على مواقع التواصل الاجتماعي، حروب حامية بين ناشطي أطراف الصراع ومعارك يصل صليل سيوفها الجوزاء. لكنها سيوف من بذاءة وسباب، لا سيوفا من حديد، حيث ترك المقاتلون سلاحهم ذاك في جبهات القتال واتجهوا للحرب عبر ناشطيهم بسلاح أكثر فتكًا. وبصرف النظر عن الفعل وردة الفعل، تبدو المسألة إفصاحًا حقيقيًا عن انتصار البذاءة عند الطرفين باعتبارها الملاذ الأخير والخيار السهل، حيث كل طرف يشفي غليله من الطرف الآخر بأكبر قدر من السباب، كلٌّ بحسب مخيلته وذهنيته. وفي النهاية، ينتصر الأكثر والأقل على حد سواء. فيكفي أن يعتكف هذا الناشط أو ذاك ليلًا بأكمله، مزودًا بكل ما يحتاجه من معلومات وخطة سير وقات أو أشياء أخرى بحسب الظرف والمكان، حتى يأتي نهار اليوم التالي بما يسحق به خصمه ويقضي عليه قضاء تامًا بسلاحه الفتاك الذي ظل كل تلك الساعات يستخرجه عبر معادلات كيميائية معقدة، فيسكبه في تغريدة أو منشور ساحق ماحق، ليتلقاه أصحابه بالمشاركات والاحتفاءات كما لو كان فتحًا مهيبًا.
إلى وقت قريب، ظلت قواعد الاشتباك منضبطة بمجموعة مصطلحات متعارف عليها عند الأطراف جميعًا. فهذا عند ناشطي سلطة صنعاء (مرتزق، منافق، عميل… إلخ) وذاك عند ناشطي سلطة عدن (مليشياوي، إمامي، انقلابي… إلخ)، يحتفظ كل طرف بمصطلحاته ليطلقها من حين لآخر على الطرف الآخر، فتمضي الأمور ويأتي آخر الشهر بما كتب الله، باعتبار كل ناشط عند جماعته يؤدي وظيفة مقدسة يستحق عليها بعض الثواب. بالتالي، كانت البذاءة بمثابة حالة شاذة لا سياق لها ضمن قواعد الاشتباك تلك، ويترفع عنها الكثيرون، فظلت إلى حد بعيد محصورة بأسماء معروفة هنا وهناك، تُختلس صفحاتهم على وجل كما لو أنها مواقع إباحية. لكن يبدو أن تلك الأسماء ذاتها استطاعت في النهاية أن تجر الجميع إلى ساحتها وراحت تزود أصحابها بـ”الأدبيات” اللازمة لعملهم الجديد، وإذا بكل طرف يبدي مواهبه الدفينة في قذف وشتم وسب الطرف الآخر.
يعلق المحامي عبد الوهاب الشرفي على المسألة بالقول: “إن أتعس ما فعله الصراع في بلدنا أنه طفا بالحثالات إلى السطح، وأتعس من رصاص البنادق الخارق رصاص اللسان الباثر”. لكن ليس ذاك كل شيء، حيث الفشل في عدم تحقيق خطوات ملموسة تقترب من هموم المواطن، جعل الأطراف جميعها تسعى إلى تغطية فشلها بحروب البذاءة الفيسبوكية التويترية. وبحسب توصيف السياسي والكاتب محمد المقالح، فإن هؤلاء وأولئك “فشلوا في كل الملفات المتعلقة بحياة الناس فقرروا الخوض في أعراض الناس”، مؤكدًا أن “الشتيمة سهلة، وتحتاج فقط إلى إنسان بلا أخلاق”.
ولأنها حرب مفتوحة سلاحها البذاءة، فيبدو أن ناشطي سلطة صنعاء قرروا القيام بخطوة تصعيدية كبرى ضد ناشطي الطرف الآخر، وهي أن ينفذوا حملة حظر واسعة ضدهم، بحيث ستحتم عليهم رفع الراية البيضاء وستجعلهم يعلنون “توبتهم”. فعندما يجد أولئك هبوط عدد متابعيهم، سيدركون حينها الضربة الموجعة القاضية المؤلمة القاصمة التي وجهها ناشطو سلطة صنعاء إليهم، فيتوارون عن المشهد مذؤومين مدحورين. هكذا يبدو أنه تهيأ للقائمين الذين يصدرون توجيهاتهم ويوزعون قوائم الأسماء المحظورة أتباعهم، فيما آخرون نظروا إلى تلك الخطوة من زاوية أخرى، وهي أن القيام بحملة حظر ضد الخصوم ليس سوى تعبير عن حالة هروب من المواجهة وانتفاء الحجج المفحمة للطرف الآخر، وبالتالي هو التقوقع لا غير.
وبحسب الناشط رداد الحذيفي، فإن ما أقدم عليه ناشطو سلطة صنعاء ليس له من وصف سوى أنه “قوقعة حوثية”، كما في تغريدة له حملت ذلك العنوان، مخاطبًا من سماهم “ساسة وإعلامجية وناشطي الحوثيين” بالقول: “اعملوا لكم منصة لوحدكم واجلسوا اتجابروا بها انخطوا واشخطوا وبهرروا واغزوا الفضاء لحالكم، بدل حملة الحظر للجميع. أنتم أصلاً والفين تجلسوا وحدكم بالواقع! كملوها بالمواقع”.
الحذيفي أردف كلامه بتغريدة أخرى تعليقًا على حملة الحظر تلك التي انتهجها ناشطو سلطة صنعاء: “أصحابنا، بدلاً من مواجهة الشرعية والمرتزقة وكل عدو ومقارعتهم الحجة بالحجة بكل شجاعة وحرية وفن، عملوا لهم حملة حظر”، مؤكدًا أن “الضعف والهروب والانهزام ليس حلاً”.