هل بدأت معادلة القبيلة والسلطة تشهد المآل ذاته الذي يتكرر على الدوام في تاريخ زيدية الحكم في اليمن؟! يبدو أن ذلك هو ما يحدث الآن بعد عشر سنوات من استيلاء جماعة أنصار الله على الحكم. فالأصوات القبلية التي كانت في الصدارة طيلة صعود الجماعة إلى الحكم بدأت تتململ وتبدي تذمرها علانية، بل وتظهر في موقف المتحدي لما كانت تعتبر نفسها جزءاً منه. ولعل الموقفين اللافتين مؤخراً لكل من صادق أبو شوارب (حاشد) وفارس الحباري (أرحب - بكيل) يعبران عما أصبحت تشهده العلاقة بين القبيلة والجماعة الحاكمة من توترات تبدأ صامتة وسرعان ما تنفجر.
فالرجلان من القيادات القبلية البارزة التي استمالتها الجماعة إلى صفها ومنحتها حضوراً كبيراً في وسطها الاجتماعي ومناصب رسمية في جهاز الدولة وألقاباً جهادية في بنيتها التنظيمية. لكن كل ذلك كان مجرد شكل لا أكثر، وهو ما يبدو أنهما شعرا به مؤخراً هما وغيرهما من القيادات القبلية. أن يؤدي رئيس المجلس السياسي الحاكم مهدي المشاط صلاة عيد الأضحى في أرحب، فليس لهذا من دلالة سوى أن هناك تأزماً في العلاقة بين أرحب كقبيلة وأنصار الله كجماعة حاكمة. وألا يكون فارس الحباري من ضمن أبرز المصلين إلى جانب المشاط في جامع أبو نشطان بأرحب، فللأمر دلالته أيضاً في تلك الحسابات.
أما اللقاء القبلي الذي جمع قبائل أرحب، مؤخراً، والذي ظهر فيه الحباري بصفته القبلية الخالصة متخلياً عن لقب "المجاهد" وصفة محافظ محافظة ريمة، فهو أيضاً مشهد لافت، خصوصاً وأن الحباري أظهر موقفاً مستاءً للغاية من تصرفات سلطة أنصار الله مع قبيلته وتعمد إهانتها والسخرية منها. الحباري شن هجوماً عنيفاً على سلطة صنعاء بشكل عام وعلى القيادي عبدالكريم الحوثي، وزير الداخلية، رداً على تصريحات للأخير تسخر من قيمة قبائل أرحب، مما أثار غضباً واسعاً بين القبائل.
ومن ضمن ما قاله الحباري في اللقاء: "من لا يحترمنا لن نحترمه.. صوروا كلامي هذا وارسلوه للحوثي، لسنا خائفين منك"، مضيفًا: "أنت لست سيداً ونحن من ألبسناك البدلة"، في إشارة إلى دور القبائل في دعم الجماعة وصعودها إلى السلطة. القيادي صادق أبو شوارب هو أيضاً شن هجوماً عنيفاً على ما سماه القصر الجمهوري في صنعاء، متهماً إياه بتأجيج الفتن بين القبائل ومحذراً من نار ستلتهم أولئك المؤججين، في إشارة واضحة إلى المشاط ومدير مكتبه بالدرجة الأولى.
الجماعة نفسها التي أخلص لها كثيراً وتسنم فيها المناصب التي انتهت به إلى عضو مجلس الشورى، حدث لها أن تقوم باعتقال والده من منزله في مسقط رأسه بعمران وإسقاط مكانته واعتباره القبليين كشيخ من مشايخ قبيلة حاشد. هذا الأمر ترك حزازة في صدر القيادي صادق أبو شوارب، فخرج بتصريح ناري على صفحته في منصة إكس مفاده أن "القصر الجمهوري في صنعاء يثير الفتن بين القبائل مستخدماً سياسة فرق تسد منعاً للتغيير الجذري"، مضيفاً: "يا ويل القصر الجمهوري من نار ذات لهب ويا لها من لهب سيحترق بنارها أولاً، اللهم فاشهد فأنت خير الشاهدين".
ويبدو أن أبو شوارب، بالإضافة إلى ما وُجه لأبيه من إهانة باعتقاله وإسقاط اعتباره ومكانته، استحضر أيضاً عدداً من المواجهات والأحداث استخدمت فيها سلطة جماعته لغة الإهانات المباشرة مع هذه القبيلة أو تلك، متابعاً: "إلى القصر الجمهوري بصنعاء سؤال: إذا لم تكونوا المسؤولين عما يحدث! فأين أنتم مما حدث بمديرية المغلاف بالحديدة وصوير بعمران، وما يحدث بين حاشد وأرحب وبني الحارث، وللشيخ أحمد شديق خولان؟".
ففي مديرية صوير بعمران مثلاً، ما زال التوتر على أشده، وثمة توقعات بانتفاضة عارمة لأبناء المديرية في وجه الممارسات القمعية من قبل أجهزة السلطة، والتي كان آخرها سقوط 14 شخصاً بين قتيل وجريح داخل أحد المساجد في المنطقة. أما الشيخ أحمد شديق، وهو أحد مشايخ قبيلة خولان، فثمة استياء واسع من اقتحام منزله في العاصمة قبل أيام واعتقاله بطريقة مهينة، بحيث لم يتم الإفراج عنه إلا بعد أن هددت قبيلة خولان بنكف قبلي سيكون له تداعياته الوخيمة التي لا تريدها سلطة الجماعة على الإطلاق.