عليها حملات بذيئة. فالأجهزة الأمنية كأن عملها هو ألا تحفظ لأحد كرامة ولا حقًا إنسانيًا، على الأقل حتى تثبت التهم المنسوبة إليه. بل، منذ اليوم الأول، تحكم على هذا الشخص أو ذاك بالإهدار التام لسمعته وكرامته، دون اعتبار لكونه أنثى أو أن ثمة أسرة خارج القضبان يؤذيها أدنى لسعة تأتي من هنا وهناك. فكيف الحال إذا لم يكن الأمر مجرد لسع بل نهش للحم والعظم؟

في الثاني عشر من أغسطس 2022، اعتُقلت فاطمة العرولي، أي قبل عامين تمامًا من الآن. وحتى يناير 2023، أي بعد مرور خمسة أشهر كاملة، كشفت الأجهزة الأمنية لأسرة العرولي عن مكان تواجد ابنتهم بعد أن أضناهم البحث في أقسام الشرطة وطوارئ المستشفيات. هذا الأمر بحد ذاته جعل من الحياة جحيمًا بالنسبة لهم، وهو أمر لا يعرفه إلا ذوو الضحايا. أما الجلاد وذووه وزبانيته، فهم بمنأى عن كل ما يمكن أن يكون شعورًا، كما أنهم لا يخضعون للضوابط القانونية التي تمنع حصول مثل هذا الظلم.

لكن ذلك لم يكن كل شيء، فما زال بانتظار العرولي وأسرتها المزيد من الامتهان والنكال على ألسنة من يسمون إعلاميين وناشطين، فضلاً عن ذباب جاهز لجعل قاذوراته وليمة دسمة. فراح كل هؤلاء يطعنون في شرف العرولي ويتهمونها بأقذع وأفحش التهم. ثم تأتي ما يقال لها "محكمة" لتصدر في الثلاثاء، الخامس من ديسمبر 2023، حكماً بالإعدام على العرولي بتهمة "التجسس مع دول العدوان"، وهي التهمة الجاهزة التي أصبحت عنوانًا صارخًا لمحاكم تحولت إلى أداة من أدوات العقاب والانتقام، وإلى ثكنات عسكرية بلباس قضائي للقمع وترهيب الخصوم، بحسب حقوقيين.

صدر الحكم ضد العرولي دون أن يكون لها محامٍ يتولى الدفاع عنها. وبحسب تأكيدات عبد المجيد صبرة حينها، وهو المحامي الذي يتصدى للدفاع عن المعتقلين السياسيين أمام المحاكم التابعة لسلطة صنعاء، فإن الناشطة العرولي تعرضت للحرمان من حقوقها الأساسية، حيث تم إخفاؤها في غرفة تحت الأرض وحرمانها من التمثيل القانوني أكثر من مرة. كما تم رفض طلب الاتصال بأبنائها الذين يعيشون خارج اليمن أو مقابلة إخوانها، إضافة إلى رفض الاطلاع على ملف القضية. وبقي الأمر على حاله حتى تم الحكم عليها بالإعدام في محكمة أصدرت حتى الآن أكثر من 500 حكم ضد الخصوم السياسيين. بعض هذه المحاكمات لم تستمر أكثر من سبع دقائق، ما يجعل إجراءات هذه المحاكم نوعًا من احتقار العدالة.

ولأن الحظ دائمًا إلى جانب الجلاد وزبانيته، فإن فاطمة العرولي وأسرتها، بعد صدور حكم ببراءتها من التهم المنسوبة إليها يوم الأربعاء، الموافق 30 يوليو 2024، لم يعودوا يفكرون الآن سوى بالفرح، متمسكين بتلك اللحظة من التبرئة التي نطقت بها المحكمة ذاتها التي كانت قد أصدرت حكمًا بالإعدام. تلك اللحظة كافية لأن يغفروا للسجان وزبانيته كل شيء، وذاك بالضبط ما جاء على لسان صالح العرولي، شقيق فاطمة، وهو يعبر صادقًا من كل قلبه عن الشكر الجزيل للمحكمة ولعدالة القضاء، متمسكًا بلحظة فرحه بتبرئة أخته ورد بعض الاعتبار لها ولأسرتها، وناسياً كل شيء. فالضحايا يغفرون دائمًا، ووحده الجلاد يظل متعفنًا بأحقاده وظنونه.

العرولي في حديث خاص لشبكة النقار، أكد أن فرحته بتبرئة شقيقته لا يمكن أن تحدها كلمات، إلا أن ثمة ما ينغصها وهو الخشية من المماطلة في إجراءات الإفراج التي اعتادت الأجهزة الأمنية على التلاعب بها.

وقال العرولي في حديث خاص للنقار: "إجراءات الإفراج بطيئة وبدائية، حيث هناك سجناء لديهم قرارات بالإفراج منذ سنوات ولم يتم الإفراج عنهم حتى الآن."

وأضاف: "صحة أختي فاطمة العرولي جيدة، ورغم قرار الإفراج إلا أننا لا نعرف متى سيتم الإفراج عنها لأن قوانينهم بطيئة وبدائية"، مشيرًا إلى أن "هناك ناس لديهم قرارات إفراج منذ سنين ولم يتم الإفراج عنهم."

وبخصوص قيمة التعويض المالي الذي ستحصل عليه شقيقته، أوضح العرولي للنقار: "لم يخبرونا كم هي بالضبط قيمة التعويض المالي."

وأيًا يكن مبلغ التعويض الذي سيتم دفعه مقابل الضرر الذي لحق بفاطمة وبهم، فإن الأهم بالنسبة لأسرة العرولي هو تسريع إجراءات الإفراج عنها. ذاك هو كل ما يطلبونه ولا زيادة. فهل للجلادين أن يلبوا لضحاياهم ذلك الطلب البسيط؟

شارك الخبر: